افتتاحية

مذكرات مثيرة لمستشار شيراك حول الجزائر والعراق وسوريا

مذكرات مثيرة لمستشار شيراك حول الجزائر والعراق وسوريا

موريس غوردو مونتنياو يكشف:

هذا ما قاله الأسد في آخر لقاء لي معه قبل اجتياح العراق 

إدارة بوش احتقرت فرنسا  قبل وبعد احتلال العراق

 علينا مواكبة الثورة المقبلة في الجزائر وقد يعود اليها الاسلاميون

شرعية الصحراء هي للعرش المغربي 

سامي كليب

نسيّ الدبلوماسي الفرنسي العريق موريس غوردو مونتانيو كلَّ دبلوماسيّته، وقرّر أن يفتح الملفات دفعة واحدة، فبدا في كتابه الجديد الحامل عنوانًا غريبًا: Les autres ne pensent pas comme nous  ( الآخرون لا يفكّرون مثلّنا)، وكأنّه بصدد تصفية حساباتٍ مع عددٍ من القيادات والدول، حولّ قضايا كان الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك قد كلّفه بها حين تولّى أرفع منصب بين مستشاريه.

في الكتاب معلومات تؤكد أنَّ أميركا قرَّرت منذ العام 2002 اجتياح العراق واسقاط الرئيس صدام حسين بالقوة، وأنَّ واشنطن تعاملت باستعلاءٍ واحتقار مع فرنسا، وفيه أيضا بعضُ تفاصيل اللقاء الشهير مع الرئيس السوري بشار الأسد بُعيد احتلال العراق، وفيه حديث عن الجزائر حيث يتوقّع انفجار ثورةٍ شبابيّة جديدة، لا بل وعودة الاسلاميّين، مُقترحًا على فرنسا أن تواكب ذلك، ومُضفيًا شرعية مغربية على الصحراء، تمامًا كما فعل قبله شيراك.   

 ومختصر ما يقوله المستشار الفرنسي السابق عن الجزائر هو التالي:

 

