ريم الأطرش: هذه اقتراحاتي لانقاذ بلدنا سورية
رسالة مفتوحة إلى أهل بلدي سورية.
د. ريم منصور سلطان الأطرش *
تحية المحبة.
لا أزال أشعر بحاجة ماسّة إلى التفكير بصوت عالٍ، طالما أننا، إلى اليوم، وبعد مُضِيّ دزّينة من السنوات العجاف والحبل على الجرّار، لم نتعلّم الحوار مع بعضنا بعضاً بهدوء، وتالياً الإصغاء أيضاً!
سوف أفكّر بصوت عالٍ في نجاعة القرارات الأمميّة الصادرة عن مجلس الأمن والمتعلّقة ببلادنا.
أشهر تلك القرارات، هو القرار 242، الصادر في 22 تشرين الثاني 1967، بعد نكسة حزيران، بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي.
ملخّصه: سحب القوّات المسلّحة من أراضٍ احتلّتها بالنزاع، (من الأراضي التي احتلّتها بالنزاع)، وإنهاء جميع ادّعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقّها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعتَرَف بها، وحرّة من التهديد وأعمال القوّة.
لكنْ… إلى الآن، لم يتمّ تنفيذه مطلقاً، ولا يزال الكيان الصهيوني يحتلّ تلك الأراضي (الجولان وغيره من الأراضي) التي احتلّها حرباً ونزاعاً!
ولنفكّر بقرار مجلس الأمن رقم 1973، الصادر في 17 آذار 2011، فنجد في بنده السادس بأنّ الأعضاء قرّروا فرض حظر على جميع الرحلات الجوّية في المجال الجوّي الليبي، لحماية المدنيين. وتمّ قصف ليبيا من الجوّ وتخريبها وقتل مدنييها! اتُّخِذَ القرار بالغالبية، مع امتناع خمسة أعضاء عن التصويت: روسيا، الصين، الهند، البرازيل، (أي معظم دول بريكس)، وألمانيا.
ولنأتِ الآن إلى القرار 2254، الصادر في 18 كانون الأول 2015، بالإجماع.
ملخّصه: أنه يقرّر وقف إطلاق النار والتوصّل إلى تسوية سياسية للوضع في سورية، ويطلب من الأمم المتحدة جمع الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية في أوائل كانون الثاني من العام 2016، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة في غضون 18 شهراً، والتحوّل السياسي بقيادة سوريّة.
منذ ذلك التاريخ، مضت سبعٌ عجاف وأكثر، من دون أيّ تحرّك باتجاه هذا القرار! لماذا؟
أظن، لأنّ القرارات الأممية، حتى المُتَّخَذ منها بالإجماع في مجلس الأمن، أي أنّ دولتين صديقتين لسورية قد وافقتا عليه، وهما روسيا والصين، لا يتمّ تطبيقها فعلاً إلا في حالتين:
الأولى، باستخدام الفصل السابع وفرضه عبر تحالف دولي غربي، قام، مثلاً وفعلاً، بقصف ليبيا بعد فرض حظر جوي.
الثانية، بإرادة دولية بالتوافق بين الدول العظمى، من دون أخذ رأي الشعب المَعنيّ بالأمر، بعين الاعتبار.
إذن، هل ثمة من جدوى من المطالبة بتطبيق القرارات الأممية؟! لا أظن، خاصةً مع وجود خطورة احتيال محور الشرّ الغربي لاستخدام الفصل السابع، كما حدث في ليبيا!
قد يأتي من يقول لي: “لم تعدْ أميركا قادرة على ذلك”! قد يكون على حقّ، لكنّ لعبة الشطرنج علّمتني أن أحسب أسوأ الاحتمالات من الخصوم، خاصة أنّ بعض الأصدقاء من الدول العظمى محشورون اليوم في حروب صعبة، وتالياً، قد تكون المقايضة في ما بين تلك الدول أحد الخيارات لهم!
ما العمل إذن؟
أقدّم الاقتراح التالي للمجتمع المدني السوري:
- الأكثرية الصامتة، التي آمنت بأهمية الدولة وحمتْها من السقوط، يجب أن تتحوّل إلى “أكثرية ناطقة”، كي تساهم في التأثير في الشأن العام. لذلك عليها السعي للتجمّع، ضمن إطار مدني عابر للأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات والأيديولوجيات والأحزاب، في سبيل العمل المدني الهادف إلى صيانة الشأن العام.
- هدف هذا التجمّع الوطني السلمي هو التصدّي لكلّ ما يهمّ الوطن والمواطن، بناءً على برنامج وطني، وتكون بنوده واضحة ومرتّبة حسب الأولويّات الوطنية، لتشكيل رأي عام ضاغط على السلطة من أجل التغيير إلى الأفضل.
- يقوم هذا التجمّع بتقديم اقتراحات عملية لمشاريعَ صغرى تُنجي المجتمع من العوَز. ويمكن إنشاء بنك غير ربحي يشرف عليه هذا التجمّع المدني، وتكون مهمة تمويله من المغتربين المخلصين، وبرقابة وطنية حقيقية بهدف حمايته من الفساد والإفساد.
