الصين تضاعف انتاج المواد الأولية 7 مرّات ، لماذا؟
الصين تضاعف انتاج المواد الأولية 7 مرّات ، لماذا؟
لجين سليمان
نمت قيمة الإنتاج الإجمالية لصناعة المواد الجديدة في الصين من 0.65 تريليون يوان في عام 2010 إلى أكثر من 7 تريليون يوان في عام 2021، ومن المتوقع أن تصل قيمة الإنتاج الإجمالية إلى 10 تريليون يوان في عام2025
قد لا تكون بعض العبارات المتعلّقة بالتغير المناخي وآثاره السلبية على كوكب الأرض كافية لتقديم إنذارات للبشرية حول الأخطار المحتملة مستقبلا. تزداد خطورة هذا الأمر تحديدا في الدول المتأخرة، التي تعاني أصلا من مشاكل متعددة على مختلف الأصعدة لا سيما الاقتصادية منها، ما يجعل التفكير في التغير المناخي بمثابة ترف. ومع تصاعد النداءات العالمية فيما يتعلق بالاستدامة ودورها في مواجهة التغير المناخي، وما يرتبط بها من مواضيع متعلقة بتدوير المواد وإعادة استخدامها في مجالات شتّى، اتخذت الصين منحى آخر في هذا الأمر، فحسب الطريقة الصينية التي غالبا ما تتصف بالطابع العملي، بدأ العمل بشكل فعلي على أرض الواقع من أجل استخراج مواد جديدة، تكون صديقة للبيئة وتستخدم في الوقت ذاته في مجالات عدّة، فعلم المواد اليوم، يعد من العلوم الأساسية التي تدخل بشكل مباشر في التنمية التكنولوجية وكذلك الاقتصادية والبيئية والتنمية المستدامة.
تسنى لي مؤخرا حضور مؤتمر يتعلق بالتنمية المستدامة وعلم المواد. توقّعتُ أن تكون المواضيع عامّة لا سيما وأنّ معظم المؤتمرات من هذا النوع لم تخرج عن كونها نظرية وتنتهي بمجموعة من التوصيات. إلا أنه وهذه المرة تحديدا كان الأمر مختلفا، إذ استضاف المؤتمر مجموعة من الباحثين ومدراء الشركات الذين تحدّثوا عن ضرورة استخلاص مواد جديدة سواء من الموارد الطبيعية أو من خلال تدوير مواد كانت موجودة سابقا بما يحقق استدامة بيئية ووفرة اقتصادية، فمثلا تم تناول موضوع تصنيع مواد مختلفة مستخرجة من الصخر ذاته. كما تم تقديم دراسة تحليلية كامل لمواد جديدة تم اكتشافها، ومواد خام أخرى تحتاجها الصين إلا أنها لا تزل غير متوفرة، مما يجعل استيرادها عبئا. وبذلك كانت فكرة تقليل الفجوة بين المواد المصنعة والمواد المستوردة حاضرة في معظم الحوارات. على سبيل المثال المواد المستخدمة في صناعة الأسنان الصناعية، معظم المواد الخام الداخلة في هذه الصناعة غير متوفرة في الصين، وهو ما يجعل تكاليف تصنيعها أكبر، الأمر الذي يتطلب العمل على تهيئة الظروف لتحسين التصنيع في هذا المجال. فعلى الرغم من أنه يتم الاعتماد على مزايا الموارد المتوفّرة في بعض المناطق مثل دلتا نهر اليانغتسي، دلتا نهر اللؤلؤ، المناطق الوسطى والغربية، والمناطق الشمالية الشرقيةـ إذ تُعدّ هذه المناطق محرّكات أساسية في العملية التنموية وذلك لعدة أسباب من أهمها غناها بالمواد الأولية وتوفّر بنى تحتية حديثة تتيح نقل المواد بشكل سريع وفعّال، إلا أنّ الطموح في تحقيق الاستدامة والتنمية أبعد من ذلك بكثير. هذا بالإضافة إلى أنه قد تم تناول أهمية استقطاب المزيد من الموهوبين في مجال علوم المواد من أجل تطوير الصناعات بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد. ما سيرد لاحقا هي من أهم المحاور التي تم طرحها خلال المؤتمر.
