الأونروا أمام كارثة بين التقصير العربي والتآمر الدولي
الأونروا أمام كارثة بين التقصير العربي والتآمر الدولي
روزيت الفار-عمّان
في خطة بنيامين نتنياهو لما بعد الحرب في غزة، التي تسرّبت اليوم، ثمة نقطة خطيرة جدًّا تتعلق باغلاق مكاتب “الأونروا”( الوكالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) في غزّة واستبدالها بمنظمات ووكالات أخرى. وهذا ما يستدعي التفكير العميق بالآثار الكوارثية المرتقبة لاغلاق هذه الوكالة، واعادة النظر بدور العرب فيها خصوصًا إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الاميركية تدفع 344 مليون دولار،بينما حجم كل الدّعم العربي يقتصر على 60 مليون دولار.
تعتبر “الأونروا” أهمّ وكالات الأمم المتّحدة الّتي تهتم بالشّأن الإنسانيّ الخاص بإغاثة وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيّين. أُنشأت عام 1949، بعد عام من النّكبة الّتي أُعلن فيها قيام إسرائيل كدولة، لكنّها بدأت نشاطها الفعليّ عام 1950. تتركّز مهامها على توفير الخدمات الأساسيّة الخاصّة بالتّعليم والصّحّة والبنية التّحتيّة للمخيّمات الفلسطينيّة، والمساعدة الطّارئة للأشخاص الّذين هُجّروا وطُردوا من منازلهم إثر النّكبة. فهي بالتّالي تشكّل شريان الحياة الرّئيس لملايين اللّاجئين والنّازحين الفلسطينيّين.
5.9 مليون شخص هو عدد المستفيدين من خدمات الوكالة، ممّن يعيشون في غزّة والضّفّة ومخيّمات الدّول المجاورة، منهم 2.4 يعيشون في 13 مخيّماً بالأردن، وما يقارب مليوني نازح ولاجئ في غزّة لوحدها، نزحوا لأكثر من مرّة من منازلهم قبل وإبّان حرب 7 أكتوبر 2023 وأصبح جميعهم يعاني من انعدام الأمن الغذائي والمأوى الآمن.
تعتمد الوكالة في تمويلها بالكامل على المساهمات الطّوعيّة من دول عدّة أهمّها الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتّحاد الأوروبّي وكندا وأستراليا إضافة لليابان ودول أخرى.
يبلغ عدد العاملين في الوكالة، 30,000، وفي غزّة لوحدها 13,000، معظمهم من الموظّفين المحليّين، الّذين أصبحوا، بعد 7 أُكتوبر، يعملون بظروف قاسية جدّاً ويتعرّضون لخطر يوميّ يهدّد حياتهم. فقد تمَّ، ومنذ بداية الحرب، تسجيل أكثر من 150 حالة وفاة وعشرات الجرحى.
في رسالة له نشرتها النّيويورك تايمز مؤخّراً، قام إسبن بارث إيدي، Espen Barth Eide، وزير خارجيّة النّرويج -والّذي استمرّت بلاده بالدّعم- بوصف الوكالة بأنّها أكثر بكثير من مجرّد منظّمة إنسانيّة، بل تشكّل التزاماً، على المجتمع الدّولي التّقيّد به، وبأنَّ وجودها أساسيٌّ لوجود منظّمات وهيئات وأعمال إنسانيّة أخرى في غزّة الّتي مزّقتها الحرب وأصبحت الآن بحاجة لزيادة من الاهتمام والدّعم أكثر من أيِّ وقت مضى وليس لوقف الدّعم أو تقليصه. وناشد الدّول الّتي جمّدت تمويلها للوكالة، بإعادة التّفكير بالعواقب الكارثيّة المترتّبة على قرارها، والّذي سيؤدّي، دون أدنى شكّ، لقطع خدماتها، في الوقت الخطأ، عن أناس تركوا بيوتهم وأملاكهم قصراً ولم يختاروا لأنفسهم التّهجير وخسارة الممتلكات والّذين، كباقي البشر، يفضّلون العيش بكرامة داخل وطنهم وعلى أرضهم.
