كي لا يضيّع اللُبنانيون فرصة زيارة عون الى الجزائر

حيدر حيدورة
بصمت و بدون صخب إعلامي وداخل المكاتب المغلقة في بيروت وكما يفضل الجزائريون وتحت إشراف السفيرين اللبناني في الجزائر الدكتور محمد حسن وفي بيروت كمال بوشامة استكملت التحضيرات العملية والإدارية ورتبت الملفات لزيارة رسمية يقوم بها الرئيس جوزيف عون إلى الجزائر نهاية الشهر الحالي والتي يمكن اعتبارها تاريخية، ذلك انها اولا تكسر معهود عدم الاهتمام اللبناني عادة بمنطقة المغرب العربي كافة، وثانيًّا تفتح آفاقًا واسعة للتعاون ستظهر نتائجها تباعًا وتُظهر اهمية وقوف الجزائر الى جانب لُبنان. وهو ما اكده ضمنيًّا السفير الجزائري في بيروت كمال بوشامة بعد اللقاء الأخير مع الرئيس جوزيف عون حيث تمت استعارض كافة الملفات التي ستناقش بين الرئيسين و الوفدين خلال الزيارة.
تاريخيا و رغم الاحترام و المحبة الكبيرين اللذين يشعر بهما أيّ لبناني يزور أو يقيم في الجزائر، اكان ذلك من الشعب الجزائري أو من مسؤوليه، فإنه لا يمكن فهم الموقف الرسمي اللبناني الذي لا يسعى إلى تطوير هذه العلاقة بما يمكّن لبنان من الاستفادة من النوايا الجزائرية رغم ما ينقله السفراء اللبنانيون الذين خدموا في الجزائر و أخرهم الدكتور محمد حسن الذي عمل جاهدا في السنوات الأخيرة من أجل تحقيق نقلة نوعية لهذه العلاقة. لكن هذه المبادرات لم تلق اهتماما و متابعة على الصعيد الرسمي اللبناني. و الحقيقة فان الأوضاع السياسية في البلدين من حراك داخلي جزائري و تغيير على مستوى راس السلطة إضافة إلى فراغ سياسي في لبنان و ايضاً ظروف العالم اجمع مع وباء الكوفيد في السنوات الأخيرة، كلها عوامل اثرت سلبا على تطوير هذه العلاقة و اعادة نضعها على السكة المطلوبة.
للتذكير فان الجزائر كانت دائما حاضرة و سبّاقة في مساعدة لبنان، فالمساعدات الجزائرية بعد انفجار المرفأ كانت ألأولى التي وصلت الى بيروت من مواد بناء و زجاج و معدات أخرى و لكن الجزائر لا تعرف الصخب و الضجيج الإعلامي حيال ما تقوم به ، ولذلك فالقليل من اللبنانيين يتذكرون ذلك و يجب إلا ننسى الدور الذي كان يلعبه السفير المخضرم محمد يزيد مع بداية الحرب الاهلية في لبنان من اجل وقف الحرب بينّ اللبنانيين. و بقيت الجزائر على مسافة واحدة من الفرقاء اللبنانيين و لم تتدخل بشكل مباشر في الخلافات اللبنانية اللبنانية رغم مساندتها دائما للحركة الوطنية في تلك الفترة و العلاقة المميزة التي كانت تجمع الزعيم الكبير كمال جنبلاط مع الرئيس الراحل هواري بومدين و الذي أعلن مع بداية الحرب الاهلية في لبنان عن دعوة الطلاب اللبنانيين إلى الدراسة في المدارس و الجامعات و المعاهد الجزائرية بدون أي شروط. و هذا ما سمح للمئات من الطلاب اللبنانيين بالدراسة في الجامعات الجزائرية و تواصلت هذه الدعوة عبر تقديم منح دراسية لاحزاب اليسار اللبناني و حركة أمل و هذا ما ساهم من بعد في تشكيل رابطة للخريجين اللبنانيين من الجامعات و المعاهد الجزائرية و هي الوحيدة على مستوى العالم و التي تحافظ حتى الآن على علاقات علمية مع الجامعات الجزائرية و هي تساهم في تعزيز روابط الصداقة بين الشعبين.