· اكتشاف المواد الجديدة أساس للتطور الاقتصادي
وفقا لوجهة النظر الصينية، فإنّ اكتشاف مواد أولية جديدة تدخل في العملية الصناعية تحتلّ مكانة أساسية في النظام الصناعي الحديث، ويعد تطوير هذه المواد مطلبا حتميا كي تتحوّل الصين من قوة تصنيعية كبيرة إلى قوة تصنيعية فعّالة، وهو إجراء أساسي أيضا للتخلص من المعضلة المتعلقة بنقص المواد الداخلة في عملية التصنيع التكنولوجي. فصناعة هذه المواد المستحدثة هي صناعة استراتيجية وأساسية، وتأتي أهمية هذه الصناعة من أنها قد تغلغلت في مجالات الاقتصاد كافة وكذلك في الحياة الاجتماعية والبيئية، وتشكل حيزا من صناعة منتجات المواد الخام الأولية التي تدعم تطوير الصناعات الهامة مثل الطيران والطاقة الجديدة والمعلومات الإلكترونية، والطب الحيوي، وبذلك تعد عاملا مهما للسيطرة التكنولوجية والتنمية الاقتصادية. وفقا للإحصائيات فقد نمت قيمة الإنتاج الإجمالية لصناعة المواد الجديدة من 0.65 تريليون يوان في عام 2010 إلى أكثر من 7 تريليون يوان في عام 2021، ومن المتوقع أن تصل قيمة الإنتاج الإجمالية إلى 10 تريليون يوان في عام 2025. عمليا حققت الصين إنجازات متعددة في مجال صناعة المواد على سبيل المثال، لا يزال الاختراق التكنولوجي الذي حققته شركة هواوي مؤخراً، بتصنيعها لشريحة إلكترونية متطورة ، محط أنظار العالم، وخاصة بعد أن حاولت الولايات المتحدة الأمريكية على مدار السنوات الماضية خنق الشركة الصينية عبر قطع الإمدادات عنها. وفي الوقت الذي كانت به أميركا تنتظر اللحظة التي ستتحول فيها هواوي، من شركة تكنولوجية كبيرة إلى شركة محدودة القدرات بفعل فرض مزيد من القيود والعقوبات، أعلنت الشركة الصينية عن سلسلة هواتف Huawei Mate 60 الجديدة، التي تبين أنها تحتوي على معالج Kirin 9000s المُصنّع بدقة 7 نانوميتر، والذي يدعم تقنية الجيل الخامس.
· التحديات
يواجه تطوير صناعة المواد الجديدة في الصين عددا من التحديات، ففي الوقت الحاضر، لم تزل صناعة هذه المواد تمر بمرحلة انتقالية ما بين استبدال الواردات بصناعات محلية، والصناعة العالية الجودة والتي هي الهدف الأساسي في المرحلة الراهنة. بشكل عام، لا تزال المواد التقليدية تهيمن على حقل المواد، والتقنيات الرئيسية لصناعة هذه المواد الجديدة غير كافية نسبيًا، والإمدادات المحلية من المواد الجديدة المتطورة محدودة، هذا فضلا عن الحاجة إلى موارد بشرية متخصصة في هذا المجال، وهو ما تمّ بحثه بشكل موسّع في المؤتمر، إذ تم تقديم تحليل بياني لتوزّع القوى البشرية، وعدم وجود توازن فيها ما بين شرق الصين وغربها، هذا بالإضافة إلى اعتماد أعداد كبيرة من الجامعات على التدريس في صفوف مدرسية وتقليل اعتمادها على البحث العلمي خاصة وأنّ هذا النوع من الدراسات يحتاج إلى عمل بحثي وتجريبي. وقد عزا بعض الباحثين هذا الأمر إلى نقص الدعاية في هذا المجال، خاصة الدعاية المتعلقة بجذب الموهوبين، وهنا تم طرح فكرة مهمة مفادها أنه يجب جعل عملية التعليم في علوم المواد ممتعة، بحيث يتعلّق بها الجيل الجديد الشاب كتعلقه بألعاب الكومبيوتر والهاتف المحمول، بما يخلق بيئة تعليمية إيجابية.
على الرغم من وجود توجّه صيني كبير من أجل الانفتاح على الخارج، وتحديدا في المرحلة الراهنة، إلا أن حلقة التصنيع الداخلي يجب أن تبقى الاقوى، وهو قرار مُتخذ منذ زمن، ويزداد الإلحاح على تطبيقه بشكل عملي، بتزاد الضغوط الموجّهة ضد بكين. ولذلك يتم العمل بشكل فعلي على الأرض من خلال حوارات علمية بنّاءة ونقد بنّاء عبر تحليل المشاكل العملية بشكل واقعي، بما يؤدي إلى تحقيق أهداف متعددة لا تتعلق بالتنمية فقط وإنما بالاستدامة أيضا.