آخر خبرمقال اليوم

كوفية فلسطين في الأضحى من مكّة إلى الرباط

 

أيمن مرابط – الرباط

لم تكن أعياد الشعوب العربية مسلمين ومسيحيين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم من المحيط إلى الخليج لهذه السنة مشابهة لأعياد السنوات السابقة، ولم تكن فرحتها مكتملة الأركان كما في السابق، ذلك أنه أينما ولّيت وجهك بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيونات ستجد صور الحرب الهمجية على قطاع غزة، ومشاهد مروعة قادمة من دولة السودان التي لا نعلم على ماذا يتناحر أبناءها.

أعياد هذه السنة، اختلطت فيها المشاعر والمظاهر بين الفرح الخجول بالعيد والحزن الممتد إلى عمق القلوب، بين الحفاظ على طقوس العيد لتكريس صورة الصمود رغم كل الجراح ضدا في عدو يجهل تمام الجهل بمعاني البشرية والإنسانية والسلام، وبين الإخفاء أو التقليل منها حدادا ومواساة وتضامنا مع أبناء قطاع غزة الأحياء منهم والأموات.

ثمة نقاش مجتمعي واسع النطاق من المنطقة العربية والإسلامية وكل العالم برز إلى السطح مع استمرار الحرب على غزة، حول كيفية استمرار إيقاع الحياة الطبيعي رغم الحرب والقتل والدمار للبشر والحجر والحضارة وكل معاني ومظاهر الجمال، حول الفرح وهل لا يزال من شيء يستحق الفرح؟ وإذا كان، ماذا سيكون شكلنا وآخرون يُحصي عدو البشرية أنفاسهم قبل كتمها إلى الأبد؟، لا شك أن الأمر يكشف عن تغيرات جذرية عميقة في الفكر المجتمعي العالمي ويستحق الدراسة والبحث المعمق فيه.

حضور فلسطين في الحج.. الواجب الديني والموانع الأمنية

في هذه الأيام يؤدي المسلمون القادمون من عمق فجاج الأرض مناسك فريضة الحج بالديار المقدسة، وسط تحذيرات وتنبيهات متتالية من السلطات السعودية وعدد من رجال الدين من إدخال ما سمته ” الشعارات السياسية” والجهر بها في الأماكن المقدسة، وعلى رأس تلك الشعارات رفع العلم الفلسطيني الذي شاهدنا في أكثر من فيديو داخل الحرم المكي إزالته من يد كل من يحمله من قبل أفراد الأمن.

بيد أن كل الإجراءات لم تمنع مئات بل آلاف الحجاج من رفع الدعاء نصرة للشعب الفلسطيني والمقاومة، ولم تمنع مئات الحجاج الإيرانيين من الهتاف ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة   وأشكال أخرى من التعبير عن الغضب من المأساة الإنسانية في غزة. واضحٌ أن  أغلبية المُسلمين تُساند وتدعم القضية الفلسطينية بكل الوسائل حتّى وإن كانت ثمة شريحة صغيرة لا تعنيها القضية وهي ضد كل الأفكار المرتبطة بالمقاومة والمساندة ولا تراها أولوية وهذا أمر ما عاد مخفيا.

ومن ناحية أخرى، شعبية وتضامنية، فإن كل الصور القادمة من مكة ومنى وعرفات على مدى أيام الحج، وحتى من مختلف البلدان العربية يوم عيد الأضحى وأثناء أداء صلاة العيد، تؤكد بما لا يدعو مجالا للشك أن حضور القضية الفلسطينية هو مسلمة من المسلمات وأولوية وواجب ديني وعقدي وقبل ذلك إنساني لدى معظم شعوب العالم الإسلامي، حتى باتت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالدول العربية تتباهى بالمسيرات وسكان المدن كأنهم يتنافسون حول تنظيم المسيرات والوقفات التضامنية ومن سيكون أكثر كثافة وتنظيما.

في المغرب.. حجم التضامن مُبهر

كعادته، لم يخرج الشعب المغربي عن حلقة الشعوب العربية والإسلامية والعالمية التي رفعت منذ أول أيام الحرب على غزة شعار التضامن ونصرة الشعب الفلسطيني الأعزل، بل إن تنظيم المسيرات والوقفات وتظاهرات كبرى جعلت من هذا الشعب يتصدر المشهد العربي والعالمي إعلاميا وإنسانيا، متفوقا بذلك على شعوب دول قريبة من المأساة، ولكن هذا التفوق مفرح أكثر مما هو محرج.

استمرارية المظاهرات في شوارع المدن المغربية على مدى ثمانية أشهر منذ بدء الحرب، والحفاظ على زخمها بل وارتفاعه في عدد كبير من المدن المغربية الكبرى يوما بعد آخر وشهرا بعد شهر، أعطت صورة واضحة حول مدى جدية المغاربة في انخراطهم للدفاع عن القضية الفلسطينية دون قيد أو شرط.

 كما شكّلت صور المسيرات الضخمة المنتشرة على صفحات تويتر والفيسبوك ومواقع أخرى انبهارا لدى المتابعين من مختلف الدول العربية والعالم كله، وتداولها رواد المواقع من كل العالم على صفحاتهم وانتشرت كالنار في الهشيم بين الصحف والجرائد والقنوات الدولية.

من مدن طنجة وتطوان بأقصى شمال المغرب، إلى الرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس ومراكش وسط المغرب، وحتى أكادير والعيون جنوبا ومدن أخرى، دأب عدد كبير من النشطاء والفعاليات الشعبية والحزبية والحقوقية على تنظيم وقفات ومسيرات طوال أيام الأسبوع خاصة الجمعة والسبت والأحد، رسمت خلالها جموع المشاركين لوحات تعبيرية وتضامنية حضارية مُبهرة، حملت في طياتها دلالات عميقة عن مدى تشبث المغاربة بقضايا المشرق العادلة الذي لا يمكنهم أن ينفصلوا عنه ولو لبرهة من الزمن.

صلاة العيد في المغرب بالكوفية الفلسطينية

لم يُستثنى يوم عيد الأضحى من مظاهر الدعم المعنوي والتضامن مع القضية، وأعلنت هيئات مغربية أبرزها الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة والمرصد المغربي المناهض للتطبيع، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن صلاة العيد بالمغرب ستكون بالكوفية الفلسطينية، كتعبير صريح عن تضامن شعبي مع قطاع غزة وكل فلسطين ذو خلفية إنسانية ودينية متجذرة في عمق الشعب المغربي.

صبيحة يوم العيد، لم يتخلف آلاف المغاربة عن الموعد، ذاهبين إلى المصلى مرتادين أرفع وأجمل أثواب الجلاليب المغربية رجالا ونساء وأطفالا كما جرت العادات والتقاليد الراسخة في جذور الزمن، وزينوها أكتافهم الكوفية الفلسطينية ومنهم من حمل العلم الفلسطيني، في جو مهيب طبعته مشاعر مختلطة بين فرحة العيد والاستياء والحزن على حال شعب أعزل يُواجه بصدر عار أكثر البرابرة همجية ووحشية في تاريخ البشرية.

كما أن عدد كبير من الأئمة والخطباء لم ينسوا تذكير المصلين بضرورة الدعاء مع الشعوب المستضعفة في الأرض والتضامن معهم معنويا وماديا بكل القدر المستطاع، وخصصوا جزءا هاما في خطبتهم للحديث عن القضية الفلسطينية التي لها ارتباط وجداني وروحي وتاريخي ضارب في جذور الزمن بالمغاربة الذين لهم حارة وباب في القدس المحتلة بإسمهم.

مشاهد كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، تفيد بأن العقل الجماعي المغربي والذاكرة المغربية مطبوعة بنصرة القضية العادلة الأولى في العالم، وأن المغاربة ما تركوا يوما إرث أجدادهم الذين ذهبوا لنصرة صلاح الدين الأيوبي، أو الذين استقروا بأكناف بيت المقدس حين كانت زيارته بعد أداء فريضة الحج من شروط اكتماله، مع استحضار المحبة العميقة للنبي محمد (ص) المحفورة في وجدانهم، رغم كل المشوشات والأصوات الشاذة المطالبة تارة بفصل المشرق عن المغرب أو بتطبيع علاقات مشبوهة مع كيان مُصطنع.

الشعوب تنتصر للعدالة

من المغرب وحتى اندونيسيا أو على طول ما يسمى بخط طنجة -جاكرتا وفي كل دول العالم حيث الجاليات المسلمة والعربية، اتخذ عيد الأضحى لهذه السنة مظهرا تضامنيا غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني على غرار كل المظاهر القادمة من قلب الولايات المتحدة ودول أوروبا التي انتفضت شعوبها الحرة ضد الظلم والجور وطغيان النازيين الجدد.

الأجمل في المنطقة العربية هو أن مظاهر الاحتفال بالأعياد ومظاهر التضامن الشعبي المطلق مع القضايا العادلة في عدد من الدول يشارك فيها كل الطوائف المسلمة والمسيحية والأقليات الأخرى، منتصرين بذلك للعدالة الإنسانية والكونية، ومؤكدين أنه الحرية والكرامة والتحرر من آخر نظام فصل عنصري في تاريخ البشرية فوق كل الاعتبارات إلا الإنسانية.

لا شك أن هذه المظاهر الإنسانية والتضامنية تُزعج أعداء البشرية وبرابرة القرن الحالي، الذين ما توانوا في كل فرصة ممكنة عن طمس معالم الحضارة والتاريخ وكل الجمال الهوياتي والثقافي والإثني لشعوب المنطقة وليس شعب فلسطين لوحده، وكلما ظنوا أنهم اقتربوا من فصل الشعوب عن بعضها البعض والاستفراد بها، خابت ظنونهم من أول لحظة يُعلنون فيها الحرب على الشعب الأعزل الذي لا يطالب سوى بالحق في الحياة على أرض وطن كلّفه الكثير على مدى 75 عاما.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button