لِمَن الحسم في فلسطين ولبنان بعد 4 أشهر على الطوفان
لِمَن الحسم في فلسطين ولبنان بعد 4 أشهر على الطوفان
أيمن مرابط – الرباط
لم يكن أحد في هذا العالم، يتصور أن تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة لما يفوق عن 120 يوما منذ السابع من أكتوبر، هذا التاريخ الذي سيبقى خالدا في تاريخ القضية الفلسطينية، تريد “إسرائيل” محوه من الوجود بأي طريقة ممكنة وغير ممكنة.
تعيش الحرب في غزة اليوم وهي قد بلغت مستوى متقدّمًا في القتال وصل إلى “الضربات الترجيحية” بين فصائل المقاومة الفلسطينية و”الجيش الإسرائيلي”، بعد عجز الأخير في كل الجولات عن تحقيق كل ما يمكن لأي جيش يملك أحدث الأسلحة الفتاكة والتكنولوجيات العالية والدعم الدولي أن يحققه، فيما أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على الاستمرار حتى ما لا نهاية في الحرب المصيرية والثبات في الميدان المُلتهب وحققت ما لا يمكن تحقيقه.
بدأت الحرب بافتتاح كتائب القسام لسجل الأهداف يوم السابع من أكتوبر حين أعلنت معركة “طوفان الأقصى”، عرف العالم بعضها وبثت مشاهد قتل الجنود وأسرهم واقتحام الأراضي المحتلة في كل وسائل الإعلام، فيما بقيت أخرى مخفية لا يُعرف عنها شيئا وتُسابق “إسرائيل” الزمن للكشف عنها دون أي نتيجة، أما ردها فكان إعلانها بنك أهداف ضخم ونوعي، لكنه في النهاية وكما في كل جولة حرب، هو دماء المدنيين العُزل والمستشفيات والمساجد والكنائس وكل معالم الحياة في غزة ولا شيء غير ذلك.
الجميع يريد إنهاء الحرب، سواء في الداخل الإسرائيلي الذي أنهكته الحرب اقتصاديا وتصدع داخليا بسبب أزمة عائلات الرهائن، أو في قطاع غزة الذي يقف صامدا أمام آلة قتل فتكت بالبشر والشجر والحجر والحضارة والتاريخ وكل كائن حي في القطاع المحاصر، لكنه يرفض أن تنتهي حرب اختارت المُقاومة توقيتها على الطريقة الإسرائيلية، فمن أطلق الرصاصة الأولى في الجبهة هو صاحب الطلقة الأخيرة.
رفح…الضربة الحاسمة للفوز أو الخسارة
تعتقد “الدولة الإسرائيلية” بيقين كبير أن هجومها على رفح آخر معقل في غزة لم يتعرض للهجوم البري الكاسح، سيكون كفيلا بقلب موازين الحرب رأسا على عقب، وسيشكل ضغطا أكبر على حركة حماس وباقي فصائل المقاومة لكي تضع السلاح وتُعلن الاستسلام حين ترى مصير مليون ونصف مليون مدني هو الموت والتهجير، وأن اجتياحها هذا هو الورقة الرابحة والأخيرة في حربها على غزة، ولكن، بقدر ما نسبة الربح كبيرة فإن خطر الخسارة أكبر.
تُدرك المقاومة في غزة هذا الأمر جيدا، خاصة المكتب السياسي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي اللذان يخوضان حرب مفاوضات ضارية بين مدن الدوحة والقاهرة وبيروت وباريس، أما المقاومة في الميدان فهي تُغير من خططها ومواقعها بما يُوفر لها القدرة على المناورة والدفاع، ولا تزال تُلحق الخسائر المؤلمة في صفوف وحدات الجيش “الإسرائيلي” بعد 4 أشهر من القتال.
أما “إسرائيل” ففي حال ضياعها لضربة رفح مثل الضربات السابقة من شمال القطاع حتى مدينة خانيونس، فستكون هي وحلفاؤها أمام كارثة إخفاق عسكري بكل المقاييس، وما من سبيل للتغطية عليها إلا باتخاذ ذرائع وإنتاج دعايات مؤثرة من أجل الاستمرار في الحرب، كان آخرها خبر تحرير اثنين من الرهائن العجزة في رفح، أو الدخول في حرب أخرى تزيد من إشغال الرأي العام الداخلي عن إخفاقات غزة المدوية.
جبهة الشمال.. حرب أخرى تقترب
في لبنان، يعلم حزب الله جيدا أن الهجوم على رفح من شأنه أن يُحسن نسبيا نتائج الحرب لصالح “إسرائيل” أو على الأقل أوراق التفاوض وشروط الصفقة الموضوعة على الطاولة بشأن غزة وحتى قضية الحدود اللبنانية المشتعلة، وهو بعث برسائل واضحة من نوع “بركان” و”فلق” والصواريخ الموجهة والمتلفزة يقول من خلالها أن “إسرائيل” إن ربحت جبهتها الجنوبية ستخسر أمن شمالها أكثر فأكثر.