- سيساهم هذا التجمّع في بناء ثقافة جديدة، تطرح الخوف جانباً؛ كما سيساهم رأي الأكثرية “الناطقة” في بناء إنسان جديد، مؤثِّر ومؤمن بأنّ رأيه ذو قيمة لخير الشأن العام!
- حين يشكّل قوة مدنية سلمية، سيعيد هذا التجمّع الثقة والفاعلية للمجتمع الذي تمّ تغييب أثره في الشأن العام، لعقود!
- سيكون لهذا التجمّع رأي في تعديل الدستور لتصبح الدولة دولة مواطَنة؛ وفي تعديل قوانين عديدة، منها قانون الأحوال الشخصية المُجحِف بحقّ المرأة والطفل، رغم كل التعديلات الجيدة؛ ومنها أيضاً وأهمّها قانون الانتخابات: فالقوانين الحالية، إجمالاً، لم توصِل، في الغالب، إلى البرلمان ممثّلين حقيقيين عن الناس. لذلك، فمن الأفضل جعل سوريا دائرة انتخابية واحدة، ويكون الترشّح على قاعدة النسبية، بطريقة اللوائح المغلقة، حصّة المرأة فيها50%، والأسماء فيها متناوبة بين الرجل الكفء والمرأة الكفؤة وعلى أساس البرنامج السياسي لتحالف الوطنيين المستقلّين، أو الأحزاب الصغيرة، أو الأحزاب الكبيرة والمتوسطة، إذ لا مكان هنا لمرشّحين منفردين. يتم توزيع المقاعد البرلمانية حسب نسبة عدد الأصوات التي حازت عليها كل لائحة. أهمية النسبية هي أنها تعطي حقاً تمثيلياً لكل شرائح الشعب السياسية، وتالياً، يكون التمثيل أكثر عدالةً. وإعادة العمل بديوان المحاسبات من أجل كبح تفلُّت المال السياسي.
- وسيكون لهذا التجمّع رأي في المناهج الدراسية كي تصبح مناهج تبني مواطناً حرّاً، فكره ناقد وبنّاء؛ وفي الفساد المستشري والليبرالية الاقتصادية التي تكسر القوانين وتلويها لمصالحها المتوحّشة؛ وفي تطبيق العدالة الاجتماعية والعدالة في توزيع الثروة وتحقيق الحدّ الأدنى للأجور ووجوب تناسبها مع الغلاء، في سبيل العيش الكريم، فالواقع المُعاش وتحصين المواطن من الانزلاقات إلى الفساد ظهير صلب للمقاومة، خاصة في حربنا الوجودية ضدّ الصهاينة؛ وفي تطوير القطاع العام لجعله ربحياً ونفعياً للعمّال، لمحاربة الاحتكارات والخصخصة؛ وفي إعادة الأجهزة الأمنية لمهمّتها في حماية الوطن.
- على مَن يريد الانتساب لهذا التجمّع، الاتفاق على “ميثاق شرف” يحظر العنف ويمنع رفع السلاح بين أبناء الوطن الواحد، ويُلزمهم بالحوار سبيلاً دائماً بينهم وإلى الأبد، وبالالتزام بمخرجات هذا الحوار.
- على هذا التجمّع تأليف “لجنة الحقيقة والمصالحة”: وهو منبر شبيه بـِ “عقد الراية” في جبل العرب، الذي ترعاه وجوه الجبل المحترمة حين تقع جريمة ما في المجتمع.
يتمّ في هذا المنبر الاستماع إلى عذابات الناس وتصديقها، ثم يتمّ العمل على التعويض عليهم من المرتكبين، كما يحدث في دفع الديّة في “عقد الراية”. ويتمّ الاستماع إلى اعترافات المرتكبين واعتذارهم للشعب، ثم يتمّ العمل على طلب العفو عن المرتكبين لمَن يعترفون بما اقترفت أياديهم. أما لمَن لا يعترفون ولا يعتذرون، فيجب العمل على ملاحقتهم قضائياً. هذه هي الطريق “لشفاء الناس من ذكريات العذابات“.
- وتسعى هذه اللجنة إلى الضغط الجدّي من أجل الإفراج عن معتقلي الرأي وتبيان مصير المفقودين.
- هذا الضغط بهدف الإصلاح السياسي أولاً، هو لحماية الإصلاح الاقتصادي والإداري، كي نوقف الهرم على قاعدته وليس على رأسه.
- ومن المهمّ الضغط من أجل عدالة اجتماعية! فهذا الشعب الصامد يستحقّ العيش بكرامة، ويستحقّ أن يتمتّع المواطن بحقوقه وواجباته في بلده، كي نبني مجتمعاً متوازناً لا حقد بين أفراده.
د.ريم منصور سلطان الأطرش: باحثة وروائية وكاتبة واستاذة جامعية، تحمل دكتوراه من فرنسا حول الترجمة ومشاكلها، ولها مجموعة روايات ومؤلفات وبينها ما يتعلّق بالسيرة الذاتية لسلطان ومنصور الاطرش، اضافة الى نقل وترجمة مجموعة من الكتب الفرنسية الى العربية. وهي من الشخصيات ذات التأثير في المؤتمر القومي العربي وفي منتديات ومؤسسات سورية وعربيّة. وعائليًّا هي حفيدة الثائر العربي الكبير المرحوم سلطان الأطرش، وابنة السياسي العروبي الشهير منصور الأطرش.