ماذا في الزيارة
حسب المعلومات المتداولة عن فحوى الزيارة فإن الرئيس جوزيف عون سيشكر الجزائر و الرئيس عبد المجيد تبون على الموقف الداعم الدائم للبنان في مقاومته للاحتلال الاسرائيلي للدفاع عن سيادته في كافة المحافل الدولية و خاصة عبر ممثل الجزائر في مجلس الأمن الذي كان خير نصير للقضيتين الفلسطينية و اللبنانية في هذا المحفل الدولي و الذي يدعو بشكل دائم إلى وقف العدوان الاسرائيلي على الأراضي اللبنانية و انسحاب قواته من الأراضي المحتلة و الداعي إلى دعم لبنان من اجل اعادة الإعمار و هذا ما سيعلنه صراحة الرئيس عبد المجيد تبون خلال الزيارة، من خلال مجموعة من الهبات المقدمة للبنان في مجالات النفط والغاز و مواد البناء، و ايضاً زيادة عدد المنح الجامعية للطلاب اللبنانيين للدراسة في الجامعات الجزائرية و التي استؤنفت هذا العام بعد انقطاع لأكثر من 20 سنة.
و يدرس الآن حوالي عشرين طالبا لبنانيا في العديد من الجامعات الجزائرية في اختصاصات الطب و الهندسة و ايضاً يتم الحديث عن مساعدات عسكرية للجيش اللبناني في مجالات العتاد و التدريب إضافة إلى اتفاق في المجال الإعلامي بين التلفزيون و الإذاعة اللبنانيتين و الموسسة العمومية للتلفزيون الجزائري و الإذاعة الجزائرية الذي يمكن ان يساهما في تكوين بعض التقنيين اللبنانيين اضافة إلى تقديم معدات تقنية في هذا المجال.
و ايضاً يتمّ الحديث عن مساهمة الجزائر في متابعة ملف اعادة الإعمار للقرى المتضررة من العدوان الاسرائيلي و الذي يمكن ان يكون للجزائر دورا هاما فيها شرط ان يتابع الطرف اللبناني بشكل جدي هذه النوايا لأنه يمكن ان أؤكد و عن معرفة شخصية بان الكرة ستكون بالطرف اللبناني من اجل متابعة هذه الوعود المقدمة لأنه بعد انتهاء الحرب الاهلية في لبنان و الذي كان للجزائر دورٌ اساسيٌ فيها من خلال مبعوثها الأخضر إبراهيمي الذي لعب دوراً هاماً لتوصل الأطراف اللبنانية لاتفاق الطائف.
مساعدات جزائرية ضيّعها اللبنانيون
و في اول اجتماع لوزراء الشباب و الرياضة العرب في القاهرة وعدت الجزائر بتقديم هبة تتضمن بناء ثلاث قاعات رياضية مقفلة عبر شركاتها العمومية و قد طلب مني شخصيا الوزير الجزائري و بصفتي مدير مكتب و ممثل الحزب الشيوعي اللبناني في الجزائر انذاك و كان لنا علاقات مميزة مع السلطة الجزائرية و مؤسساتها المدنية و العسكرية و طلب مني التواصل مع المعنيين في لبنان من اجل الإسراع في قبول الهبة و بداية عملية الإنجاز و قد قمت برفقة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني انذاك جورج حاوي بمقابلة الوزير مخايل الظاهر الذي كان وزيرا للتربية و الشباب و الرياضة و كان حاضرا في اجتماع القاهرة و طلبنا منهما الإسراع في مناقشة و بث الموضوع على طاولة مجلس الوزراء و قبول الهبة الجزائرية حسب الأصول الدستورية لبدء عملية الإنجاز و لكن للأسف لم يتفق الوزراء على تحديد أماكن القاعات و بقي المشروع حتى الأن داخل ادراج وزارة التربية و هذا ما لا يجب ان يتكرر و يجب علينا قبول الهبة الجزائرية في مختلف المجالات لأننا بحاجة ماسة إليها دون الالتفات إلى المصالح الشخصية.
