هل يفقد العرب خُبزَهم بعد حرب أوكرانيا؟

د.نجاح زيدان
ما إن خرج العالم من أزمة كوڤيد التي استمرت لفترة عامين حتى ألقت الحرب الروسية-الاوكرانية بثقلها السلبية على كل العالم. وكثيرا ما نسمع هذه الايام على لسان العديد من المختصين بأنّ النظام الغذائي العالمي في خطر وأن تبعات الحرب سترتد على فقراء الكون أكثر من غيرهم. فحسب تقرير للأمم المتحدة كل شخص من عشرة في العالم يعاني من الفقر والجوع بسبب التغييرات المناخية وأزمة الكوڤيد.
كيف للحرب بين روسيا واوكرانيا أن تخل بالموازين الغذائية وغيرها للعالم بأكمله وخاصة دول شمال افريقيا وآسيا؟
تشغل منطقة البحر الأسود دورا” رئيسيا” في النظام الغذائي العالمي. تزوّد كل من روسيا وأوكرانيا وهنغاريا العالم بأكبر قسم من احتياجاته من الحبوب والطاقة والأسمدة. حيث تعتبر روسيا الدولة الأولى في العالم في تصدير القمح تليها أمريكا، ثم كندا وفرنسا، اما اوكرانيا فتأتي في الموقع الخامس.
مع إعلان أوروبا العقوبات الاقتصادية على روسيا قامت الاخيرة بإجراءات مماثلة منها منع أي تصدير للأسمدة والذي سيؤدي مرة أخرى لارتفاع سعر القمح وربما لمضاعفة سعره خلال الأسابيع المقبلة، قامت هنغاريا التي تعتبر من اكثر الدول غنى بالحبوب، بإيقاف صادراتها من الحبوب (تنتج تقريبا” 5,26 مليون طن من القمح سنويا) بعد عدة ساعات من إعلان روسيا توقيف تصدير الاسمدة وذلك لضمان الاستهلاك الداخلي. كذلك مولدالڤيا سارت في الطريق نفسها ( 1,3 مليون طن في العام الماضي). ومن المنتظر أن تقوم دول أخرى بالاجراءات عينها لتأمين الاستهلاك المحلي. ايضا 52% من الصادرات العالمية لزيت دوار الشمس يعود لروسيا وأوكرانيا.
ارتفع سعر القمح منذ بداية الحرب الروسية-الاوكرانية وحتى الآن بنسبة 50%. وصل سعر طن القمح الى 370 يورو والذرة الى 349 يورو للطن الواحد. مع العلم بأن سعر القمح والشعير قد ازداد إبان أزمة كوڤيد 31% وسعر زيت دوار الشمس 60%. بالإضافة الى أن ارتفاع أسعار الوقود أدّى الى زيادة تكاليف الشحنات البحرية التي تلقى صعوبات في الاقتراب من موانئ البحر الاسود بشكل آمن.
معروف أن القسم الأكبر من القمح الروسي والأوكراني يتم تصديره في الخريف والصيف، فإذا استمرت الحرب لن تؤثر فقط على بيع وتوزيع المخزون الحالي وإنما ايضا على المحاصيل التالية. من المنتظر مثلا أن نزوح السكان في بعض المناطق الاوكرانية سيجعل حصاد القمح الاوكراني الذي سيكون جاهزًا في شهر حزيران أمرًا صعبا بسبب نقص في اليد العاملة الزراعية. كما ان مخزون كل من الصين والهند لايستطيع تغطية النقص الحاصل. وكذلك كنداوأمريكا تراجع انتاجهما بمقدار 20 مليون طن( 15 مليون طن كندا و 5 مليون طن امريكا) حيث عانت كلتا الدولتين من موجات الحرارة الشديدة في الصيف.
ماهي انعكاسات الحرب وارتفاع سعر القمح على الدول العربية؟
إن الشرق الأوسط وافريقيا يبقيان أكثر المناطق هشاشة حيث تستورد 40% من صادرات اوكرانيا من القمح والذرة. تعد مصر الدولة الاولى عالميا باستيراد القمح ( 14,5 مليون طن) 90% من واردات مصر من روسيا وأوكرانيا. والجزائر تستورد ما يعادل 1,2 مليون طن.أما تونس ف 60% من وارداتها من القمح تأتي من أوكرانيا. واليمن يستورد 40% من القمح ايضا من روسيا واوكرانيا.
أما لبنان الذي يعاني منذ أعوام من وضع اقتصادي مأساوي، فقد ارتفع سعر “ربطة” الخبز 20% . ولديه فقط مخزون من القمح لفترة لاتتجاوز شهرا ونصف الشهر ،حيث يستورد لبنان ما بين 66 و 80% من احتياجاته للقمح من أوكرانيا و 12% من روسيا. وهنا يجب التذكير بأنه منذ تفجير مرفأ بيروت وتدمير مستودعاته أصبح من الصعوبة تخزين الحبوب. طبعا النقص لايتعلق فقط بالقمح وإنما يطال منتجات أخرى تأتي من روسيا وأوكرانيا مثل زيت القلي وحليب البودرة.
سورية من جهتها التي تكدّس الأزمات الخانقة، فاقمت الحرب الروسية الاوكرانية من مآسي وضعها الاقتصادي وافقار شعبها . والمعروف أن دمشق تستورد ثلثي استهلاكها من المواد الغذائية والبترول. ومعظم استهلاكها من القمح يأتي من روسيا واوكرانيا. وهي تستورد بالعملة الأجنبية أكثر من 180 ألف طن شهريا من القمح .
خلاصة القول :
في سوق عالمي حيث الطلب أكثر من العرض للقمح تستطيع فيه الدول الغنية تأمين وارداتها على حساب الدول الفقيرة التي لن تقدر على زيادة الاسعار وتأمين احتياجات شعوبها من الخبز. وقد دقّت منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة ناقوس الخطر قائلة: سيصبح عدد الاشخاص الذين يعانون من الجوع 900 مليون شخص، أي بما يعادل زيادة 50 مليون شخص .
إن حُرِم الفقير من رغيف الخبز ماذا يبقى له من الغذاء. وهل من يفكّر بخطط فعلية للخلاص؟
الكاتب: د.نجاح زيدان
استاذة محاضرة في جامعة ليون الفرنسية