مقال اليوم

هل النووي الإيراني هو الهدف أم الايديولوجيا؟

محمد محمود شحادة

Screenshot

اندلعت الحرب المباشرة بين الكيان الإسرائيلي و الجمهورية الإسلامية الإيرانية فجر الجمعة ١٣ حزيران ٢٠٢٥ بعد الاعتداء الاستباقي الإسرائيلي القاسي على ايران وثم الرد الاولي من ايران، وفتحت الحرب وبدأ القصف المتبادل، في ظاهر الامر كانت  ايران تقترب من انتاج السلاح النووي، ولم تقتنع إسرائيل بالمفاوضات الحاصلة بين الولايات المتحدة الأمريكية و طهران على انها ستؤدي الى اتفاق لا يسمح  بالتخصيب بنسبة تمنحها القنبلة النووية، الا ان حقيقة  الحرب هي الصراع في شكل اخر، فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على العالم بدأت مسيرة العولمة الكونية، وعليه عملت الولايات المتحدة الأمريكية على اخضاع الدول لبرامجها التكنولوجية واحادية العمل السيبراني ليصبح الكون قرية كونية واحدة بقيادة اميركا، في هذا الوقت تقدّمت العديد من الدول تكنولوجياً سيما الصين والهند وباكستان  بشكل   خاص، وقد اتاحت اميركا لهم ذلك، رغم حياز هذه الدول على القنبلة النووية، ولكن واشنطن تعتبر  ان هكذا دول رغم قوتها وحجمها الكبير، لا تستطيع ان تغير المسار الأحادي للقيادة العالمية.

 لماذا؟  لان هذه الدول تخلت في العصر الحديث عن الأيدولوجيات كحكم مثل الشيوعية في الصين وتبنت اقتصاد  السوق الاشتراكي وبالتالي تخلت عن ثوابت الشيوعية  كانت لتعيق الدورة الاقتصادية العالمية التي يكون مردها للإدارة الامريكية، كما ان فرنسا وبريطانيا وباقي الدول النوويةً ايضاً تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً واقتصادياً ، اما ايران فكانت من ابرز الدول الصاعدة في أواخر القرن العشرين بمنظومتها الصاروخية وتفوقها التكنولوجي والعلمي وفي مطلع القرن ٢١ اكتشف فضيحة  عملها بتخصيب اليورانيوم الذي يؤدي إلى إنتاج الطاقة النووية.

هذا ما لم تقبل به الولايات المتحدة الأمريكية فسرعان ما فرضت عليها العقوبات و شددت عليها وبدأت معها مراحل المفاوضات النووية وبعد عشرين عاماً لم تصل الى اتفاق ثابت ونهائي معها،  لان المطلوب امر واحد وهو منع ايران من انتاج القنبله النووية.

في عالم العولمة الكونية يطلب من الدول ان تتحرر من عقائدها و من الايدولوجيات فكيف لو كانت الايدولوجية دينية محضة، ايران جمهورية إسلامية تستمد مواقفها و اراءها من البعد السماوي وليس كباقي الدول النووية والصاعدة  التي ترسم علاقاتها وفق الشراكة الدولية المفتوحة، لذلك فاميركا تعتبر انه من غير المسموح لدولة لها ابعاد دينية عقائدية ان تقوى لتصل الى مرحلة القوة النووية، لانها تعتبر ان هكذا دولة ستعيق الانسياب العالمي في العلاقات لكونها تبني مواقفها ورفضها و موافقاتها ليس على أسس الشراكة الدولية المفتوحة  والمتبادلة، انما على أسس ومبانٍ غيبية خاصة، مع ان الولايات المتحدة الأمريكية بنت شراكة مؤقتة مع ايران الا انها لم تتحول ولم تستطع اميركا ان تحولها الى شراكة دائمة ومفتوحة وذلك لأسباب ايدولوجية تتحكم بقرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتقودها مرجعية ولاية الفقيه أو ما يسمى بالنظام الملالي.

أعاقت هذه  الأيديولوجية الإيرانية، وفق واشنطن، انجاز صفقة القرن و إتمام الاتفاقيات الإبراهيمية من خلال تمسكها بقضايا الشعوب وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتعتبر اميركا ان ايران بدعمها لحماس والجهاد منعت تحقيق السلام العادل والشامل في فلسطين ومنعت حل الدولتين التي ترفضها إسرائيل بشكلها الأخير، وتعتبر اميركا ان ايران من خلال ارتباطها الأيدولوجي صنعت الاذرع الموالية لها في لبنان و سوريا واليمن والعراق ودربتها ومدتها بالسلاح للعمل وفق رؤيتها الايدولوجية، وتعتبر إسرائيل ان ايران اذا ما امتلكت القنبله النووية مع ارتباطها العقائدي بفلسطين ستقوم بتهديد وجوديّ لها، في وقت العالم الذي اصبح قرية كونية أمريكية خالٍ منّ الايدولوجيات المتطرفة وفق التعبير الأميركي التي تسمح بمظاهر دينية فلكلورية فقط او تتعامل مع جهات متطرفة دينياً تعمل لصالحها ومصالحها في المناطق ذات النفوذ،  الا انها لا تسمح بايدولوجية دينية حقيقية مستقلة بذاتها وبالتالي لن تسمح لهكذا دولة سيما في الشرق الأوسط  ان تمتلك سلاحاً نووياً لانه في اقل الحالات ستعيق خيارات دول المنطقة والجوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأولها التطبيع مع إسرائيل وبالتالي تعيق الانسيابية بالمعاهدات والاتفاقيات بين الدول و اميركا التي تعمل على عولمة وحوكمة الدولة لصالحها.