(
  • إن جمود الجزائر فيما يتعلق بالصحراء الغربيّة لن يستمرّ حتمًا على المدى الطويل. لا يمكن لأحد أن يتجاهل أصلُ شرعية المملكة الشريفية، التي تكمن في ولاء المقاطعات للملك. وقد أكَّدت المسيرة الخضراء بقيادة الملك الحسن الثاني، أنّ شرعية مطالبة المغرب بالأراضي المعنية أمرٌ لا يمكن إنكاره، وأنَّ الصحراء كانت شريفية الانتماء قبل الاستعمار الإسباني. ثم انَّ الرئيس شيراك الذي كان قريبًا جدًّا من المغرب والذي كان مُتمسّكا بعلاقة وثيقة مع الجزائر، كان صلبًا في موقفه هذا (المؤيد لمغربية الصحراء)، وذلك لاعتباره أنّ الأمرَ مصيريّ بالنسبة للتوازن الداخليّ للنظام المغربيّ واستقراره، وكذلك بالنسبة للمنطقة، وقد طلب مني شيراك المشاركة جنبًا إلى جنب مع المغاربة في المشروع الذي يقوده الوزير الطيب الفاسي – الفهري، لصالح حكم ذاتيّ واسع للصحراء الغربية، مع احترام سيادة العرش، انطلاقًا من أنّ الحكم الذاتيَّ يمكن أن يلبيَّ تطلعات الشعوب الأصلية. والوضع ما زال حتّى اليوم على حاله.
  • هل أنّ الاتفاق الثلاثي الذي تمّ توقيعه في العام 2019 بين إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب، والذي تُرجم بإقامة علاقات دبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، واعتراف الأمريكيين بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، سوف يطوّر موقف الجزائر ويفتح بالتالي حقّبةً جديدة بين البلدين؟ من السابق لأوانه معرفةُ ذلك، لكنَّ التطوّر السياسي الملحوظ للجزائر، والمبادرات الأخيرة والاستفزازيّة التي قام بها المغرب حيال الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، لا يدعون إلى التفاؤل.
  • إنّ مأساة الجزائر تتمثل في أنَّ البلاد مجمّدة في قالبٍ منذ بدايات الاستقلال، من قبل سُلطة ما زال كوادرُها السابقون في موقع السلطة اليوم، ويبدو أنّ إمكانيات هذا البلاد، وخصوصًا فرص شبابه مكبوحةٌ تمامًا. ففي بلدٍ يُشكّل الشباب نسبةً كبيرة من شبعه، ويطمحون إلى العيش بحريّة، أي أن يتنقّلوا، ويعملوا، ويُظهّروا فرص التنمية المتعددة في الجزائر، يُصبح هكذا تناقض قابلاً للتفجير واشعال الشارع.
  • إنّ سلسلة التظاهرات التّي سُميت ب ” الحراك”، والتي حلّلها بدقّة Xavier Direncourt والذي كان مُمثّلنا مرّتين في الجزائر، وهو مراقب دقيق لحقائق هذا البلد، ووضع كتابًا بعنوان ” l’Enigme algérien ” (الأحجية الجزائريّة)، لم تكن مجرّد حركة احتاجٍ تقليديّة، فهي عبّرت عن استياء ويأس جيلٍ يشعر بأنَّه محرومٌ من مستقبلة بسبب طبقة قياديّة لا تقدّم له أيَّ مشروع وطنيّ جدير بهذا الاسم.
  • هل الركود الحاليّ، يُمكن ان يصبح أرضًا خصبة للإسلام الراديكالي، كما كان حالُ بعضِ الدول العربيّة وحتّى الجزائر في تسعينيات القرن الماضي؟ لا أحد يستطيع استبعادَ ذلك، طالما أن المشرفين على الإسلام السياسي يعرفون كيف ينظّمون شبكاتهم التضامنيّة، والمساعدات الاجتماعيّة، والتي، على الأقل عند انطلاق الوسائل الفعّالة لانفجارهم، وُلدت من التناوب الصعب بين الأجيال.
  • ماذا تستطيع فرنسا أن تفعله؟ أن تكون أولاً جاهزة لمواكبة الجزائر في عملية الانتقال تلك، شرط ان تكون هذه المساعدة مقبولة علانيّة من قبل الجزائريين أنفسهم. وعلينا بالتالي أن نقفز فوق شعار دبلوماسيتنا المتعلّق بالجزائر والقائل ” لا تدخّل ولا تجاهل”. علينا ان ندير ظهرنا للتجاهل، لانَّ تطور التوازنات الجزائريّة سينعكس مباشرة على توازناتنا. وعلينا ان نتعلم قول ما ينبغي أن نقوله، دون خوف من جدل محتمل أو حتميّ من الجهة الأخرى للمتوسّط.
  • لا يستطيع الجزائريون أن يرفضوا حقّنا بالتعبير عن رأينا حول مواضيع تهمّهم، بينما هم لا يخجلون في فعل ذلك حيالنا. ثم علينا ان نواصل استخدام القنوات المؤسساتيّة للعلاقات الفرنسيّة الجزائريّة لرفع مستوى التعاون في مختلف المجالات، وذلك بدلاً من القبول في معظم الأحيان بمماطلة اللجان المشتركة التي تؤجل الملفات إلى أجل آخر بالرغم من سمتها الطارئة.
  • ان عددًا من العقبات يعيق (اتحاد) المغرب، والجزائر مسؤولة عن ذلك على نحو واسع، فمشروع اتحاد المغرب العربي طيّ النسيان منذ فترة طويلة، فخّخته صراعات المسؤولين وأيضًا عدم القدرة على تخطّي مسالة السيادة على الصحراء الغربيّة. والنتيجة أن الحدود بين المغرب والجزائر مقفلة منذ العام 1994

أمّا في كشفه عن كيفيّة تحقير واذلال الأميركيين لفرنسا وله شخصيًّا قبل حرب العراق، فيقول مثلاً:

  • منذ مطلع صيف العام 2002 كان واضحًا انَّ الأميركيّين قرّروا الذهاب الى الحرب.
  • الرئيس شيراك رفض الحرب انطلاقًا من نظرة شاملة لتوازن المنطقة والعالم، فهو قال لجورج دبليو بوش:” إنَّ الحرب سوف تزعزع استقرار المنطقة، وسيكون من نتائجها تسليمُ بغداد للشيعة المقرّبين من ايران، وستقوّي يدَ ايران في سوريا ولبنان مع حزب الله، وهذه الحرب لن تكون شرعيّةً، وسوف تزرع الشقاقَ في الاسرة الدولية، وتُفقدُ الغربَ شرفَه، وهي ستُحدث فوضى تؤدي الى موجات من الإرهاب من الصعب السيطرة عليها”.
  • قال شيراك لبوش إن فرنسا تقبل باستخدام القوة اذا عطّل العراق عمل مراقبي وكالة الطاقة الدوليّة، وحين طلبت الأمم المتحدة من العراق تقديم وثائق حول عدم امتلاك أسلحة دمار شامل، قدّمت القيادة العراقية بالفعل وثيقة باثني عشر الف صفحة، لكن مستشارة الامن القومي عند بوش السيدة غوندوليسا رايس اكتفت بالقول ساخرة: انّ هذه الوثائق مجرّدُ مزحة.
  • وكما انّ غوندوليسا رايس لم تكن تسمع التبريرات الفرنسية وتكتفي بطرح السؤال : هل ستكونون معنا في الحرب أم لا، وتؤكّد انَّ هدف اطاحة صدام حسين اهمُّ من أسلحة الدمار الشامل، فانَّ قمّة الغرور والاحتقار جاءت على لسان بول ولفوفيتز أحد أهم منظّري إدارة بوش والمحافظين الجدد والذي كان نائبًا لوزير الدفاع، ففي أول اجتماع مع مستشار شيراك، تركه ينتظر طويلا قبل استقباله، ثم راح يحكي ويتصرف بغرور يقارب التهديد حين قال لموريس غوردو مونتانيو : نحن نعرف ما تعرفون”  في إتهام واضح لفرنسا بانّها تعرف ان صدام حسين يملك أسلحة الدمار الشامل…( وهو ما ثبُت كذبه لاحقا باعترافات الاميركيّين والبريطانيّين)
  • يقول موريس غوردو مونتانيو “إنَّ بول ولفوفيتس كان يُعبّر بلهجته ولغة جسده وبإصبعه الذي يوجّهه صوبي عن قلة احترامه لفرنسا ومسؤوليها الجبناء بنظره والانهزاميين، ولم يسمع شيئا مما قلته له.”

