سامي كليب
قال الزعيم التاريخي للصين ماوتسي تونغ، “إنَّ إسرائيل وتايوان قاعدتان للاستعمار في آسيا، حيث أسَّس الغربُ إسرائيلَ ضدَّ العرب، وتايوان ضدّ الصين”…ليس ربما من قَبيل الصُدف إذًا، أن تكثّف الصين مناوراتِها العسكرية العقابية حول تايوان بعد أن عبّر الرئيس التايواني الجديد عن نزعة استقلالية، وترفع في الوقت نفسه، مستوى ووتيرة دورها في الشرق الأوسط والخليج بحيث تنجح في جمع إيران والسعودية على أرضها، وها هي اليوم تدفع الأطراف الفلسطينية والفصائل للمصالحة أيضًا على أرضها وتوقيع اتفاق هام جدى لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الحرب على غزة، وذلك بعد فترة قصيرة على استقبالها 4 قادة عرب للمشاركة في افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصينيّ العربيّ.
نص اتفاق الفصائل الفلسطينيّة في الصين الذي أُعلن اليوم على :
- أن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد”.
- توحيد الجهود الوطنية لمواجهة العدوان الصهيوني ووقف حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها دولة الاحتلال وقطعان المستوطنين بدعم ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية، ومقاومة محاولات تهجير شعبنا من أرض وطنه فلسطين، ولإجبار الكيان الصهيوني على إنهاء احتلاله لقطاع غزة وسائر الأراضي المحتلة، والتمسك بوحدة الأراضي الفلسطينية بما يشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة
باتت الصين ترتبط بالعرب بمصالح كُبرى وبحجمِ تبادل تجاري فاق 350 مليارَ دولار أي بزيادة 40 % عن الأعوام الماضية، وصارت شريكًا أولاً لدول عربية كانت تاريخيًّا أقرب الى الولايات المتحدة الأميركيّة وبريطانيا مثل السعودية والإمارات. وهي إذا ترتبط أيضًا بإسرائيل بعلاقات قويّة، الاّ أنَّ موقفها الثابت لم يتزعزع حيال الحقّ الفلسطينيّ بدولة فلسطينية عاصمتُها القدس الشرقيّة، والمطالبة بمؤتمر دوليّ للسلام بهدف حلّ النزاع، ومناصرة للحق الفلسطيني في مجلس الأمن.
تُريد الصين أن تكون وسيطًا في الصراع المستمر منذ أكثرَ من سبعة وسبعين عامًا، وحين استضافت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ، اجتماعًا لوزراء خارجية السلطة الفلسطينية وإندونيسيا ومصر والسعودية والأردن لإجراء محادثات تهدف إلى “تخفيف التصعيد” في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر، جاهرت مُجدَّدًا بهذه المواقف.
وهي المواقف نفسها التي ترسّخت في القمّة العربيّة الصينيّة في السعوديّة، والتي حملت عنوان «قمة الرياض العربية – الصينية للتعاون والتنمية»، حيث تمّ التأكيد على التالي:
- إنَ القضية الفلسطينية تظل قضيةً مركزيّة في الشرق الأوسط
- يجب إيجادُ حلّ عادل ودائم لها على أساس «حل الدولتين».
- ينبغي إنهاءُ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامةُ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتُها القدس الشرقية.
- لا شرعية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة.
- يجب نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط.
بالتزامن، نصَّ إعلان الرياض على أن الدول العربية تتمسك بشدة بمبدأ الصين الواحدة، وتدعم الصين في حماية سيادتها ووحدة أراضيها، وتؤكد مجددًا أن تايوان جزءٌ لا يتجزأ من أراضي الصين.
كذلك فإنَّ العلاقاتُ الإسرائيلية الصينية تطوّرت على نحوٍ كبير في العقدين الماضيين رغم الضغوط الأميركية الهائلة على إسرائيل لمنعها من ذلك أو للحدّ منه ، قبل أن تتراجع هذه العلاقات بعد جائحة كوروبا، ثم تتقهقر أكثر بعد الموقف الصيني العادل حيال فلسطين.
