الانسان يُثرثر 65 % من وقته، فماذا يقول العلماء عن فوائد الثرثرة
الانسان يُثرثر 65 % من وقته، فماذا يقول العلماء عن فوائد الثرثرة
روزيت الفار- عمّان
- الثّرثرة من سمات البشر وأحد أسباب نموّهم.
- لا تتطوّر لغة البشر بسبب الرّياضيّات أو الفلسفة، بل بالثّرثرة. فهي تعمل، ومنذ القدم، كغراء يربط المجموعات بعضها ببعض.
- غالبيّة النّاس إمّا تصغي أو تساهم في الثّرثرة؛ وهذا ما يجعل العالم الاجتماعي يتحرّك.
- الشّخص الّذي لا يشارك في القيل والقال وتناقل أخبار النّاس، شخص غريب ومُريب لا تثق مجموعته به.
- كمخلوقات إجتماعيّة، نحن مجبرون على الثّرثرة للمحافظة على وجودنا وحماية نوعنا.
ما مدى صحّة هذه الأقوال؟
عاش أسلافنا في عصور ما قبل التّاريخ؛ ضمن مجموعات صغيرة تعرف بعضها بشكل وثيق؛ واستطاعوا بواسطة تلك المعرفة درء الأخطار الّتي تهدّد بقاءَهم في بيئتهم الطّبيعيّة القاسية. فكان التّعاون فيما بينهم ضروريّاً لتحقيق أمنهم وسلامتهم؛ بدأوه “بالاستمالة الإجتماعيّة” الّتي كان يستدرج الفرد بواسطتها تحالف الآخر من خلال قيامه بتمشيط فرائه وتنظيف جسده من قشور الجلدِ الميّتة. ثمّ السّعي لإنشاء تحالفات جماعيّة؛ مدركين أهمّيّتها في تأمين الدّعم والحماية لكافّة الأعضاء ضدّ خطر المنافسة الّتي تشكّلها الجماعات الأخرى في عمليّة الحصول على الموارد المحدودة اللّازمة لعيشهم وبقائهم.
“إنّ الاهتمام بالتّواصل يفيد بشدّة في الانتقاء الطّبيعي. فالأشخاص الأكثر ذكاء في تفسير سلوك الآخرين والتّنبّؤ به هم مَن أصبحوا الأكثر نجاحاً بين مجموعاتهم في القدرة على التّكيّف واستمرار العيش”. هذا ما أشار إليه Robin Dunbar، عالم الأنثروبولوجيا البريطاني المتخصّص بسلوك الكائنات الأوّليّة، في كتابه Grooming, Gossip and the Evolution of Language.
شرح Dunbar مراحل تطوّر طرق التّواصل بالتّزامن مع تطوّر الإنسان؛ بدءاً من الاستمالة واستخدام الأصوات والرّموز -وهي أدوات تحتاج لزمن طويل كي تتم- وصولاً إلى “اللّغة”، والّتي وجدها الأسهل والأسرع. مرجّحاً سبب التّطوّر لما يتناقله النّاس حول بعضهم من قصص وأخبار.
“الثّرثرة” مهارة تشكّل إحدى القِوى المجتمعيّة الّتي تجمعنا كبشر، وتساعد في الحفاظ على النّظام الاجتماعي وتسهّل عمليّة التّواصل فيه. فهي بالتّالي ليست عيباً بالشّخصيّة. إذ نرى أولئك الّذين لا يتقنونها يعانون من نقص بالعلاقات يأخذهم للعزلة والوحدة، وتركيزنا على أخبار مَن حولنا يعكس اهتماماً فطريّاً بحياة الآخرين. فالفضوليّة سلوك ورثناه من أسلافنا وهو جزء جوهريّ من الكينونة البشريّة.
تشكّل الثّرثرة 65% من تواصلنا الاجتماعي الّذي يدور حول موضوعات تكشف بمعظمها إمّا عن الذّات (أي التّبادلات المتعلّقة بالأطراف المتحدّثة) أو مناقشات متعلّقة بأطراف ثالثة غائبة. حيث تساعد المعلومات الّتي يتمّ الحديث عنها أو الحصول عليها، في التّعلّم غير المباشر؛ ممّا يؤثّر على السّلوك المستقبلي وتكوين الانطباعات العامّة. وبالوقت نفسه يبدأ المتحدّثون في التّأثير على بعضهم وتكوين أفكار أكثر تشابهاً تساهم ببناء روابط اجتماعيّة قويّة، ممّا يساعد في توثيق التّعاون بينهم وتعزيزه دون الحاجة الى آليّات عقاب رسميّة.
