بين الخيانة والتخوين
سامي كليب:
يقول أرسطو “إنَّ هدف الحرب هو السلام”. يوافقُه فيكتور هوغو بقوله:” إنَّ الحرب هي حربُ البشر، والسلام هو حربُ الأفكار”، ومثلُهما فولتير يؤكد أنّ ” الحربَ هي الروتين، والانسانيّة لم تعرف حتّى اليوم السلام، بل عرفت فتراتِ ما بين الحروب فحسب”.
- في القمّة العربية في بيروت عام 2002، أيّ في ثانية العواصم العربيّة بعد فلسطين التي اجتاحتها إسرائيل في العام 1982، تبّنت جامعة الدول العربيّة بكل قادتِها، بمَن فيهم الممانعون، خطَّة السعودية التي قادها وليّ العهد آنذاك الملك عبدالله، والتي تبنّت خِيارَ السلام الشامل مع إسرائيل بقولها : ” إنَّ الدول العربية تلتزم بالدخول في حالة سلام وأمنٍ وعلاقاتٍ طبيعيّة مع إسرائيل، مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي العربيّة المحتلّة حتَّى حدود 4 حزيران 1967، والقبول بحلّ عادل لأوضاع اللاجئين الفلسطينيّين مُرتكزٍ على القرار 194 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”.
- رفضت إسرائيل العرض مرارًا لكن كلّ القمم العربيّة اللاحقة أكدت على أسس مبادرة الملك عبدالله وقمّة بيروت.
- لم تلتزم إسرائيل مرّة بما وقّعته لا في مؤتمر مدريد ولا في اتفاقات أوسلو ولا في واي بلانتايشن ولا في جنيف، ومضت تشنُّ حربًا تلو أخرى تارة على غزّة وأخرى على لُبنان، وتقيم مستوطنة بعد أخرى، غير آبهة بشيء.
- حين جاءت الاتفاقات الابراهيمية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تقدّم العربُ خطوة إضافيّة نحو السلام، لكنّ إسرائيل استمرّت بتقطيع أوصال فلسطين، وتعزيز سرطان المستوطنات، والقمع والسجن والحصار والقتل.
- لو قرأنا كتاب ” عن فلسطين” لنعوم شومسكي وإيلان بابيه، وعشرات الكتب الأجنبية الأخرى التي صدرت في العامين المنصرمين، نجد بالوثائق والحجج والبراهين والأرقام، أنَّ الفلسطيني، أكان في الداخل الإسرائيليّ أو في الضفّة الغربيّة أو في غزّة، يُعامل كدرجة ثانيةٍ أو ثالثة من البشر أو كعدو.
الآن، انفجرت الحربُ بأشرس وأوسع وأقسى صورها، وهي تمدّدت من غزّة إلى اليمن مرورًا بلُبنان والعراق وسورية، فانقسم العربُ بين مؤيّدٍ للمقاومة المُسلّحة ومُحمّلاً الاحتلال المسؤوليّة الأولى، وبين قائلٍ بأنَّ لا جدوى من ذلك وأنَّ حماس (أي الإخوان المسلمين برأيهم) هي التي استثارت هذه الحرب،وعليها وعلى داعميها من إيران الى حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي وغيرهم دفع الثمن.
بعيدًا عن هذا الانقسام الذي يُكرّر نفسه في التاريخ العربي منذ ثورة الشريف حسين، ويتكرّر منذ نكبةِ فلسطين، يبقى السؤال المحوريّ الذي لم يُجب عليه أحدٌ بعد: ما هو الحل الناجع فعلاً لإنقاذ شعبِ فلسطين من سجنه الكبير، ومن القتل والتجويع والحصار والدمار، ومن صنع سلامٍ حقيقيّ في الشرق الأوسط؟
فإذا كان القتالُ هدفًا للسلام، ما هو الأفق ومن سيرسمُه لاحقًا وكيف؟ وما هي حدود السلام المقبول؟وهل كل مَن يرفض القتال خائن، أم أن بعضَهم خائف ويجب تفهمه وجذبه بدلا من تخوينه؟
وإذا كان عدم القتال هو الحل، وأنَّ التفاوض يبقى الأساس، فكيف نُفسّر أنَّ إسرائيل لم تلتزم في تاريخِها بأي سلامٍ وقّعته، سوى حين هُزمت في حرب 1973 وانسحبت من سيناء؟ وهل رفضُ الحرب يجب أن يقترن بالوقوف مباشرة أو مداورة مع الاحتلال؟ وهل كلّ من يناصر الشعب المُباد مُتهم بالولاء لإيران؟
ليس زمنُنا زمَنَ توزيع شهادات سلوك بِمَن هو الخائن أو البطل، فانسانيتُنا قبل انتمائنا السياسيّ والدينيّ والعرقيّ تفرض علينا الوقوف الى جانب شعبٍ يُباد، ونحتاجُ كعربٍ اليوم قبل الغد، أن نضعَ مشروعًا حقيقيًّا يُلزم إسرائيل ورعاتِها بسلامٍ حقيقيّ وعادل، ويقيم دولةً فلسطينيّة حقيقيّة، سيّدة وحرّة ولها مطاراتها ومرافئُها واقتصادُها وأمنُها، كأي دولةٍ أخرى في العالم.
هذا فقط جوهر المسألة، وكل الباقي صراعٌ مع طواحين هواء دونكيشوت.
وهنا ينطبق قول الكاتب الشهير ألبير كامو :” إنّ الهزيمة النهائيّة، هي التي تُنهي الحروبَ وتجعلُ السلامَ عذابًا دائمًا بلا شفاء”.