قالت الصحف
هآرتس: عدوُنا إيران، لكن اقامة منظومة اقليمية مع ضمّ الضفّة مستحيل
هآرتس: عدوُنا إيران، لكن اقامة منظومة اقليمية مع ضمّ الضفّة مستحيل
إيتمار رافينوفيتش
- يتم التعامل مع الحدث الذي جرى يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر على أنه حرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة. لكن هذه الحرب تجري في سياق أوسع بكثير، يتم صوغه، أولاً وأساساً، على يد المساعي الإيرانية لتحدّي إسرائيل في عدة جبهات. منذ الآن، تدور حرب استنزاف بين حزب الله، ذراع طهران، وبين إسرائيل. وفي أي لحظة، يمكن أن تقرر إيران وقيادات حزب الله الانتقال إلى حرب.
- فرع إيراني آخر، يمثله الحوثيون في اليمن، الذين أطلقوا في اتجاه إسرائيل مسيّرات (تم اعتراضها)، وميليشيات شيعية أُخرى تتجهز للعمل في شمال هضبة الجولان. “حماس” ليست فرعاً لإيران كحزب الله، لكن لها علاقات وطيدة مع طهران وبيروت، وتتلقى المساعدات الاقتصادية، وتتزود بأسلحة واستشارة وتوجيه.
- لا توجد إشارات إلى تدخّل إيراني مباشر في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن، لولا المساعدة من إيران وحزب الله، لكان من الصعب على “حماس” تنفيذه. ولو انتهت المعركة في غزة من دون حرب شاملة مع حزب الله، فإن إسرائيل لن تستطيع التعايش مع “قوة الرضوان” على الحدود. وممنوع أن ننسى، أن إيران، عملياً، دولة عتبة نووية.
- هذا الوضع في أساسه، يعكس الطموح إلى تصدير الثورة الإسلامية، والسعي للهيمنة الإقليمية في الإرث الفارسي الإمبراطوري، والعدائية والشعور بالاضطهاد وكراهية إسرائيل. فكما كتب الباحث الإيراني – الأميركي كريم ساغافور: “دعمُ طهران المستمر لنظام الأسد، لا ينبع من مصالح جيو – سياسية أو اقتصادية للأمة الإيرانية، أو من إيمان ديني لدى الجمهورية الإسلامية، بل من كراهية رهيبة لدولة إسرائيل.”
- الاستراتيجيا الأصلية لنظام الشاه مرّت خلال العقود الأخيرة بسلسلة من التغييرات التي صاغتها الأحداث، كحرب إيران – العراق في الثمانينيات من القرن العشرين، وسقوط الاتحاد السوفياتي، والاجتياح الأميركي للعراق في سنة 2003، والحرب الأهلية السورية. للحدثين الأخيرين تأثير خاص. إسقاط نظام صدام حسين وانتقال القوة إلى الأغلبية الشيعية في العراق، سمحا لإيران بالحصول على تأثير واسع لدى جارتها من الغرب، وفتحا أمامها الطريق.
- التدخل العسكري في سورية، بالتعاون مع روسيا، قوّى طموحات النظام في طهران كثيراً. بدأ ببناء جسر بري إلى البحر المتوسط وبنية صواريخ في سورية، إلى جانب بنى سلّمها لحزب الله في لبنان. إيران وأذرعها هاجموا بنى الطاقة في السعودية وأهدافاً أُخرى في الإمارات. كما هاجموا قوات أميركية في العراق وسورية، عبر هذه الأذرع، حتى إنهم أسقطوا طائرة مسيّرة أميركية (من دون ردّ من إدارة ترامب). وعندما ألغت إدارة ترامب الاتفاق النووي، استغلت إيران الفرصة من أجل تسريع خطتها لتخصيب اليورانيوم، في الطريق إلى مكانة دولة عتبة نووية. أما الحرب في أوكرانيا، فسمحت لإيران بأن يكون لها وظيفة عالمية، عبر تزويد روسيا بالمسيّرات.
- السياسة الأميركية المعلنة بالابتعاد عن الشرق الأوسط لمصلحة منطقة آسيا والمحيط الهادي، سمحت لإيران بتحسين علاقاتها بالدول العربية، وعلى رأسها السعودية. الكراهية الأساسية لم تتبدد بينهما، لكن من المريح للدولتين إخفاءها، عبر التطبيع الذي تم التوصل إليه، بوساطة صينية.
