كتابُ ألآن غريش: فلسطين شعبٌ يأبى الموت
كتابُ ألآن غريش: فلسطين شعبٌ يأبى الموت
سامي كليب
مرّة جديدة، يُغامر الكاتب الفرنسي الشهير آلان غريش في التجذيف عكس تيّار الكثير من الساسة والكتّاب والإعلاميين والمفكرين في بلاده، فيدخُل الى حرب غزّة من بوابتها الأوسع، رافضًا من بداية مؤلفه الجديد الحامل عنوانًا لافتًا: فلسطين، شعبٌ يأبى الموت، التسمية التي سادت منذ السابع من أكتوبر، أي حرب إسرائيل-حماس، ومتسائلاً لماذا لم تُسمَّ إذا الحربُ في أفغانستان، حربَ الولايات المتحدة الأميركية طالبان؟ وهو يؤكد منذ الصفحات الأولى لكتابه هذا، أن هذه الحرب أوسعُ من غزّة وأكثرُ عُمقًا.
آلان غريش الكاتب والإعلامي الفرنسي ذو الأصل اليهودي المصري ، هو ابن هنري كورييل أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري والذي اغتيل في باريس، وهو اعلامي لامع اشتهر على صحفات لوموند ديبلوماتيك الشهيرة التي تولى رئاسة تحريرها، قبل ان يؤسس موقعَه الإعلامي الجريء orient XX1، وهو في كتابه هذا يُذكّرنا بأن بنيامين نتنياهو قال منذ العام 1997 بوجوب” إقامةِ سلامٍ مبنيٍّ على القوّة”، وهو ما يقوله أيضًا رئيسُ الأركان السابق بلغةٍ أكثر صراحةً : إنّ على إسرائيل أن تُفهم الفلسطينيين، وتغرِسَ في عقولِهم الباطنة، أنّهم شعبٌ مهزوم “
يقول غريش إنّه بدلاً من البحث عن حلٍّ يسمح لخمسة عشر مليون فلسطيني وإسرائيلي بالعيش بسلام، بناءً على سلام عادلٍ قائمٍ على المساواة، فإنَّ تلَّ أبيب ذهبت صوب الحرب الاستعماريّة ضدَّ الشعب الفلسطيني، وهدفُها الواضح، هو محوُ وجودِه عن تلك الأرض، تمامًا كما حصل بين عامي 1948 و 1949 مع طرد ما بين 700 و 800 ألف فلسطيني، أو عام 1967 مع طرد 300 ألفٍ. وها هي تقوم اليومَ بالأمر عينِه، حيث تريد التخلّص من شعب غزّة، أي من قرابةِ مليونين وثلاثمئة ألف فلسطينيّ.
يذكر الآن غريش في كتابه ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت للقوات الإسرائيلية المرابطة عند غلاف غزّة في 9 أكتوبر 2023:” طوّقوا غزّة بالكامل، امنعوا الكهرباء والغذاء والوقود، وأنا رفعت كلّ القيود عنكم، فنحن نقاتل حيواناتٍ بشريّةً، إنهم دواعش غزّة، وسوف نقضي عليهم جميعًا”.
في شرحه لعملية الإبادة الحاصلة والتدمير الممنهج لكلّ شيء في غزة، غالبًا ما يُقارن الكاتب الفرنسي بين حروبٍ استعماريّة سابقة، وما يجري اليوم، وهو يركّز في المقارنة على ما قام به مثلاً الجيشُ الفرنسي خلال استعمار وحرب الجزائر.
يؤكد غريش أن إسرائيل تريد القضاء على مفوضية غوث اللاجئين الأونروا ومنظماتٍ دوليّة أخرى بغضِ طرفٍ غربي، وهنا يتساءل الكاتب لماذا هذا الدعم الغربي الأعمى لإسرائيل، ويعود في جوابه الى العام 2000، فمُذّاك، وبعد ان ربحَ الغربُ معركتَه ضد الشيوعية احتاج لفبركةِ عدوٍ جديد، فرفع شعار الإرهاب الإسلامي، وقد فرضت إسرائيل رؤيتها للصراع، بتحويله من صراعٍ مع الفلسطينيين الى صراع مع من تصفهم بالإرهابيين. فصارت دولٌ مثل ألمانيا توقف مساعدات لدول الجنوب كمنظمات مدافعة عن حقوق المرأة في مصرَ لأنها تقف ضد إسرائيل، وقد تراجع الدورُ الفرنسي بصورة مأساوية خلف العديد من الدول الأوروبية.
يستعرض الكاتب لائحة واسعة من المنظمات والفصائل المقاتلة في التاريخ الحديث والتي كانت تعمل على تحرير بلادها ووُسمت بالإرهاب قبل أن تصل إلى السلطات ويُرحّب بها الغرب، ثم يستعرض سريعًا تاريخ تأسيس ونضال منظمة التحرير، ويصل إلى تأسيس حماس التي يُذكّر بأنَّها في العام 2006 حصلت على 66% من الأصوات في الانتخابات التشريعية.
يتوقّف الآن غريش عند أسباب ما حصل في 7 أكتوبر، أي طوفان الأقصى، فيُهمش فكرة أنَّ الهدف كان مجردَ قتل اليهود، ويعتبر أنَّ أحد أبرز الأهداف كان وقفَ مسيرةِ التطبيع العربية الإسرائيلية وخصوصًا بعد أن وصلت الى مشارف السُعودية، وأسرَ جنودٍ لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، ورفعَ الحصار عن غزة، واحياءَ القضية الفلسطينية، ومواجهةَ النزعات الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل والممثلةِ بحكومة نتنياهو وخصوصًا بشخصي الوزيرين بن غفير وسموتريتش.
وبعد ان يمرّ الكاتب على الهيمنة الإسرائيلية على وسائل إعلام غربية ويتوقف عند ما يحصل في فرنسا، ويستعرض لكيفية الاستخدام المُجحف لفكرة اللاسامية، يصل إلى نتيجة مفادُها أنَّ غزّة كشفت ثنائيةَ الوجه الغربي، فمن جهة هناك وجهُ السلام وحقوق الانسان ومن جهة ثانية المجازر والإبادة والعنصريّة.
يقول ألان غريش: بعيدًا عن العذابات الإنسانية التي لا تُقاس منذ السابع من أكتوبر، وبعيدًا عن المعارضة الممتدة إلى لبنان والبحر الأحمر، فإن ثمّة استنتاجًا لا بُد منه، وهو أنَّ فكرة أوروبا والغرب تحتضر، وهذا ما بدأ مع حرب أوكرانيا.
يضيف: لم يحصل أيُّ نقاشٍ جدي في فرنسا حول هذه الهوة التي تتسع بين الشمال والجنوب، لم يناقشها الساسة ولا المثقفون ولا الاعلاميون، إننا ننغلق على انفسنا منذ هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر ، حول فكرة قلقة للعالم مبنيةٍ على الخوف من البرابرة. إن انهيار المعبد سيكون على الجميع شمالاً وجنوبًا، وسيكون مصيرُ العلاقات الدولية على المحك، بين خِيارين، فإما حربٌ مفتوحة مبنيةٌ على شريعة الغاب، أو إعادةُ تأسيس النظام العالمي على قاعدة الحق.
واذا كان الحق الإنساني قد اختُرق في 7 أكتوبر فان ذلك كان نتيجةَ تجاهل الحق الدولي المستمر في فلسطين وسط استمرار الاحتلال. وهذا يذكرنا بحال الجزائر حيث تطلب الأمر عشرات السنين قبل الاعتراف بحجم القمع الذي تعرض له السكان الاصيلون.
كتابُ ألآن غريش هذا، مفيد وغني بالمعلومات والتوثيق والتحليل، وهو يُقرأ بساعاتٍ قليلة، وصادر عن دار Les liens qui libèrent . انصح بقراءته وترجمته الى العربية ولغاتٍ أخرى.