افتتاحيّة: الصراحة أفضل
سامي كليب:
ماذا نُسمّيها: ” الحرب الأهليّة؟ حرب الآخرين على أرضنا؟ الحرب الداخلية والخارجيّة؟ حرب اليمين واليسار؟ حرب العروبة والانعزالية؟ حرب المحاور؟”. لم ولن يتفق اللُبنانيّون على توصيفٍ موحّد أو حتّى منطقيّ للحرب.
ساذجٌ من يعتقد أنَّ الحرب ما كانت لتعود في أي لحظةٍ وبعنف وشراسة أشدّ مما شهده لُبنان في الأعوام الممتدة من 1975 الى 1990. لم تتغيّر النفوس المشحونة بالمذهبيّة والحقد، لأنَّ لُبنان لم يعرف مصالحة حقيقيّة، وبرنامجًا سياسيًّا، اقتصاديًّا، اجتماعيًّا، نفسيًّا، تربويًّا، وأمنيًّا لتشجيع المواطن على الانتماء إلى الوطن والدولة، لا إلى المذهب والطائفة والمنطقة والقائد المفدّى والزعيم ورجال الدين.
ثم لماذا حُشرت سنوات الحرب بتلك الأعوام بين 1975 و1990؟ فالحرب كانت قد بدأت قبل ذلك، واستمرت بعد ذلك. ربما ليس بشكلها المُسلّح العنيف الذي شهدته بعضُ تلك السنوات، لكن بالأسباب والنتائج، فحتّى اليوم، لم ولن يتفق اللُبنانيون على أسباب تلك الحرب، ويُراد تصديق الرواية القائلة، بأنّ كل المشكلة تكمن في تلك ” البوسطة” التي مرّت بالصدفة في عين الرمّانة وقُتل رُكّابُها.
ما أكثر الكُتب وما أقلّ القرّاء عما سبق ورافق تلك الحرب اللعينة، يكفي أن نقرأ مذكّرات وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر ونُقرِنها بكتب بثينة شعبان ( مترجمة حافظ الأسد ومستشارة بشّار الأسد)، لنفهم حقيقة ما حصل بُعيد حرب 1973 وحتى اتفاق كامب-دافيد الإسرائيلي المصري وما تلاه، فُلبنان كان آنذاك في عين العاصفة، لأربعةِ مطالب: أولها منع تمدّد العمل الفدائي الفلسطيني فيه، وثانيها منع تمدد التيار اليساري بقيادة كمال جنبلاط، وثالثها إقامة علاقات لُبنانية اسرائيليّة، ورابعها إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد بهضم كامب دافيد عبر اغراءات أخرى او تحييده عنه، ولذلك قرّرت أميركا أنّ سورية بقيادة حافظ الأسد تستطيع تحقيق هذه الأمور بدعم أميركي وضوء أخضر إسرائيلي. هكذا فقط دخل الجيش السوري إلى لُبنان، خلافًا لكلّ ما يُقال من سذاجاتٍ داخلية لُبنانيّة وتبريرات سوريّة. ( بثينة شعبان نفسها تعترف في كتابها بالضوء الأخضر الإسرائيلي).
حين زار كريم بقرادوني حافظ الأسد بمعيّة وفدٍ لُبناني بادره الأسد بالقول: “وصلتني هديتك، وأريد أن أشكرك على ما كتبته في كتابك ” السلام المفقود” لكن، يا كريم اليس الكتاب ناقصاً؟”. قال له: “أين النقص يا سيادة الرئيس؟”. قال: “لماذا لم تكتب أن الشيخ بيار الجميّل عرض علينا أن نقيم وحدة لبنانية – سورية، وأنا رفضت، وقلت له إن الشعب يصنع الوحدة، لا أنا أو أنت؟”. فقال بقرادوني، وبعض القلق يعتريه،: “يا سيادة الرئيس هذا ملكك لا ملكي.