جاء قرار تعليق أو تجميد التّمويل بعد قيام إسرائيل بإعلانها (المزعوم) عن تورّط الوكالة ومشاركة 12 من موظّفيها في هجوم السّابع من أكتوبر، وادّعت بأنّها (الوكالة) مُختَرقة بالكامل من قبل فصائل المقاومة الّذين نفّذوا الهجوم.
استغلّ “إيلون ليفي”، المُتحدِّث باسم الحكومة الإسرائيليّة، انشغال العالم بجلسة محكمة العدل الدّوليّة الّتي كانت منعقدة بخصوص تجريم دولته بأعمال إبادة جماعيّة بحقِّ الشّعب الفلسطيني في غزّة، ليسارع بنشر إعلانه المذكور ضدَّ الوكالة وبتقديم وثائق استخباراتيّة -لم يثبت حتّى الآن صحّتها- في مسعىً منه لإزاحة الأنظار عن جلسة المحكمة. هذا وقد تمّت مراجعة الوثائق المرتبطة بالتّهم وأُجريت مقابلات مع مسؤولين قاموا بالاطّلاع على محتوياتها. وعلى الرّغم من عدم ثبوت صحّة تلك التّهم، وقيام الوكالة بفصل المشتبه بهم من عملهم و تعهّدها باستمراريّة المتابعة والتّحقيق، غير أنّ ذلك كلّه لم يكن كافياً بالنّسبة للولايات المتّحدة الأمريكيّة و18 دولة أخرى للعدول عن قرارهم بمعاقبة الوكالة بتجميد تمويلهم لها.
رحّبت إسرائيل بقرار تعليق التّمويل هذا، وهنّأت الدّول الّتي اتّخذته واعتبرت ذلك خطوة مهمّة نحو محاسبة الوكالة وكافّة المنتفعين منها.
يشار إلى أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة كان قد سبق وأوقفت دعمها للوكالة. كان ذلك في عهد الرّئيس دونالد ترامب، قبل أن يعيده الرّئيس الحالي، جو بايدن، من جديد.
تبنّى المُتحدِّث باسم الحكومة الإسرائيليّة، إيلون ليفي، موقف بلاده العام من الأونروا، الّذي كانت قد سعت من خلاله، ومنذ سنوات، وعلى مرور كافّة حكوماتها، لإنهاء عمل تلك الوكالة؛ لاعتقادها بأنَّها (الوكالة) تشكّل ضرراً معنويّاً على إسرائيل وعلى مستقبل الصّراع مع الفلسطينيّين، في حين تشكّل رأي مخالف يرى بأنَّ ما تقدّمه الوكالة؛ يفيد في إسكات الفلسطينيّين ويمنع حدوث أيّ انفجار مستقبليّ من جانبهم.
وتوافقاً مع اقتراح نتنياهو عام 2018 الخاص بوضع اللّاجئين تحت “مفوّضيّة شؤون اللّاجئين” في الأمم المتّحدة وإنهاء دور الأونروا، وجدت إسرائيل في عدوانها على غزّة فرصةً لتعزيز هذا الاقتراح والتّخلّص من الوكالة -الّتي اعتبرت بأنّها تعمل دائماً لصالح الفلسطينيّين وتخلّد قضيّتهم من خلال ارتباط كلمة “لاجئ أو لاجئين” بالوكالة، والّذي يعني بشكل واضح، “حقّ العودة”. الأمر الّذي تسعى إسرائيل دائماً لمحوه.
كان لنشر الوكالة صوراً ووقائع مسجّلة وممارسات توثّق وحشيّة إسرائيل في عدوانها على المدنيّين بما فيها المؤسّسات والمرافق التّعليميّة والصّحيّة التّابعة لها من مدارس ومراكز الإسعاف ودور رعاية، ولأكثر من مرّة، دورٌ مهمٌّ في إشعال حفيظة إسرائيل، وازدياد الرّغبة في التّخلّص منها وخصوصاً عند استخدام محكمة العدل الدّوليّة لتلك الصّور والوثائق، كأدلّة دامغة على جرائمها وممارساتها العنصريّة ضدَّ سكّان غزّة وممتلكاتهم.
