قالت الصحف

باحثة أميركية: تورط أميركا في الحرب سيكون كارثيًّا عليها

روز ماري كيليك *– نيويورك تايمز

إذا انجرّ دونالد ترامب إلى هذا الصراع من قِبل إسرائيل، فسيكون ذلك أكبر خطأ يرتكبه خلال رئاسته، بحسب ما تراه محللة سياسية من مركز “ديفنس برايوريتيز”، وهو مركز تفكير أمريكي مناهض للتدخلات العسكرية. وتُحذّر الكاتبة في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز قائلة: “ليست الحروب الوقائية غير فعالة فحسب، بل لها عواقب غير متوقعة”.

الولايات المتحدة على وشك التورط في كارثة جديدة في الشرق الأوسط، وهذه المرة بدفع من إسرائيل — التي لم تعد تبدو كحليف حقيقي.

الضربة المفاجئة التي شنّتها إسرائيل ضد إيران في 13 يونيو الماضي قضت، على الأرجح، على أي فرصة للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو الاتفاق الذي كانت واشنطن تسعى إليه منذ شهور. وبتهوره، يعرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو 40 ألف جندي أمريكي منتشر في المنطقة لخطر الانتقام الإيراني الفوري، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب مع الجمهورية الإسلامية.

من المفترض أن يشعر دونالد ترامب، وكل الأمريكيين، بالغضب إزاء هذا التصعيد. إذ من المرجح الآن أن يقوم نتنياهو ومعه صقور واشنطن بالضغط على ترامب لمساعدة إسرائيل في تدمير مواقع التخصيب النووي الإيرانية، وهي مهمة يصعب على الجيش الإسرائيلي إنجازها بمفرده، وقد تكون أيضًا صعبة حتى بالنسبة للقوات الأمريكية.

حرب مع إيران ستكون أسوأ قرار في رئاسة ترامب.

لن تحقق الولايات المتحدة أي مكاسب من الدخول في حرب مع دولة ضعيفة نسبيًا، تقع في الجانب الآخر من العالم، وتمثل تهديدًا إقليميًا لكنها لا تشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن القومي الأمريكي. أما ما يمكن أن تخسره واشنطن في المقابل، فهو كثير — بدءًا من أرواح الجنود الأمريكيين، وانتهاءً بإمكانية إنهاء ماضٍ دامٍ في الشرق الأوسط لم تتمكن أمريكا من التخلص منه لعقود.

دروس الماضي

بغض النظر عن الميول السياسية، يدرك معظم الأمريكيين أن الحرب مع إيران ستكون خطأً فادحًا، لأنهم تعلموا درسين أساسيين من تدخلات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال الـ25 عامًا الماضية:

  1. الحروب الوقائية لا تنجح.

  2. وغالبًا ما تكون لها تبعات غير متوقعة تؤثر سلبًا على أمن الولايات المتحدة القومي.

في عام 2003، كانت حرب العراق أيضًا مبررة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. لكنها انتهت بكارثة، ليس فقط لأن صدام حسين لم يكن يمتلك تلك الأسلحة، بل لأن الغزو الأمريكي أدى إلى فوضى عارمة، وحرب أهلية، وصعود الميليشيات الموالية لإيران، التي غيرت موازين القوى في المنطقة. ومن رحم تلك الفوضى، وُلد تنظيم “داعش”.

ليس هناك ما يشير إلى أن حربًا مع إيران ستسير بشكل أفضل. بل، على العكس، ربما تكون عواقبها أكثر وخامة. فحتى لو بدأت الولايات المتحدة بضربات جوية بدلًا من تدخل بري — بالنظر إلى تضاريس إيران الوعرة — فإن التجربة مع الحوثيين تثبت أن الضربات الجوية وحدها غير كافية.

رغم إنفاق أكثر من 7 مليارات دولار على تلك الحملة، لم تتمكن الولايات المتحدة من فرض تفوق جوي على الحوثيين، وهم مجرد ميليشيا تعتمد على موارد دولة فقيرة مثل اليمن. إيران، بطبيعة الحال، تملك قدرات دفاعية أقوى بكثير.

إذا لم تنجح الضربات الجوية في تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، فإن الضغط سيتزايد لإرسال قوات برية، تمامًا كما حدث في “النموذج الأفغاني” الذي استخدم للإطاحة بطالبان. ورغم أن النية الأصلية كانت خوض حرب سريعة بمشاركة 1300 جندي فقط في عام 2001، تحولت الحملة إلى احتلال طويل دام 20 عامًا، وبلغت ذروته بوجود 100 ألف جندي أمريكي في 2011، وأدت إلى مقتل أكثر من 2300 جندي أمريكي.

البدائل: الدبلوماسية أو تجاهل طموحات إيران

حتى في أفضل السيناريوهات — حيث تنجح الولايات المتحدة في تدمير معظم المواقع النووية الإيرانية — فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تأخير المشروع الإيراني، لا إيقافه. فلا يمكن لأي حرب أن تردع دولة عن تطوير سلاح نووي إن كانت عازمة على ذلك.

ولهذا كانت الدبلوماسية، أو حتى التجاهل، أكثر فاعلية. البرنامج النووي الإيراني بدأ قبل أكثر من عشرين عامًا، وهو موزع على عدة منشآت في أنحاء البلاد، ويعمل فيه آلاف العلماء — منهم 3000 في أصفهان وحدها. عدد العلماء المؤهلين لتخصيب اليورانيوم للاستخدام العسكري كبير لدرجة أنه من المستحيل على إسرائيل اغتيالهم جميعًا، حتى وإن حاولت.

هذه المعرفة التقنية منتشرة بما يكفي لتمكين إيران من إعادة بناء قدراتها بسرعة. وبلا شك، فإن أي هجوم جديد سيدفع النظام الإيراني أكثر نحو تطوير القنبلة لحماية نفسه من أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي مستقبلي.

وهم “تغيير النظام”

إضافة إلى كل ذلك، فإن رفض إسرائيل القاطع لرؤية إيران تتحول إلى قوة نووية، يعني أن مفهوم “الانتصار” بالنسبة لنتنياهو يرتبط بتغيير النظام في طهران — كما تشير الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة كبار في إيران.

سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر زاد من قناعة بعض صقور واشنطن بأن تغيير النظام في إيران أصبح حتميًا. وقد دعا جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، إلى ذلك علنًا، قائلًا: “حان وقت إطلاق حملة لتغيير النظام الإيراني”.

لكن هذا تفكير سحري. فالتاريخ يُثبت أن الهجوم الخارجي يُوَحِّد الشعوب خلف حكوماتها، مهما كانت غير شعبية. ومقاطع الفيديو من إيران تُظهر مواطنين يطالبون بالرد على إسرائيل، لا بمحاسبة حكومتهم. وحتى إذا سقط النظام، ماذا بعد؟ فحتى الحكومات السيئة قد تكون أقل ضررًا من الفوضى المطلقة.

هل نريد تكرار مآسي العراق وليبيا؟

يتفاخر دونالد ترامب بأنه لم يدخل في أي حروب جديدة خلال ولايته الأولى — وهذا إنجاز يجب أن يحافظ عليه. عليه أن يقاوم ضغط نتنياهو ومن يناصرونه في واشنطن، حتى لا تتعرض الولايات المتحدة لأضرار كارثية لا رجعة فيها.

روز ماري كيليك باحثة في مركز “ديفنس برايوريتيز”

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button