البيئة والطبيعة ضحيّتا الحروب.. معلوماتٌ صادمة
البيئة والطبيعة ضحيّتا الحروب.. معلوماتٌ صادمة
روزيت الفار-عمّان
- البيئة، ضحيّة صامتة للحروب الّتي تتجاوز آثارها مناطق الصّراع.
- كما الإبادة البشريّة، هناك أيضاً إبادة بيئيّة.
- تأثير الأسلحة الحربيّة، وخصوصاً النّوويّة، لا يظهر فقط أثناء أو بعد انتهاء الصّراع، بل منذ مراحل تصنيعها الأولى ولمدّة عشرين سنة لاحقة.
- أسلحة الجيل الخامس الجديد الذّكيّة، رغم صغر حجمها، غير أنَّ قوّتها التّدميريّة هي الأكثر فتكاً، وأضرارها لا يمكن التّكهّن بها أو السّيطرة عليها.
على الرّغم من خطورتها وفداحة أضرارها، لا تزال قضايا تأثيرات الحروب على الإنسان والبيئة وتغيير المناخ؛ الأقلَّ اهتماماً. حتّى إذا تمّ إيفاؤها الحق في البحث والدّراسة؛ لاكتشفنا تأثيرها الكارثي الّذي يصل لحدِّ تهديد الحياة بأكملها.
إنّ تطوّر الأسلحة الحربيّة من الكيماويّة إلى الأسلحة النّوويّة وتقدّم أساليب القتال، من شأنه أن يتسبّب بإحداث دمار أكبر بكثير على الإنسان والبيئة الطّبيعيّة ويُطبِق الضّغط على نُظُمِها ويعمل على تغيير المناخ، الأمر الّذي يؤثّر بدوره على عدّة أمور أهمّها مستوى سطح البحر وجودة الهواء ونقائه وأنواع الأمراض الّتي يمكن الإصابة بها، كذلك على زيادة شدّة الكوارث الطّبيعيّة كالفيضانات والعواصف والجفاف، وجميعها عوامل مؤثّرة في سلامة البيئة.
فكما أنَّ للحروب جرائم إبادة بشريّة، هناك أيضاً جرائم إبادة بيئيّة، وحماية الإنسان تأتي أوّلاً من حماية بيئته.
إنّ الأضرار البيئيّة الّتي تحدثها الصّراعات المسلّحة تبدأ حتّى قبل قيامها. كيف؟
- استنزاف الموارد وإحداث التّلوّث
تستهلك عمليّة بناء القوّات العسكريّة كميّات ضخمة من الموارد. قد تكون من المعادن شائعة الاستخدام كالحديد والنّحاس أو عناصر أرضيّة نادرة كالسيريوم والإيتريوم أو ماء أو هيدروكربونات. وللحفاظ على استعدادها وجهوزيّتها بشكل دائم؛ يجب العمل على استمرار تدريباتها وهو ما يلزمه استهلاك المزيد من الموارد والطّاقة، فالطّائرات والسّفن والدّبّابات والمركبات الثّقيلة وغيرها؛ جميعها تحتاج في تشغيلها للطّاقة وخصوصاً، النّفط. الأمر الّذي من شأنه خلق كمّيّات هائلة من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، أحد مكوّنات الغازات الدّفيئة Greenhouse Gases المسبّبة للاحترار في الغلاف الجوّي، العامل الأهم لتغيير المناخ.
كما وتعتبر الغازات الدّفيئة؛ المصدر الرّئيسي والأخطر لتلوّث الهواء بجزيئاته الدّقيقة المسؤولة عن التّسبّب بأمراض صحّيّة خطيرة كالسّرطان وأمراض الرّئة والقلب والجلطات الدّماغيّة وغيرها.
*تعتبر الأسلحة النّوويّة الأكثر خطراً وفتكاً منذ بداية تصنيعها وأثناء مراحل تطوّرها وبعد استخدامها. فعمليّة تصنيعها وتجريبها تتضمّن إطلاق نشاط إشعاعي بكمّيّات هائلة في البيئة، إضافة للمخلّفات النّاتجة عنها والّتي عادة ما يتمّ التّخلّص منها في المياه والتّربة ممّا يؤدّي لتلويثها بشكل يهدّد الحياة.
- الجيوش أكبر مصدر للغازات السّامّة وتستخدم نسباً عالية من مساحات اليابسة والماء.