وأكّد وزير خارجيّة إسرائيل “يسرائيل كاتس” في تصريح له، على أنَّ بلاده ستفعل كلّ ما بوسعها؛ لمنع الوكالة من العمل في غزّة بعد الحرب.
وأشار أحد كبار مسؤولي الأمم المتّحدة بأنّ فقدان الأونروا للتّمويل يمكن أن يكون له تأثيرات مأساويّة على جميع أنشطة الوكالة، وأهمّها؛ ملاجئها البالغ عددها 150 الّتي تأوي مليون و200 ألف نازح من سكّان غزّة. إضافة لوقف صرف رواتب موظفيها ال30 ألفاً وما يترتّب عليه من تداعيات تؤثّر على أُسرهم ومجتمعهم، عدا عن عدم امتلاك الوكالة لأيِّ احتياطي مالي استراتيجي يمكّنها من متابعة تسيير أعمالها المنوطة بها، ممّا يفاقم الأزمة ويزيدها سوءاً.
ومع تنفيذ قرار تجميد الدّعم الّذي تبنّته أمريكا ومَن معها من الدّول الأوروبيّة وبعض الدّول الأخرى، نرى أنّ الوكالة قد حُرِمت من 440 مليون دولار أي ما يقارب نصف موازنتها.
ومع تزايد احتمال إنهاء خدمات الوكالة والاستغناء عن دورها بنهاية شهر فبراير الحالي، فسوف يكون لذلك تداعيات كارثيّة ليس فقط على حياة لاجئي الضّفّة وغزّة الّتي جاوزت نسبة النّزوح فيها ال80%، بل أيضاً على اللّاجئين في كافّة الدّول العربيّة الّتي تستضيف مئات الآلاف منهم في مخيّماتها، كالأردن وسوريا ولبنان. وما يثير قلقَ حكومات هذه الدّول؛ هو عدم مقدرتها على تأمين الموارد اللّازمة لهذه الأعداد الكبيرة من البشر، وخشيتها من أن يؤدّي ذلك إلى زعزعة أمنها واستقرارها.
أمّا بالنّسبة لقيمة المِنح المُقدّمة للوكالة، ووفق بياناتها للعام 2023، فقد بلغ إجمالي الدّعم الأمريكي، 344 مليون دولار، وهو الأكبر على الإطلاق. تلاه الاتّحاد الأوروبّي بمبلغ 82 مليون يورو. في حين أنَّ حجم الدّعم العربي مجتمعاً، بلغ 60 مليون دولار، منهم 27 مليون من السّعوديّة و10 مليون من قطر والباقي موزّع على 6 دول أخرى من أصل 22.
واضح أنَّ ما يقدّمه العرب لا يصل حدَّ الطّموحات ولا يساوي شيئاً من موازنة الوكالة الإجمالي الّذي يقدّر بمليار دولار، تحتاجه الوكالة لتنفيذ مهامها الإنسانيّة الإغاثيّة ودفع رواتب موظّفيها.
يذكر أنّ محمّد البرادعي نائب الرّئيس المصري السّابق، قد طالب مؤخّراً، الدّول العربيّة بتوفير التّمويل الّلازم للأونروا وعلى وجه السّرعة، واصفاً قرار واشنطن والغرب بالقرار غير الإنساني الّذي جاء بتوقيت لا يمكن استيعابه أو تبريره.
فهل تنجح إسرائيل في تحقيق رغبتها في التّخلّص من “الأونروا”؟ ثمّ هل ينتخي الجانب العربي لسدِّ الفجوة ويفوّت على إسرائيل تنفيذ خطّتها وتحقيق رغبتها؟