اللقاء مع بشّار الأسد

في الكتاب يمرّ مونتانيو على سوريا، ويروي بعضًا من آخر لقاء جمعه بالرئيس السوري بشّار الأسد بعيد اجتياح أميركا وبريطانيا للعراق، وفي اعقاب اللقاء بين الأسد ووزير الخارجية الأميركية كولن بأول.

 يقول المستشار الفرنسي السابق :” اجلسني الأسد قبالتَه، لم يظهر على وجهه أي تعبير، ولم تكن نظراتُه قادرة على إظهار أي شعور، فكنتُ غيرَ قادر على تلمّس موقفِه من الذرائع التي قدّمناها. فانا شدّدت على ضرورة الحفاظ على سيادة سورية، وخلافًا لما قيل سابقًا، لم اطلب منه ان يتخلّى عن الجولان او ان يذهب إلى إسرائيل.  لكنّي سُرعان ما أدركت انَّه لا يسمعني وانَّ كلَّ ما كان يهمه هو اعتراف الاميركيين به.  لم اشعر ولا بايّ لحظة بأنه كان يُدرك حقيقة الزلزال الحاصل في العالم، وما كان يهمه فقط هي سوريا والحفاظ على أسس النظام. غادرتُه دون أي مغالاة بالتوقّعات..

هذا كلُّ ما يرويه الدبلوماسيّ الفرنسيّ عن اللقاء، بالرغم من أنّ محضرَ الجلسة كان طويلًا جدًا، وقد نشرتُه في كتابي عن سوريا كما ورد قسمٌ منه في كتب فرنسية، فالأسد آنذاك سمع في الواقع من مونتانيو أنَّ عليه الانصياع للعاصفة الأميركيّة كي لا تدخل الى سوريا…

وبعد ان يروي مونتانيو كيف مرّ على لبنان والتقى رئيس الحكومة الراحل الرئيس رفيق الحريري وانَّ ذلك ربما كان خطأ لأنَّه بعث برسالةٍ خائطة إلى الأسد، يصل في نهاية المطاف إلى الحرب السوريّة والسياسة الفرنسيّة منها ، فيُحمّل الرئيس السابق لوران فابيوس مسؤولية العجز حيال الأزمة السورية وخطأ تقدير القوّات المتواجدة على ارض سوريا… ويقول “ها هو بشار الأسد ما زال في مكانه، مستندا الى نظام بوليسي أسأنا تقدير قوته، وقلَّلنا من أهمية الدور الروسي بالرغم من وجوده هناك عسكريًّا وانسانيًّا منذ عشرات السنين”.

 موريس غوردو مونتانيو كان قد بدأ حياته دبلوماسيًّا في الهند، ثم سفيرًا في اليابان وبريطانيا وألمانيا والصين، ثم صار المستشار الأول للرئيس الدوغولي جاك شيراك وأشهر مبعوثيه إلى العالم. وهو الذي عمل مع الاميركيين بعد حرب العراق على صياغة القرار 1559 لإخراج الجيش السوري من لُبنان ونزع سلاح الميليشيات، ويُبدي في الكتاب خشيةً لافتة على مصير فرنسا من التفكك، ويطرح أسئلة كثيرة عمّا إذا كان المسلمون اليوم يعرفون فعلاً الفكر العميق لكبار مفكّريهم الذين تأثروا بأفلاطون وأرسطو، وإذا كان الفرنسيون يعرفون من هو ابن عربي او غيره، ويتساءل عمّا اذا كان ينبغي تعديل المبادئ التي تقوم عليها الجمهوريّة.

هو كتابٌ جديرٌ بالقراءة والنقاش وربما الردّ.    

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago