مع علاقة الصندوق المعدني الأزرق وأشجار أوروبا باستعمار فلسطين؟
روزيت الفار-عمّان
شهد عام 1901 تأسيس صندوق لجمع المال لشراء أراضٍ فلسطينيّة لتوطين اليهود الأوروبّيين قبل استقدامهم إلى فلسطين -الّتي كانت آنذاك تحت الحكم العثماني- من قبل المنظّمات الصّهيونيّة الاستعماريّة العالميّة. حمل هذا الصّندوق اسم “الصّندوق القومي اليهودي”Jewish National Fund (JNF) وأصبح فيما بعد، يشكّل تنظيماً عالميّاً “خيريّاً” ضخماً ممتدّاً بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا والمملكة المتّحدة والعالم ومدعوماً بمشاهير عالميّين حاليّين متواطئين معه؛ مثل كامالا هيريس، نائبة الرّئيس بايدن، وقدماء مثل فرانك سيناترا وإليزبيث تيلور، والعديد غيرهم.
يقوم العاملون فيه، وبجميع فئاتهم العمريّة، بحملات مكثّفة لجمع التّبرّعات من المجتمعات اليهوديّة وغير اليهوديّة، لدعم بناء إسرائيل واستمرارها والحفاظ على العِرق اليهودي. تحت شعار: “صندوق صغير يبني دولة إسرائيل” واعتبروا العمل فيه فرصة استثنائيّة للحاضر، وتغييراً مهمّاً للمستقبل.
ولتحفيز العاملين على جمع أكبر قدر ممكن من التّبرّعات، ارتأى القائمون عليه استخدام صندوق معدني أزرق كشعار له وكأيقونة رمزيّة لربط الفرد اليهودي عاطفيّاً بأرض “إسرائيل” وبأن تكون تلك التّبرّعات من أجل تأمين مستقبل زاهر لليهود ولأجيالهم القادمة من بعدهم، وكذلك للمُتبرّعين، على أرض “إسرائيل”. فالصّندوق لديهم؛ ليس وعاءً لجمع المال بقدر ما هو وسيلة تعليميّة وتثقيفيّة مهمّة للكبار والصّغار لنشر وتعميق ومناصرة فكرة الصّهيونيّة وتعزيز ارتباط اليهود “بأرضهم”. وعند انتهاء الحرب العالميّة الثّانية؛ كان قد تمّ توزيع مليون صندوق معدني أزرق لجمع المعونات لغايات تشجير الأراضي وزراعة الغابات فقط.
كيف تستخدم إسرائيل الأشجار للتطهير العرقي؟
بدأت القصّة حين تمكّنت المليشيات الصّهيونيّة المدجّجة بالسّلاح في ربيع العام 1948 من اقتلاع نحو 750 ألفًا فلسطيني من بيوتهم أي ما نسبته 80% من السّكّان، وتهجيرهم للخارج والسّيطرة على أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم. العام الّذي أطلق عليه الفلسطينيّون “عام النّكبة” والّتي تعني “المصيبة”. والّذي تمَّ فيه؛ تدمير 500 قرية فلسطينيّة بالكامل وتفريغها من سكّانها إمّا عن طريق إرغامهم على المغادرة دون السّماح لهم بالعودة، أو القتل. قام الاحتلال على إثرها، بالاحتفال وإعلان إنشاء دولته.
تمّ توظيف هذا الحدث -إعلان قيام دولة إسرائيل- في تفعيل نشاط الصّندوق والّذي أصبحت قيمة ممتلكاته من الأراضي المحتلّة بعده تتزايد، لتتعدّى بالعام 2007 ال 13.5% من كامل فلسطين التّاريخيّة أي حوالي 600,000 دونم، إذ كان قبل ذلك لا يملك سوى 3.5% منها، حوالي 240,000 دونم. وقام بغرس 250 مليون شجرة أوروبيّة على أنقاض قُراها ال500 الّتي تمَّ تدميرها بالكامل وتجريفها وتهجير سكّانها.
لماذا اختارت إسرائيل الشجر الأوروبّي دون غيره للتّشجير؟
قامت الحركة الصّهيونيّة العالميّة بإرسال عشرات بل مئات الألوف من يهود أوروبّا إلى الأراضي الفلسطينيّة بواسطة النّقل المباشر أو عبر مكاتب سياحة وسفر أنشأتها لتنظيم عمليّة استقدام اليهود وتشجيع هجرتهم.