كذبة الفيول المغشوش
و هذا ما حصل ايضاً في موضوع الفيول المغشوش و الذي قامت العديد من الأصوات النيابية المشبوهة بالهجوم على الجزائر و شركاتها و اتهامها بالفساد و تناسي ان الأمر يتعلق بفاسدين في البلدين في تلك الفترة لان الاتفاق بدأ النقاش فيه في عهد الوزير المرحوم محمد عبد الحميد بيضون و النقاش كان بين الوزارة اللبنانية و شركة سونطراك الجزائرية و وزارة الطاقة و المناجم التي كان يرأسها شكيب خليل و عند توقيع الاتفاق بين الوزارتين في فترة لاحقة تم إنشاء شركة خاصة تسمى سونطراك و مقرها الجزر العذراء و مديرها فريد بجاوي ابن أخ وزير الخارجية الجزائرية انذاك و صديق شكيب خليل و ايضاً بالاتفاق مع الأطراف اللبنانية من شركات نفط و اخرين كان يتم شحن الفيول الجزائري المطابق للمواصفات المطلوبة من الموانئ الجزائرية و يتم تبديله بمادة أخرى غير مطابقة و اقل جودة في عرض البحر و تسلم البضاعة غير المطابقة للمصانع اللبنانية و يباع الآخر بسعر أغلى لشركات أخرى و كانت جميع الأطراف في البلدين تستفيد من هذا الغش الموصوف لسنوات إلى ان تم فضح العملية و للعلم فان فريد بجاوي حصل على الجنسية اللبنانية في عهد الرئيس السابق ميشال عون. و للعلم فان شركة الكهرباء اللبنانية رفعت قضية في المحاكم اللبنانية ضد شركة سونطراك مطالبة بعطل و ضرر و بعد جلسات عديدة تم مؤخراً غلق الملف .
للتذكير فقط فان نفس الأصوات النيابية التي هاجمت سونطراك و الجزائر سابقاً عادت عندما وعد الرئيس تبون بتقديم هبة نفطية خلال أزمة معامل الكهرباء في الصيف الماضي والتي هددت بالإقفال التام عادت هذه الأصوات لتقول ان الفيول الجزائري غير مطابق للمواصفات و لايصلح للمولدات الموجودة في لبنان علما ان الجزائريين قالوا إن هذه مواصفات الفيول الجزائري و انتم احرار بالتصرف بالهبة الجزائرية و استبدالها بمادة أخرى من أي مكان في العالم.
لذلك وقبل أيام قليلة على الزيارة الموعودة للرئيس جوزيف عون الى الجزائر يجب التأكيد ان المسؤولين الجزائريين جادون و صادقون في مساعدة الشعب اللبناني و الجزائر تحظى باحترام كلّ الأطراف اللبنانية و هي لم تتدخل بشكل مباشر مع طرف ضد آخر و لم تقطع صلة الوصل مع أي حزب أو حركة لبنانية بما فيها كافة أحزاب اليمين اللبناني و حتى عندما ساعدت احزاب الحركة الوطنية بالسلاح تم ذلك من اجل مواصلة معركة تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي و لم يستعمل السلاح الجزائري في الساحة الداخلية إلا مرة واحدة عندما بدأت معركة المخيمات بين حركة أمل و التنظيمات الفلسطينية و هذا ما ازعج الجزائريين و التقى العقيد في المخابرات الجزائرية المكلف بالملف اللبناني الحاج محمد الطاهر مع مسؤولي حركة أمل و اكد لهم ان السلاح الجزائري لا يجب ان يستعمل لا ضد اللبنانيين و لا ضد الفلسطينيين و نحن ساعدناكم من أجل مقاتلة اسرائيل و تحرير الأرض.