وهذه نظرة سريعة على علاقات الصين بإسرائيل:
- في الأعوام القليلة الماضية كان التبادلُ التجاريّ بين الصين وإسرائيل قد شارف على 23 مليار دولار سنوّيًا، وكان نتنياهو يستعد لزيارة اقتصادية إلى الصين، لكن 7 أكتوبر غيّرت كل المعادلة.
- طوّرت الصين وإسرائيل علاقاتهما خصوصًا في فترة ما وصف بالربيع العربي حيث قفزت إلى 10 مليارات دولار في العام 2011، بينما كانت سابقًا تقتصر على 50 مليونًا.
- في العام 2012 وحين ارتفعت نسبة التبادل التجاري والتكنولوجي والزراعي والعسكري بين البلدين على نحو ملحوظ، أعلن نتنياهو عزم إسرائيل على انشاء خط سكة حديد للتجارة يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط لتمرير البضائع من وإلى آسيا وأوروبا ويكون بديلا عن قناة السويس
- منذ العام 2000 عقدت إسرائيل والصين صفقة لبيع طائرات فالكون، لكن واشنطن أفشلتها كما أفشلت صفقاتٍ عسكريّة وتكنولوجية أخرى. وبعدها بعامين طلبت الصين شراء قمرين صناعيين من إسرائيل لمواكبة الألعاب الأولمبية في العام 2008.
- باعت إسرائيل إلى الصين بين عامي 1984 و 1994، أي في خلال عشر سنوات فقط، أسلحة بنحو 8 مليار دولار، حتى باتت إسرائيل في المرتبة الثانية لمزودي الصين بالأسلحة بعد روسيا
- وفق الجمارك الصينية، كانت إسرائيل قد أصبحت ثالث مستورد للسيارات الصينية في العالم بعد روسيا والمكسيك، حيث استوردت 15 ألف سيارة في العام 2023
- ثُلُث الاستثمارات التكنولوجية عالية الدقة في إسرائيل هي من الصين. وأكبر الشركات الصينية في هذا المجال تُشارك في أحد أكبر مراكز الأبحاث والتنمية الإسرائيلية.
- الصين كانت استثمرت بنحو مليار دولار في مرفأ حيفا، قبل أن تحتلَّ مكانها الهند عبر ميلياردير يُسيطر حاليًّا على 70 % من المرفأ، وحصل هذا أيضًا بضغط أميركي بسبب وجود قواعد أميركية في المنطقة..
- بين عامي 2011 و 2021 كانت حصةُ الصين من الصادرات الإسرائيلية نحو آسيا قد انتقلت من 25% إلى 42 %.
- بعد أن كانت الاستثمارات الصينية في إسرائيل قد بلغت ذروتها في العام 2018، فإن صادرات الشركات الإسرائيلية الى الصين تقلصّت بنسبة 15% واقتصرت على 480 شركة.
انطلاقًا مما تقدم، يمكن القول إنَّ الصين تتربّع على عرش العلاقات النامية جدًا مع العرب من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، وهي بالتالي، لا تستطيع فقط جمع الفصائل الفلسطينيّة، لكن يُمكنها أيضًا العمل حثيثًا على إعادة إطلاق مسار تفاوضي أكثر عدالة من الذي عرفناه منذ تسعينيات القرن الماضي، وأقرب الى الواقع، وإلى منح الفلسطينييّن حقهم، وإقناع الاحتلال بأنَّ الحروب ما عادت مفيدة له. لكن هل سيتركها الأطلسيّ تتقدم على مواقعه التقليديّة؟ على الأرجح لا ، الا اذا كان في ذلك مصلحة حقيقية لإنقاذ إسرائيل من كبواتها.
ولذلك، ربما على الدول العربية انتهاز هذه الفرصة الصينية الكبيرة، والعمل مع بكين على رفع مستوى الضغوط، اذا كانت فلسطين فعلاً مهمّة لهم