إنّ انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الصّادر عن أكبر الجيوش هو أكبر من انبعاثات الغازات الدّفيئة لعدّة دول مجتمعة. فهو يشكّل 5.5% من مجموع تلك الغازات على مستوى العالم.
وحسب المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بأبحاث الطّاقة والهواء النّظيف، فإنّ الغازات السّامّة النّاتجة عن الحرائق والفحم والنّفط تتسبّب في 3 أضعاف الوفيّات النّاتجة عن حوادث السّير.
تحتاج هذه الجيوش لمساحات شاسعة من الأرض والبحر لاستخدامها كقواعد ومرافق لها أو للتّدريبات والاختبار والتّجريب. وحسب مركز مراقبة الصّراع والبيئة CEOBS، فإنّ هذه المساحات تشكّل من 1-6% من مساحة اليابسة العالميّة، ما يحرم استغلال هذه المساحات في مشاريع تنمويّة مفيدة ويعطّل المناظر الطّبيعيّة والموائل البحريّة والبريّة. ناهيك عن التّلوّث الضّوضائي الّتي تحدثه أثناء تدريباتها.
عدا عن تكاليف صيانة وتحديث هذه الأسلحة والمعدّات، هناك أيضاً تكاليف مادّيّة وبيئيّة مرتبطة بعمليّة التّخلّص من نفاياتها الّتي عادة ما تكون إمّا بحرقها أو تفجيرها او إلقاء الفائض منها بالبحر الأمر الّذي يضاعف قيمة مخصّصات الإنفاق على المعالجة البيئيّة.
كما وإنّ ارتفاع مستويات الإنفاق العسكري يؤدّي إلى تحويل الموارد عن الإنفاق على جوانب عديدة أخرى، كحلِّ المشاكل البيئيّة المحلّيّة وتقليل فرص التّعاون الدّولي الخاص بالتّهديدات البيئيّة العالميّة.
*يقدّر أنّ الجيش الأمريكي هو المستهلك الأوّل للوقود الأحفوري في العالم وأنّ أكبر مولّدات التّلوّث بالعالم توجد في أمريكا بالإضافة للصّين والهند وغيرها.
*تعتبر الدّول الأكثر تلويثاً هي الأكثر تلوّثاً، وقد باشرت هذه الدّول بالعمل على تحييد انبعاث هذه الغازات فيها. التّلوّث العسكري مسؤول عن انبعاث ثلثي مركّبات الكلوروفلور كربون المحظور في بروتوكول مونتريال 1987 لتسبّبها بإتلاف طبقة الأوزون. حيث أنّ 50% من طائرات الهيليكوبترالمُصنّعة عالميّاً؛ مخصّصة للاستخدام العسكري وتستهلك ما يقارب ال 25% من وقود الطّائرات.
الأضرار البيئيّة أثناء الحرب
بالتّوازي مع الكوارث البشريّة، فللحروب أيضاً أضرار على البيئة تحدّدها عدّة عناصر، أهمّها:
- الجهات المتقاتلة
- نوعيّة الأسلحة المستخدمة (كيماويّة، نوويّة أو تقليديّة)
- أساليب الاستخدام
- مدّة الصّراع ومكانه والمواقع الّتي يستهدفها القصف (فقد تكون الحرب قصيرة الأمد لكنّها مدمّرة للغاية كقصف المصانع الكيماويّة أو المفاعلات النّووية مثلاً)
وفي خضمّ التّهديدات القائمة بحرب نوويّة، لا بدّ من معرفة بعض الحقائق عن تداعياتها:
يعمل كلٌّ من الاندماج والانشطار النّووي بمبدأ واحد؛ هو تحويل قدر بسيط جدّاً من المادّة إلى قدر هائل جدّاً من الطّاقة. وينتج 85% من طاقة السّلاح النّوويّ انفجاراً صدميّاً وطاقة حراريّة، وال 15% الباقية تنطلق بشكل إشعاع نوويّ قاتل يمتدّ أثره لسنوات طويلة بعد التّفجير وتنطوي خطورته على ثبات تأثيره وسرعة انتقاله من منطقة لأخرى ومنها للمناطق الأبعد.