إنّ مثل هذه التّفاعلات تخدم وظائف مهمّة كتبادل المعلومات والتّرفيه والتّنفيس.
وعلى الرّغم من انتشاره في كلّ مكان وتمييزه عن أشكال الاتّصال الأكثر عمومية -كتبادل الحقائق أو التّعليمات أوالتّبادلات غير الشّخصّيّة- فإنّ فهمنا العلمي لهذا السّلوك لا يزال محدوداً.
النّميمة بظاهرها الشّعبي؛ أحد أشكال الثّرثرة المرتبط بالتّعليقات التّقييميّة السّلبيّة حول الأفراد الغائبين، فهي بالتّالي من المحرّمات. لكنّ مفهومها العام يمتدّ ليشمل “القيل والقال” والشّائعات والدّردشة إلخ…
ويمكن للتّعليق التّقييمي أن يفيد أعضاء المجموعة بنبذ الأفراد سيّئي السّمعة وبالتّالي تحسين النّتائج لجميع أفراد المجموعة المتبقيّة والحفاظ على سمعة طيّبة.
باستخدام نموذج تجريبي تضمّن تفاعلات حقيقيّة لمجموعات كبيرة من المشاركين، تبيّن بأنّ الثّرثرة، تعتبر بنية قويّة وغنيّة متعدّدة الأوجه تلعب دوراً مهمّاً في الحصول على معلومات دون سعيٍ. فحين يكشف الأفراد عن أنفسهم أو عن معلومات تخصّ الغير أو حتّى معلومات ثقافيّة عامّة، يكون هناك فرصة لمكافأة التّواصل الاجتماعي من خلال التّعرّف على الأعراف والمعتقدات والقِيَم الثّقافيّة للآخر المُختلف.
للثّرثرة جوانب متعدّدة منها:
– السّماح للأفراد باكتساب فهم للعالم وتعديل سلوكهم بشكل مناسب حتّى دون وجود خبرة سابقة.
– أحد أشكال الاستمالة الاجتماعيّة الشّبيهه بالاستمالة الجسديّة. فهي عمليّة يبني بواسطتها الأشخاص الثّقة والرّوابط الاجتماعيّة.
– وسيلة لتنظيم وفهم مشاعر الآخرين وتوضيح السّلوك المعياري للقبول أو الرّفض.
– تقييمات الأخرين هي من أشكال التّواصل الضّمني حيث تمثّل المشاركة بموضوع المناقشة في الواقع قبولاً ضمنيّاً لما يقال.
– بالإضافة لكونها أداة لتحديد السّمعة، فهي تكشف أيضاً عن الظّروف الاجتماعيّة الّتي تدفع الافراد للانخراط بها بشكل تلقائي.
تكثر الشّائعات والثّرثرة عادة في حالة غموض أو حجب المعلومات المتعلّقة بمواقف اجتماعيّة معيّنة، والّذي ينتج عنه انعدام قدرة الأفراد على مراقبة ما يجري بالخفاء. وقد تُظهر نتائجُها رأياً إمّا متّفقاً أو معارضاً أو محايداً من شأنه تقليص مشاعر عدم اليقين المرتبط بعدم المعرفة.
قد نتّفق على أنَّ تلك الأمور كانت مفيدة ومقبولة لدى أسلافنا وفي عصر انعدام التّكنولوجيا ووسائل التّواصل الاجتماعي. فهل يبقى الأمر كذلك في زمن أصبحت فيه سرعة انتشار الخبر والمعلومة كسرعة انتشار النّار في الهشيم ومن مئات المصادر الّتي يحمل كلٌّ منها تفسيراً ورؤية مختلفة؟ وبالوقت ذاته؛ هل يمكن لهذه التّكنولوجيا أن تلغي الثّرثرة من وجه لوجه وتحلّ مكانها؟
في نهاية الأمر ، وبعد توضيح الجوانب الإيجابيّة للثّرثرة، هل كان لذلك تأثير على القارىء بتحويل مفهومه السّلبي عن الموضوع؟ أم بقي في نظرهم سلوكاً مقيتاً يسيىء في بعضه ويؤذي الآخرين ومفهوماً شعبويّاً للتّسلية وتمضية الوقت على حسابهم؟