- عملت إسرائيل خلال هذه الفترة على إحباط الخطة النووية الإيرانية، باغتيال العلماء والناشطين. ومنذ نهاية الحرب الأهلية في سورية، تدير إسرائيل معركة جوية ضد البنى الإيرانية المبنية فيها – ما يسمى “المعركة بين الحروب”. الرد الإيراني المباشر ضد إسرائيل محدود حتى الآن. وعموماً، تفضل إيران العمل عبر الأذرع، بهدف الامتناع، أو تقليل الخسائر.
- النظام الإيراني قام ببناء حزب الله على مدار الوقت، كجسم هجين: حركة سياسية، تنظيم “إرهابي”، ميليشيات، ومؤخراً، أيضاً جيش. حزب الله يستند إلى الطائفة الشيعية في لبنان، وهو الآن أقوى من الدولة اللبنانية، إلّا إن التنظيم والمسؤولين عنه يفضلون عدم السيطرة كلياً على الدولة، إنما السيطرة عليها من دون تحمّل مسؤولية رسمية.
- منحت إيران حزب الله، على مدار أعوام، كمية كبيرة جداً من الصواريخ والقذائف، الهدف منها ردع ضربة إسرائيلية أو أميركية للمفاعل النووي، هذا فضلاً عن أنها زودت الوحدات العسكرية الخاصة به بأفضل المعدات (صواريخ روسية مضادة للدروع، مررها حزب الله إلى “حماس”). حزب الله يقاتل إلى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية، وهو ما حسّن كفاءة الوحدات القتالية الخاصة به ورفع أعداد المقاتلين.
- إذا قررت طهران وحزب الله فتح معركة كاملة ضد إسرائيل بالتزامن مع بدء العملية البرية في غزة، فسيكون على إسرائيل التعامل مع صواريخ حزب الله وقوة الرضوان منذ الآن. أما إذا اكتفى التنظيم بحرب الاستنزاف، فستكون إسرائيل أمام معضلة مع نهاية القتال في غزة.
- كثيرون من سكان المناطق الحدودية سيرفضون العودة إلى بيوتهم، في الوقت الذي توجد “قوة الرضوان” على الحدود، وجرّاء الصدمة من 7 تشرين الأول/أكتوبر. إسرائيل سترفض أيضاً استكمال مأسسة الميليشيات الشيعية على الحدود السورية، أو الضغط من الميليشيات الشيعية من العراق على الأردن، وإطلاق مسيّرات من اليمن.
- لكن يجب على إسرائيل عدم التعامل مع هذه التحديات وحدها. يبدو أن إدارة بايدن فهمت أنها إذا أرادت الحفاظ على مكانتها في المنطقة وعلاقاتها بالدول المعتدلة، فسيكون عليها أن تجعل معسكر داعميها متماسكاً. المحور الداعم لإيران، وضمنه سورية ولبنان بشكل جزئي، والعراق واليمن، تفعّله طهران.
- معسكر الدول المعتدلة، وضمنه السعودية والإمارات والأردن والمغرب، هو معسكر غير متماسك جيداً، والأعضاء فيه يخافون من الرأي العام لديهم، وأيضاً من صدقية الولايات المتحدة. فمن سيؤكد لهم أن ترامب لن يعود إلى الحكم؟ نافذة الفرص في واشنطن محدودة. إدارة بايدن، والرئيس شخصياً، عرفوا كيف يتم الدمج بين دعم إسرائيل وردع إيران وحزب الله، وفي الوقت نفسه، دعم المجتمع المدني في غزة. لكن، بعد بضعة أشهر، ستكون الولايات المتحدة في خضم معركة انتخابية.
- المجهود الأميركي لترتيب العلاقات مع السعودية وإضافة صفقة تطبيع مع إسرائيل مجمدان حالياً، لكن يجب تجديده بأسرع وقت ممكن. على إسرائيل أن تندمج فيه، وأن تتعامل مع التحدي الإيراني إلى جانب الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين. هذا لن يحدث من دون تغيير في السياسة تجاه السلطة الفلسطينية. الحديث لا يدور عن حل ثابت، إنما أقل من هذا بكثير، لكن مَن يعتقد أنه يمكن بناء منظومة إقليمية بدعم أميركي ويعمل في الوقت نفسه، لضم الضفة، فإنه واهم.