التصعيد الأخير في جبهة “إسرائيل” الشمالية يفيد ضمنيا بأن الهجوم على رفح سيُقابله هجوما غير مسبوق من قبل حزب الله على مواقع الجيش الإسرائيلي أكثر عمقا وحيوية وتأثيرا، ذلك أن وعود الحزب بضرورة عدم السماح لإسرائيل بالانتصار في الحرب مهما كان الثمن، قد حان الوقت لترجمتها على الميدان بفعالية أكثر.
ويُفيد أيضا بتكثيف التنسيق بين الفصائل الفلسطينية واللبنانية، ففي اللقاء الأخير بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وزياد نخالة الأمين العام لحركة الجهاد المُعلن عنه ولقاءات أخرى غير معلن عنها مع كل الفصائل في لبنان توجُّهٌ لرسم مسار جديد في الحرب في حال اجتياح “إسرائيل” لمدينة رفح، عنوانه الرئيسي هو منع سقوط المقاومة في غزة مهما كلف ذلك الثمن، وهو لابد له من الوفاء بوعوده.
الدخول في حرب للخروج من أخرى…ولكن؟
يُفكر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو وزمرته في دوائر القرار جديا في سيناريو الدخول في حرب مع حزب الله للخروج من حرب غزة، ولا يتوانى وزير دفاع حكومته وكل أعضاء حكومة الحرب والمحللون العسكريون في وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عن التهديد بتدمير لبنان بعد تدمير غزة.
في المقابل، يعلن حزب الله مرارا استعداده لجولة حرب كبرى وهو يعلم أنها لن تكون الأخيرة بينه وبين “إسرائيل” لكنها ستكون فاصلة في مسار المواجهة التاريخية، وهو إذ يبني مواقفه وتقديراته على أساس الهزيمة المؤكدة لإسرائيل، فإنه يطمح لهزمها من دون خسائر كبرى على لبنان، ويكسر تلك الصورة الروتينية لخسارة “إسرائيل” التي تُكلف دوما خسائر في الأرواح البشرية من المدنيين وخسائر مادية فادحة.
ومثلما أقفل حزب الله الباب أمام أصوات معارضة له داخل لبنان تدعوه لوقف الحرب، وهي في تحليلها للوضع تتقاطع، وفق حزب الله، في أكثر من نقطة مع التوجه “الإسرائيلي” والغربي واعتبرها “ميؤوس منها”، فإن حكومة نتنياهو قامت بالشيء نفسه مع أصوات الداخل الإسرائيلي المعارض الذي يُحذرها من الدخول في مغامرة حرب مجهولة النهاية والمصير ولكنه في نفس الوقت يطمح للقضاء على حزب الله وكسب الحرب إن حدثت.
حساسية مفرطة في ميزان الربح والخسارة
لم يعد اليوم حدوث الحرب وإعلانها بالشكل الكلاسيكي كما كان في الحروب السابقة، بحيث لن ننتظر من حزب الله عبر أمينه العام أو قيادييه إعلان الحرب على “إسرائيل” أمام الملأ، والأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل، فكلا الطرفين تركا توسيعها أو احتواءها للميدان فقط، ناهيك عن أن هذه الجبهة مرتبطة كليا بما يحدث في قطاع غزة من تطورات متسارعة.
كما أن ميزان الربح والخسارة هذه المرة مختلف تماما عن الموازين السابقة، فمن يربح اليوم سيكون قادرا على تغيير وجه منطقة لم تعرف الهدوء أو السلام منذ 75 عاما ورسم خارطة طريق قد لا تكون دولة الاحتلال طرفا فيها، و”إسرائيل” اليوم تدرك أكثر من أي وقت مضى أن فوزها في الحرب في غزة أو في لبنان يعني إطالة أمد عمرها لعقود أخرى من الزمن، وهزيمتها أمام عدوها تعني حتميا بدء تحقق لعنة العقد الثامن.
يبقى الأمر اليقين هو أن الحرب مع “إسرائيل” المدعومة من معظم دول العالم حتى بعض العربية منها لا يدفع ثمنها الباهظ سوى المدنيين العُزل الحالمين ببرهة سلام وسط النار، وهم يدفعون ثمن هذه الحرب ليس لأن المقاومة هي التي أيقظت وحش آلة القتل ضدهم، ولكن لأن نظاما عالميا “ديمقراطيا” أراد أن يفرض دولة منذ قرن من الزمن على أرضهم بكل وسائل القتل الممكنة ماديا ومعنويا، ولم يُفلح في إقناعهم بقبولها والعيش تحت كنفها حتى اليوم.