أسئلة غربيّة حول مستقبل إيران واستبعاد إعتداء إسرائيلي
أسئلة غربيّة حول مستقبل إيران واستبعاد إعتداء إسرائيلي
مرح إبراهيم
فيما سارعت العناوينُ العربيّة إلى احتمالات ما وراء حالة الطقس الجويّة، وإطلاق نعوتٍ ذات دلالة، إثر حادثة سقوط المروحيّة التي كانت تقلّ الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، تباينت التّصريحات الرسميّة وعناوين الصّحف في سائر أنحاء العالم. فما إن انتشر خبر اختفاء المروحيّة في شمال شرق إيران ومقتل إبراهيم رئيسي، حتى بدأ الرأي العام، وخصوصاً العربيّ، يبحث عن خفايا صندوقٍ أسود آخر قد يرجِّح الاستهدافَ الإسرائيليّ في ظلّ الحربِ الرّاهنة، المُندلِعة منذ ثمانية أشهر، في الشّرق الأوسط. من ثمّ تبنّت بعض وسائل الإعلام تأويلًا يتجلّى لغويًّا عبر توصيف “الاستشهاد” أو “الاغتيال”، لا بل أحيانًا “استشهاد على طريق القدس”، على حينَ أنّ وسائل إعلامٍ أخرى اكتفت بتوصيف “مقتل” أو “وفاة”.
أمّا غربًا، فتفاوتت ردود الفعل بين رؤساء الدّول والحكومات ووسائل الإعلام. نقل موقع ZDF الألمانيّ، التصريحاتِ المُتخبِّطة، بينَ الحزن والتحفّظ والصّمت، والامتعاض من التضامن، حيث يُشير الموقع، في مقدمة تقريره، إلى أن إبراهيم رئيسي “أصبح رئيس الجمهوريّة الإسلامية في إيران منذ عام 2021، وكان يُعدّ من المحافظين المتشددين داخل النّظام الإسلامي. اتهمه نشطاء في حقوق الإنسان بالمسؤولية عن كثير من عمليّاتِ اعتقال المعارضين وإعدامهم”.
يذكر التقرير أن “حلفاء الجمهورية الإسلامية الاستبدادية“، كروسيا والصّين، ينعيان “صديقًا”، وأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشاد برئيسي واصفًا إيّاهُ بـ “صديق روسيا الحقيقيّ”، إذ “ساهمَ مساهمةً شخصيّةُ لا تقدّر بثمن في تطوير العلاقات المتبادلة”. كذلك أعرب الرئيس الصينيّ شي جين بينغ عن أسفهِ قائلاً: “لقد فقد الشّعب الصينيّ صديقاً صَدوقاً”، ناهيكَ عن تصريحات المسؤولين في الدول العربية، لاسيّما الحليفة في محور المقاومة، وإعلانها الحداد الرسميّ. أمّا مجلسُ الأمنِ، فوقف دقيقةَ صمتٍ حدادًا على الرئيس الإيرانيّ. وقد أعرب وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن، باسم الولايات المتحدة الأمريكية، عن “تعازيه الرسميّة”، مؤكّداً “دعمَ الشعب الإيرانيّ ونضاله من أجل حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة”.
وقد ألقى التقريرُ الضوء على ما ورد من انتقادِ التعازي التي قدّمتها الجهاتُ الرسميّة إلى الجمهوريّة الإسلامية. ويشير إلى غياب ردة الفعل أو التّعليق في كثيرٍ من البلدان الأوروبيّة. لكنّ رئيس المجلس الأوروبيّ، شارل ميشيل، قدّم باسم الاتّحاد الأوروبيّ، تعازيه عبرَ منصة X، أعرب فيه عن “تعازي الاتحاد الأوروبي الصّادقة”، و”تعاطفه مع أسر الضحايا “، مما أثارَ استياء مسؤولينَ أوروبيّين: ردّ عضو البرلمان الأوروبي السويدي ديفيد ليجا “هل يمكنك أن تنظرَ من جديد في أعين النساء الشّجاعات والمناضلات من أجل الحرية في إيران؟”، كما انتقد وزير الهجرة البلجيكي السابق تيو فرانكين “التعازي الأوروبية بجزّارٍ وقاتل متوحّش”، مضيفًا “أنت لا تتحدثُ باسمي”. كما انتقدت ماري أنييس ستراك زيمرمان، المرشّحة الأولى للحزب الديمقراطي الحر في الانتخابات الأوروبية، أن مفوّض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانيّة، يانيز لينارسيتش، أضاف هاشتاج “EU_Solidarity” لدعم البحث عن المروحية الرئاسية المنكوبة . وبهذا الصدد، كتبت ستراك زيمرمان: “يا له من شعارٍ مخز، ويا له من استهزاء من المناضلين الشّجعان من أجل حقوق الإنسان في إيران”. أمّا زعيم حزب الخضر الألمانيّ أوميد نوريبور ، فصرّح : “حتى من دون هذا المتشدد، سيبقى النظام عدوانيًا”.