يَنتج عن انفجار قنبلة نوويّة واحدة؛ موجة حرارة وضغط شديدين يتبعها انهيارات ضخمة وموت أعداد هائلة من البشر، إضافة لإطلاق كميّات إشعاع كبيرة تأتي بشكل غيوم من جزيئات مشعّة من الغبار تنتقل عبر الهواء إلى مساحات شاسعة وتدخل لمصادر المياه وتلوّثها، وتحجب الشّمس؛ الأمر الّذي يؤدّي لاختلال بدرجات الحرارة وخفض عمليّة التّمثيل الضّوئي في النّباتات والبكتيريا، مصحوباً بخلل في السّلسلة الغذائيّة وانقراض بأشكال الحياة.
تشقّ النّظائر المشعّة طريقها لجسم الكائن الحيّ من خلال الطّعام والماء والهواء محدثة كوارث حياتيّة واختلالات بالنّظم البيئيّة لا يمكن ضبطها.
تعتبر قضايا النّزوح لأماكن (آمنة) أثناء الحرب، من أهمّ القضايا الّتي تتسبّب في إحداث مشاكل بيئيّة؛
- حيث تنعدم الرّقابة الإداريّة وتتوقّف فيها الخدمات الصّحيّة النّاتجة عن التّدمير المتعمّد للمستشفيات والمرافق الصّحيّة ومرافق الطّاقة الكهربائيّة ومستودعات النّفط وخزّانات المياه وقنوات الصّرف الصّحّي والطّرق وفقدان عنصر النّظافة وما شابه؛ ممّا يساهم في انتشار الأوبئة والأمراض في ظلّ بيئة غير آمنة للعيش فيها.
- كما ويلجأ النّازحون، بعد تدمير الحرب للبنية التّحتيّة، للاعتماد على الحطب والأخشاب كبديل للغاز والنّفط، ممّا يساهم في نزع البيئة الحرجيّة وتدمير مصادر الكربون الطّبيعيّة (الغابات والأشجار). وفقا لمجلّة Nature، هناك دراسة تشير بأنَّ آثار الحروب تتسبّب أحياناً بالقضاء على نحو 90% من الحيوانات الكبيرة في مناطق الحرب، عدا عن الحرائق وما تلحقه من الضّرر المباشر بالحياة البريّة والتّنوّع البيولوجي والغطاء الحرجي.
- كذلك فإنّ سهولة اقتناء الأسلحة الخفيفة، بغياب القوانين، يشجّع على عمليّة الصّيد والصّيد الجائر ممّا يساهم في اختلال التّوازن الحيوي الطّبيعي لكثير من الطّيور والحيوانات.
أمّا بالنّسبة للبيئة البحريّة، فأهمّ ما يهدّدها هو الكمّ الهائل من النّفايات الّتي تطلقها السّفن الحربيّة الّذي يؤدّي إلى تلويث المياه وتدهور الموائل البحريّة.
كما ولك أن تتخيّل ما تحدثه الأسلحة الكيماويّة المحرّمة دوليّاً، كالفسفور الأبيض (الّذي تستخدمه إسرائيل في غزّة) حيث تحمل الرّياح هذه المادّة لتترسّب في التّربة وأعماق الأنهار والبحار لتحدث كوارث بيئيّة هناك.
لا بدّ هنا أن نتذكّر ما يجري في غزّة، فما ينطبق على مناطق الصّراع العالميّة ينطبق أضعافاً مضاعفة بتأثيراته الكارثيّة على غزّة في ظلّ الحصار الممتدّ لعقود قبل الحرب وللاكتظاظ السّكّاني وعوامل الفقر والقهر الّتي تحرم الإنسان وبيئته من أبسط متطلّبات الحياة الآمنة.
ووفق دراسة بريطانيّة حديثة، تمنع إسرائيل إدخال كاسرات الأمواج -وهي صخور ضروريّة لمنع تآكل السّواحل النّاتجة عن ارتفاع الأمواج ومستوى سطح البحر بسبب التّغيّر بالمناخ الّذي أنتجته الحرب- من الضّفّة إلى القطاع، ممّا سيزيد من خطر حدوث فيضانات لا يمكن السّيطرة على عواقبها.
هذه الممارسات والتّمادي بوحشيّة الحرب بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار، جزء من استراتيجيّة العدو الّتي يسعى من خلالها وبكلّ جهده وإمكاناته؛ لتدمير قدرة الطّبيعة على توفير احتياجات الشّعب الفلسطيني من الغذاء الصّحّي والماء والهواء النّظيف، الأمر الّذي يسعى من خلاله لإبادتهم والتّخلّص منهم.