قريبا الصين عملاقٌ نوويٌ وباليستي

د.نجاح زيدان-فرنسا
ها هي أميركا تُصعّد مرة أخرى حملتها إزاء الصين، ولكن هذه المرة ليس لأسباب اقتصادية وإنما عسكرية. فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا جاء فيه أن الصين قد بدأت بإقامة ١١٩ منصة للصواريخ الباليستية، مستندة في ذلك الى دراسة لمركز جيمس مارتن لمراقبة حظر الانتشار النووي.
المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الامريكية نيد برايس شرح معلقاً على التقرير:” انه أمر مقلق ويثير العديد من التساؤلات حول النوايا الصينية مما يتطلب الاستمرار بالتدابير الملموسة للتقليل من المخاطر النووية”.
القلق الأميركي أعقب تصريحا للرئيس الصيني شي جين بينغ حذّر فيه من:” أن الشعب الصيني لن يسمح أبدًا لقوى أجنبية بتهديده وقمعه أو إخضاعه. ومن يخاطر بذلك فإنه سيتم تدميره بمواجهة سور فولاذي كبير مشيّد من ١٫٤ مليار صيني”.
هل القلق الأميركي مُبرّر؟
دعونا بداية نذكر بعض الحقائق:
- إن أمريكا هي أولى الدول التي طورت الاسلحة النووية في العام ١٩٤٤ والوحيدة التي استخدمتها في الحرب (هيروشيما وناغازاكي).
- إن تسعة دول في العالم تملك الأسلحة النووية بمجموع ١٧٠٠٠ سلاح. تتصدر روسيا هذه الدول ب ٦٣٧٢ سلاحاً، تليها الولايات المتحدة ب ٥٨٠٠ ثم الصين ٣٢٠، وفرنسا ٢٩٠، وبريطانيا ١٩٥، وباكستان ١٦٠، والهند ١٥٫، واسرائيل ٩٠وأخيراً كوريا الشمالية ٣٥.
- يوجد حوالي الفي صاروخ لدى كل من أمريكا وروسيا على أهبة الاستعداد للاستخدام خلال دقائق.
أما الصين التي تأتي حاليا في المرتبة الثالثة بعد روسيا وأمريكا، فهي تعتزم أن يتم الاعتراف بها كقوة عظمى وتحاول إقامة قوة ردع تسمح لها بالتصدي لتدخل أمريكي مُحتمل في آسيا ضد مصالحها.
يُشار الى أن الصين زادت من ميزانيتها المخصصة للشؤون العسكرية ٦٫٨٪ في عام ٢٠٢١، وهي تُبرّر ذلك بالنفقات العسكرية المنسجمة مع النمو الاقتصادي، وبالتالي فإن هذه الزيادة تبقى معتدلة قياساً الى الانتاج القومي الاجمالي وهي لا تتجاوز ٢٪ بينما نفقات كل من واشنطن وروسيا فتتجاوز ٣٪ .
وفقا لتقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن أمريكا تتصدر قائمة الدول الاكثر إنفاقا عسكريا ٣٩٪ من مجموع الإنفاق العسكري العالمي، حيث وصلت قيمة النفقات العسكرية الامريكية في العام الماضي الى ٧٧٨ مليار دولار بينما نفقات الصين بلغت ٢٥٢ مليار دولار، أي أقل بثلاث مرات من نفقات واشنطن.
السلطات الصينية لم تقدم أية معلومات حول حجم الترسانة النووية والتي تتضمن أسلحة استراتيجية وتكتيكية، بينما تقدّم التقارير أرقاما تترواح بين ٢٥٠-٤٠٠ رأس نوويا.
هذه ليست المرة الاولى التي تُعرب فيها واشنطن عن قلقها إزاء تسلح الصين فقد نشرت إدارة الدفاع الأميركي، تقريرا حول التطور العسكري للأمن المتعلق بجمهورية الصين الشعبية يقول إن الصين ستضاعف عدد الاسلحة خلال السنوات العشر القادمة وأن لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع الأسلحة النووية
العملاق العسكري الصيني
يقول التقرير إن الصين ستملك في العام ٢٠٣٠ ترسانة نووية بنحو ٥٠٠ سلاح إضافة الى مئة صاروخ باليستي عابر للقارات، بينما كانت تمتلك في العام الفين أربعين صاروخا. وهذا الرقم ممكن أن يصل الى ١٥٠ في العام ٢٠٢٥، مع اشارة التقرير طبعا الى تزايد عدد منصات إطلاق الصواريخ.
من جهته، يشرح الخبير الصيني سونك زونكيبنك أن التهديدات الخارجية التي تتعرض لها الصين تضطرها لتعزيز إمكانياتها الدفاعية وخاصة بما يتعلق بمسألة تايوان، حيث حذّر وزير الدفاع الصيني في شهر كانون الثاني بأن ” استقلال تايوان سيكون بمثابة إعلان حرب”. كذلك تعتزم الصين تأكيد سيادتها في بحر الصين الجنوبي (حيال فيتنام والفلبين) وفي بحر الصين الشرقي وخصوصا في جزر سينكاكو الواقعة تحت سيطرة اليابان وفي الهيمالايا قبالة الهند.
وحسب توقعات لرئيس أركان الجيش الأميركي السابق جيمس ستافريدس فإن الحرب بين واشنطن وبكين ستبدأ بسبب اعتداء محتمل للصين على تايوان وهذا ما لن تقبله واشنطن لان ذلك سيعطي بكين إمكانية السيطرة على بحر الصين حيث تمر ٣٥٪ من التجارة العالمية.
تفعل أمريكا وتتسلح كما تشاء وما تعتبره حقا لها يكون محرما على الاخرين. لكن الأكيد أنه سيكون من الصعب تنحي المارد جانبا بعد استيقاظه.
————————–
الكاتب : نجاح زيدان
دكتوراه علوم سياسية، باحثة واستاذة جامعية في مدينة ليون الفرنسية