غابت الجزائر عن الساحتين العربية و الدولية مع بداية العشرية السوداء فيها و الحرب التي واجهتها ضد التنظيمات الإسلامية المسلحة و التي أدت لمقتل مئات الآلاف من الجزائريين طوال العقد الأخير من القرن الماضي حتى انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على رأس السلطة و بدأ مشروع المصالحة و هدأت الأمور و تم الاتفاق مع العديد من التنظيمات التي كانت تحارب السلطة و بدأت الأمور بالتحسن و الانفتاح على الخارج و هذا ما سمح لآلاف اللبنانيين من اللجوء إلى الجزائر كما العديد من الجنسيات الأخرى المصرية و التركية و السورية و عمل اللبنانيون في المجالات النفطية و الطاقوية و الخدمات و العقارات و الاتصالات.
في جميع هذه المجالات ترك المستثمرون اللبنانيون بصماتهم الإيجابية و الجميع هنا يعترف لهم بذلك و للتذكير فقط ، فإن مديري اهم شركتي اتصالات هاتفية كانا مهندسين لبنانيين الأول حسان قباني مدير شركة جيزي التابعة لمجموعة أوراسكوم المصرية و جوزيف الجد مدير شركة أوريدو التابعة للاستثمارات القطرية و نُقلا مع مجموعة من المساعدين اللبنانيين خبرتهم الى الكوادر الجزائرية و التي تتوزع الآن في مختلف الدول الأفريقية.
حسب رأيي المتواضع و المتابع للوضعين اللبناني و الجزائري يجب على الحكومة اللبنانية حتى تستفيد من العلاقة مع الجزائر ان تأخذ بعين الإعتبار مجموعة من الملاحظات مثلا أسابيع قليلة بعد انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جرت تشكيلات دبلوماسية في لبنان تم على إثرها تغيير السفير اللبناني في الجزائر عيد المجيد قصير رغم انه كان صديقا شخصيا لبوتفليقة و كان يمكن لهذه العلاقة ان يستفيد منها لبنان بشكل عام و ايضاً في الأسابيع الأخيرة جرت تشكيلات دبلوماسية انهاء مهمة السفير الحالي محمد حسن رغم انه عمل لسنوات عديدة من اجل تطوير العلاقة بين البلدين و كان يمكن ان يكون له دور فاعل في المرحلة المقبلة نتيجة لعلاقاته الجيدة مع المسؤولين الجزائريين و لكن أملنا انه تم تعيين سفير جديد صديق للجزائر و يمكن أن يستكمل هذا الدور .
تبون وعون راغبان بتعميق التعاون
العلاقات الجزائرية اللبنانية عريقة منذ أيام ثورة التحرير الجزائرية و المظاهرات الشعبية في شوارع بيروت المؤيدة لاستقلال الجزائر و هي تتميز بغياب الصخب و الضجيج الإعلامي و الجزائر اكبر دولة عربية من حيث المساحة و يسكنها 45مليون شخص ما يشكل سوقا واسعا و يساعد على الاستثمار في العديد من المجالات و ستكون هذه الزيارة الموعودة للرئيس عون فرصة لتحسين العلاقات بالنظر إلى رغبة الطرفين و خاصة الرئيسين عبد المجيد تبون و جوزيف عون في إعادة تفعيل الآليات المشتركة و تعزيز دور مجلس الأعمال الجزائري و اللبناني من اجل دراسة جدية لفرص الاستثمار الخاص أو المشترك في مجالات عدة صناعية و تحويلات غذائية و زراعية و أيضا يمكن لرجال الأعمال اللبنانيين العاملين في العديد من الدول الأفريقية التفاوض مع رجال الأعمال الجزائريين من اجل الاستثمار المشترك نظرا للخبرة اللبنانية في تلك الدول و أيضا السياسة الرسمية الجزائرية الحالية تدعم بشكل كبير الاستثمار في أفريقيا التي تملك أسواقاً واسعة للبضائع الجزائرية و اللبنانية.