ان الحرب القائمة اليوم بين ايران و إسرائيل هي في الحقيقة بين الشراكة الدولية المفتوحة والايدولوجية المقيدة، فرغم الشراكة المحدودة  بين اميركا وايران في الاستخبارات ضد طالبان والاتفاق النووي المحدود والمفاوضات وبعض الاتفاقيات لتحرير محتجزين، الا ان اميركا ترى انه لا يمكن تحقيق شراكة دولية دائمة مع ايران طالما انها تنادي بالأيدولوجية وتمنع وتسمح وفق قيود دينية تعيق العولمة التي تطلبها اميركا.

فماذا تريد اميركا من ايران؟ ان كل ما تريده هو التخلي عن القوة واذا ارادت ان تحافظ على ايدولوجيتها عليها ان تتخلى عن انتاج الطاقة النووية، ولذلك ان الهجوم الإسرائيلي هدفه اسقاط النظام في ايران أي انهاء مفاعيل الثورة الإسلامية الإيرانية وتحويل ايران الى دلة علمانية غير عقائدية كباقي دول الجوار لان قوتها وأيدولوجيتها ونظامها معاً لن ينسجم مع المسار الدولي التي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية الذي يتمظهر بالحداثة ونشر الديمقراطية و ابرام الاتفاقيات دون قيود دينية تعقد الاستثمارات الامريكية في كل المنطقة العربية والخليجين الفارسي والعربي.

هل تخرج ايران باتفاق ينجي نظامها؟

ان السيناريوهات متعددة وكثيرة سيما انها تتعلق بامور جيوسياسية كبيرة فورقة المضائق لا زالت بيد ايران سيما مضيق هرمز الذي تجمعه شراكة مع الامارات ومنه يتم تصدير ٢٠٪؜ من النفط للعديد من الدول، وباب المندب الذي يستطيع الحوثي اغلاقه دون تكاليف، ونحن بالطبع امام استنزاف إسرائيلي عمره اكثر من سنة ونصف وبالتأكيد امام دمار لم يشهد  له مثيل في تاريخ إسرائيل وقلق من المستقبل يومياً من المستوطنين، وفي المقابل ايران تتعرض للضربات الاستراتيجية في طهران ومشهد والاهواز واصفهان و كافة المحافظات ووصلت الضربات للبنى التحتية العادية بعد البنيات العسكرية، وهنا نشهد بداية تلويح بائتلافات من الجانبين فباكستان اهم الدول الداعمة لإيران لانها لا زالت تتمتع بشيء من الايدلوجية وتليها كوريا الشمالية وهم أوائل  المدعويين لمسادة ايران سيما اذا تدخلت اميركا والحلف الأطلسي في المعركة.

lo3bat elomam

Recent Posts

La pompe de terre : une invention qui fit jaillir l’eau de l’histoire

La pompe de terre : une invention qui fit jaillir l’eau de l’histoire Nadine Sayegh-Paris…

4 أيام ago

إعترافً بفلسطين ولكن !!!!

سامي كليب ‏مشكورة الدول التي اعترفت وتعترف بالدولة الفلسطينية، فهذا حقٌ فلسطيني طال انتظاره، وأن…

6 أيام ago

مجلة بوليتيس الفرنسية : تدميرٌ ممنهج لغزة وطرد السكّان حتميّ

بقلم : بيار جاكمان في مجلّة Politis منذ الهجوم البري الذي شُنّ غداة عملية حماس…

أسبوع واحد ago

بنغازي وفرحة اللقاء بالزملاء

       سامي كليب       ثمة مؤتمراتٌ تدفع إلى الملل من لحظاتِها الأولى،…

أسبوع واحد ago

Le sang, cette mosaïque invisible qui coule dans nos veines !

Le sang, cette mosaïque invisible qui coule dans nos veines ! Nadine Sayegh-Paris De l’Antiquité aux…

أسبوعين ago

دراسة غربية صادمة:680 الف ضحية في غزة

عن دراسة بعنوان : تزييف التاريخ: السياسة البغيضة لإحصاء ضحايا غزة ريتشارد هيل وجدعون بوليا*…

أسبوعين ago