يكفي أن يقرأ المرء محضر اللقاء الأخير الذي جمع حافظ الأسد بكمال جنبلاط، قبيل اغتياله، ليُدرك أن الأسد كان قد اتخذ قراره باحتواء اليمين المسيحيّ، وبردع الحركة الوطنيّة وكمال جنبلاط الذي ذهب إليه بأمل الحصول على الضوء الأخضر والسلاح لاستكمال الحرب والقضاء على الكتائب (الذين كان يصفهم بالانعزاليّين) والوصول الى رأس السلطة في انتقام تاريخيّ وشخصي وسياسي نائم منذ سلّم الفرنسيون السلطة الى الموارنة، لكن الأسد رفض ذلك على نحو قاطع بذريعة أنّه لا يريد ارتماء المسيحيّين في أحضان إسرائيل. وهو كان يُدرك في قرارة نفسه أن الفُرصة متاحة تمامًا للسيطرة على كلّ لُبنان، مع احترام الاتفاق مع كيسنجر والشروط الاسرائيليّة المتعلّقة بالخطوط الحُمر للتمدد العسكري جنوبًا ونوعية الأسلحة المسموح إدخالها وبنقاط التمركز.
يكفي أن يقرأ المرء وثائق وزارات الخارجية الغربية، ومذكّرات المبعوثين، واعترافات قادة ومقاتلين لُبنانيّن، ليفهم أنّ لُبنان كان وما زال حتّى اليوم ضحيّة لعبة أمم، غرق فيها طواعيّة أو عنوة، إما لقصر نظر ساسته، أو لأحلام بعضهم بتغيير وجه لُبنان، أو لأوهام بعضهم الآخر بالانتصار على الفريق الآخر بدعم خارجيّ، أو لقلة شرفِ معظمهم حيال بيع الوطن للخارج.
كلُّ القوى التي سعى ساسة لُبنان للاحتماء بها أو طلب العونِ منها أو التذلّل لها، ربحت في لُبنان، بينما خسر الوطن وخسر كلُّ مَن تحوّل الى مُجرّد بيدق في خدمة هذا الطرف الخارجيّ أو ذاك.
الوطن الذي يقوم على معادلة الطوائف والمذاهب، سيبقى مهزومًا، لأنّ التوافق والانسجام لا يكون عادة بين مذاهب تُكفّر بعضها، بل بين أبناء الوطن المترفّعين عن الطوائف والمذاهب، والمؤمنين ببناء وطنٍ سيّد، حُر، ومستقل.
لم تبدأ المُشكلة مع الكتائب ولم تنته بعدها، ولم تبدأ مع الحركة الوطنيّة ولم تنته بعدها، ولم تبدأ مع المنظمات الفلسطينية ولم تنته بعدها، ولم تبدأ مع الجيش السوري ولم تنته بعد انسحابه، ولم تبدأ مع حزب الله ولن تنتهي بعد إضعافه. فالمشكلة هي في بناء وطنٍ حقيقيّ تسوده العدالة، ويحكمه القانون، فلا يعود فيه فضلٌ من أحدٍ على الآخر الا بقدر ما يُقدّم لهذا الوطن، لا لطائفته ومذهبه وقائده وزعيمه على حساب الوطن.
لُبنان الآن أمام فُرصة حقيقيّة للنهوض. لن ينتصر فيه أحدٌ على الآخر، وفي ظل الظروف الإقليميّة والدوليّة الحاليّة، وفي سياق الانفتاح العربيّ الجديد على لُبنان، والمتغيّرات الدوليّة، يستطيع لُبنان أن يستعيد دوره الريادي عربيًّا ودوليًّا، بشرطين: بناء دولة المؤسسات والإصلاح الحقيقيّ ومكافحة الفساد من جهة، وصون حدوده الوطن من جهة ثانية، لانّ إسرائيل لن تفرح كثيرًا بقيام دولية قويّة غير مُقسّمة لا في لُبنان ولا في سورية.
هل يستطيع العهد الجديد تلبية الشرطين؟ هذا هو الرهان الحقيقي، وهذا هو مقياس النجاح أو الفشل. ومن هنا تبدأ الرواية الحقيقية لانتهاء الحرب، بل قُل الحروب اللُبنانيّة.
La fragrance de la Mésopotamie qui a envoûté le monde entier ! Nadine Sayegh-Paris L’histoire des…
أ.د ماريز يونس (أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ) في لحظة تاريخية يعيش لبنان…
محمد محمود شحادة لطالما مارست الولايات المتحدة الامريكية سلاح العقوبات الاقتصادية على خصومها في العالم…
صدر ت حديثاً عن دار نوفل / هاشيت أنطوان رواية "ما يحدث في دبي يبقى…
La gastronomie française, une révolution dans l’assiette ! Nadine Sayegh-Paris S’asseoir à une table, consulter un…
سامي كليب: افتتاحية : الصراحة أفضل. حين تُكشف وثائق وتحقيقات الانهيار العسكري الواسع للقسم الأكبر…