ومن أجل جعل هؤلاء اليهود “السّكّان الجدد” يشعرون وكأنّهم ببلادهم، قامت إسرائيل بزراعة الأشجّار الخاصّة بسكّان أوروبّا الأصلييّن والّتي كانوا قد اعتادوا رؤيتها هناك قبل أن يُؤتى بهم لفلسطين. بمعنى أنَّهم لم يريدوا الأرض فقط، بل أرادوها أن تظهر تماماً كالدّول الأوروبيّة لتريح القادمين نفسيّاً وتهيّء لهم بيئة تشبه بيئتهم الأم فلا يشعرون بالاغتراب.
لكنّ السّبب الأهمّ خلف هذا الاختيار، هو نزع أي أثر يثبت للعالم حقيقة مَن كان يسكن الأرض أوّلاً. فقاموا باستبدال شجر الزّيتون المرتبط بالسّكّان الأصليين والّذين اعتادوا زراعته على مدى قرون طويلة، بأشجارٍ أوروبيّة، شجر السّكّان الأصليين للأوروبيّين، للادِّعاء مستقبلاً بأنَّ السّكّان الأصليّين؛ لم يكونوا يوماً عرباً أو فلسطينييّن.
لم يكن تهويد الأراضي والتّطهير العرقي للفلسطينيّين السّببين الوحيديْن خلف عمليّة التّشجير، بل سعيِ الاحتلال المُستمر لمصادرة المزيد من الأراضي لأسباب، قدّمها للعالم على أنَّها بيئيّة بحتة، وبأنّه رغب بإنشاء محيط سكّاني “صديق للبيئة” في أراضٍ ادّعى بأنّها مهجورة وقاحلة -عكس ما كانت عليه تماماً- غير مُدركٍ لغباءِ اختياره وخطورته، حيث أُثبت لاحقاً بأنّ شجر السّكاّن الأصلي (الزّيتون) هو الصّديق الأمثل للبيئة والتّربة الفلسطينيّة .
واحدة تلو الأخرى، أصبحت القرى الفلسطينيّة المُدمّرة تمثّل غابات، تظهر بشكلها الخارجي، أشجارًا غُنًّا وحدائق عامّة للتّرفيه، ومناظر طبيعيّة خلاّبة يتمتّع بها كلُّ من حالفه الحظ وحظي بزيارتها.
بالرّغم من وصف الاحتلال لهذه الغابات على أنّها “رئات خضراء” غير أنَّها في الحقيقة غابات أُقيمت على دم أبنائها الأحمر وفوق أنقاض بيوت وممتلكات شعب هُجِّر وقُتِل. فأصبحت:
الّلجونßغابة ميجدّو.Al-lajjunàMejiddo park
و بيت جيزß رابين بارك. Rabin ParkàBayt Jiz
كما يشار إلى أنَّ حديقة الاستقلال الأميركي American Independence Park لوحدها، أقيمت فوق 7 قرى فلسطينيّة مُدمّرة ومُفرّغة.
بفضل التّبرّعات المُعفاة من الضّرائب من أموال الصّناديق الزّرقاء الّتي كانت السّبب الرّئيس خلف إنشاء 46 غابة وحديقة عامّة من أصل 68 بكامل الأراضي الفلسطينيّة المسروقة، أي ما يعادل ثُلثيْ العدد الكلّي لتلك الغابات.
ولا تزال هذه الصّناديق تسعى لجمع المزيد من العطايا والتّبرّعات ولا يزال الاحتلال مستمرّاً في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينيّة في مناطق البادية وإجبار سكّانها على الرّحيل لبناء مستوطنات ليهود جدد، إن تمكّن بعد اليوم في ذلك.
وهكذا استغلّت إسرائيل أدواتٍ بريئة، كالأشّجار، وأعمالاً، الأصل فيها صالحاً ونزيهاً، كالعمل الخيري والتّبرّع والتّطوّع، لتحقيق غايات قذرة وخبيثة تهدف لمحو تاريخ وهويّة سكّان أصليّين وشعب صاحب الأرض، ولفرض هويّة وثقافة دولة مُستَعمِرة كأمرٍ واقعٍ على الجميع أن يقبله. لكن هيهات بعد الآن.
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…
Le système métrique et le pied du roi ! Nadine Sayegh-Paris Combien de mesures, de…
Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur ! Nadine Sayegh-Paris Comme tout le monde…
ديانا غرز الدين سؤال غريب ، من يصنع من؟ هل الواقع يصنعنا ام نحن نصنعه؟…
روزيت الفار-عمّان أنطونيو غرامشي الذي تأثر به كثيرون ومنهم المفكّر إدوارد سعيد؟ كيف يمكننا إسقاط…
حيدر حيدورة-الجزائر في ظل ازمة حادة تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تشهدها منذ الاستقلال حتى…