كما أثار الحدثُ جدلًا في بولونيا بعدما أعربَ الرئيسُ البولوني أندريه دودا عن شدة تأثره بوفاة رئيسي في حادث تحطُّم مروحيّته، وقارنه بحادث سمولينسك، قائلًا “قليلةٌ هي الدّول التي تشهد صفحاتٍ مأساوية في كتب تاريخها “. “لقد تأثّرنا، نحن البولونيين، بحادث تحطم الطائرة الحكومية البولونيّة بالقرب من سمولينسك في روسيا عام 2010، وندركُ تماماً الشعور بالصّدمة والفراغ في قلوب البشر وفي الدولة الذي يبقى، بعد خسارة نخبةٍ سياسية ومجتمعيّة فجأةً، بعدَ خسارة الأحباء والأصدقاء فجأةً”. استاء العديد من البولونيين من هذا التّصريح، وانتقد أحدهم قائلًا: “دودا يبكي مجرمًا، حليفَ بوتين”.
أمّا ما غاب عن الصّحف الغربيّة، فهو احتمال الاستهداف الإسرائيليّ، لا بل استُبعدت هذه الفرضية. أشار الخبير في الشؤون الإيرانيّة برنار هوركاد خلال مقابلةٍ له على فرانس أنفو، أنّ نسبة احتمال الحادث 99.9999 بالمئة، مُفترِضاً أنّ إسرائيل ليست مسؤولة عن مقتل الرئيس الإيرانيّ، إذ قال ” لن تجازف إسرائيل بأن تلعب لعبة اغتيالات في هذا الوقت بالتحديد”. كما أجاب بعض الناشطين على إمكانية تدبير الحادث واحتمال الاستهداف الاسرائيليّ، بأنه في حال الحادث المدبّر، فعلى المهتمّين أن يبحثوا في الدّاخلِ الإيرانيّ.
ما برز في الصّحف الغربية هو أفق المستقبل القريب ومعالجة الحدث عمليّاً، بعيدًا عن فرضيّات المؤامرة والأسباب المُدبَّرة. وإنّه لسؤال صحفيٌّ بلاغيّ، ما إذا كانت وفاةُ رئيسي ستغيّرُ شيئًا في سياسة إيران، بعدما تولى مهامَه مؤقتا نائبه السّابق محمد المُخبر، ريثما تجرى الانتخابات المقبلة، فهم على يقينٍ بأنّ شيئًا لن يتغيّرَ في موقف إيران وسياستها، مادامت السلطة في يد المرشد الأعلى علي الخامنئي. لكنّ رحيل رئيسي، الذي كان مُرشّحاً لخلافته، سيخلط أوراق خلافة المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة. وقد تُمهِّد وفاته لتولّي ابن المرشد الأعلى مجتبى الخامنئي هذا المنصب، رغم إعراب الخامنئي عن تفضيله ترشيح شخصٍ آخر، لكي لايترك الانطباع بأنّ إيران تُورِّث الحكم، كما يذكر الصحافي جورج مالبرونو في صحيفة لوفيغارو الفرنسيّة، عن الباحث فالي نصر.
يشيرُ مالبرونو في مقاله إلى أنّ الفترة القادمة ستشهد نزاعاتٍ بينَ الحرس الثوريّ والمتشدّدين. أمّا التحدّي الفوري الآخر فسيترتّب على حِلْف المتشدّدين، الذين سحقوا خصومَهم الإصلاحيّين في عهد رئيسي، بإيجاد مرشّح يحل محلّه إسعافيًّا. وللمرة الأولى، كما نقلَ مالبرونو، سوف تُجرى الانتخابات الإيرانيّة قبل الانتخابات الأميركيّة، إذ جرت العادةُ أن ينتظر النظام الإيرانيّ نتيجة الانتخابات الأميركيّة قبل تحديد موقفه، وانتخاب مرشّح معتدل مقابل مرشّح من الحزب الديمقراطيّ (مثال حسن روحاني مقابل باراك أوباما) أو متشّدد (رئيسي) مقابل مرشح جمهوري (ترامب).