ثلاثة سيناروهات لتطوّر الحرب في اوكرانيا
ثلاثة سيناروهات لتطوّر الحرب في اوكرانيا
ميراي حدّاد-باريس
نشرت صحيفة الأحد الفرhنسية مقابلة مع متخصّصين في الشأنين الأوكراني والروسي، وضعوا ثلاثة سيناريوهات مُحتملة للحرب الأوكرانية وتطورها. وهنا مختصرها.
السيناريو 1: انتكاسة روسية ملحوظة
على الصعيد العسكري، ستشن القوات المسلحة في موسكو هجوما جديدا على كييف، كما حدث في شباط/فبراير 2022، وكذلك على حوض دون )الذي لا يزال جزء كبير منه تحت سيطرة الاوكرانيين( ومقاطعة خيرسون تحاول تحقيق نجاح باهر في أعين الشعب الروسي.
ولكن هذه الهجمات سوف تفشل لا محالة، ويفقد الرئيس الروسي كثيرا من الرجال وكثيرا من المقاطعات الاوكرانية الاربعة المرتبطة بصورة غير قانونية بالاتحاد الروسي منذ أيلول/سبتمبر 2022. وقد يجد أن هدفه الاستراتيجي الاولي (تغيير النظام في كييف) قد فشل. وسوف تستعيد أوكرانيا المعاقل الروسية في حوض الدون وتتحرك نحو شبه جزيرة القرم.
وقد تشكل هذه الهزيمة الروسية عدة عوامل. فعلى الصعيد المحلى, ستواجه تعبئة وتدريب جنود الاحتياط عدة عقبات: هروب جديد من الاشخاص الذين يمكن تعبئتهم من الاراضى الروسية، عدم قدرة القيادة الروسية على تدريب المجندين الجدد بشكل فعال؛ استنفاد قاعدة الدفاع الصناعى والتكنولوجى الروسية، زيادة أثر الجزاءات الغربية على ميزانية الاتحاد، وأزمة في الدوائر الحاكمة الروسية خاصة على مستوى وزارة الدفاع
وفي أوكرانيا، يخضع تحقيق هذا السيناريو لعدة شروط: مقاومة الرئاسة الأوكرانية لويلات الحرب وقدرتها على الفوز بالانتخابات البرلمانية في خريف عام 2023 واستمرار المساعدة العسكرية الأميركية والأوروبية على مستوى يتوافق مع الاستهلاك الحتمي لمواد الحرب في ساحة المعركة والقدرة على المحافظة على جبهات متعددة في الوقت نفسه. وقد أعرب رئيس هيئة الأركان الأوكرانية فاليري زالوجني عن عدد من الرغبات في كانون الأول/ديسمبر وبينها مثلا: 300 دبابة، و 600-700 مركبة قتالية للمشاة، و 500 مدافع هاوتزر للنصر.
وأخيرا، على المستوى الدولي، يفترض هذا السيناريو أن روسيا تخسر مكانتها القوية التي ضمنها لها في العام 2022 ارتفاع أسعار الطاقة. وهذا يتطلب من عملائها تطوير مصادر إمداد بديلة، وهي المصادر التي بدأوا بالفعل في القيام بها.
هذا السيناريو الإيجابي لأوكرانيا يعني فتح مفاوضات وقف إطلاق النار ثم السلام.
ولكن إذا كانت الهزيمة الروسية واسعة الانتشار، فإن أي اضطراب سياسي داخلي قد يشل القيادة الروسية ويخلق الفوضى في موسكو مما يحرم البلاد من القدرة على الدخول فعليا في مفاوضات. ولكي تنجح مثل هذه المفاوضات، فمن المناسب بالتالي أن تنظر روسيا إلى الحرب باعتبارها حربا ضائعة منذ أمد بعيد وأن تحافظ على سلسلة فعالة من القيادة. هناك قضيتان بالغتا الصعوبة يتعين على الحلف أن يتعامل معها، ألا وهما مصير شبه جزيرة القرم ومستقبل ترشيح أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي. وباختصار، فإن هذا السيناريو سيكون استقراء الهجمات المضادة الأوكرانية التي كانت ناجحة في الفترة من آب/أغسطس إلى تشرين الأول/أكتوبر 2022.
السيناريو 2: نجاح ملموس لروسيا
سوف يكون السيناريو العكسي عبارة عن سلسلة من النجاحات العسكرية التي قد تحقّقها روسيا بداية من أواخر الشتاء. على سبيل المثال، سوف تنجح روسيا في الاستيلاء على أغلب إقليم خيرسون، وتهدد كييف بشكل مباشر باختراق ضواحيها من بيلاروسيا، وسوف تستأنف التقدم الملحوظ نحو الجنوب الغربي باتجاه أوديسا. إن تحقيق هذا السيناريو سينتج عن عدة فرضيات، أبرزها الاستنفاد البشري والمادي للقوات المسلحة الاوكرانية.
وعلى الجانب الروسي فإن هذا يعني ضمنا نجاح العديد من التحركات غير الناجحة في الوقت الحالي. وسوف تقاوم سلاسل الإمداد الروسية صعوبات العرض على ثلاث جبهات رئيسية (الشمال فوق كييف، والشرق في دونباس والجنوب باتجاه خيرسون). وقد كان لدى الجيش الروسي بالفعل مراكز لوجستية على بعد أكثر من 80 كيلومترا من خط الجبهة، وهي مسافة أبعد من متناول جيش هيمسارس، مستفيدة من دروس الهجوم المضاد الأوكراني.
إن هذه النجاحات من شأنها أن تؤدي إلى انتصار واضح لروسيا في أوكرانيا: حيث سيتم تعزيز الضممات غير القانونية في الشرق، وتكون حكومة كييف (التي قد تصاب بالضعف وربما أطيح بها بسبب الهجوم الروسي) متجهة نحو مفاوضات السلام، وسوف تتخذ توجها أكثر صراحة نحو تأييد روسيا، وسيطلب غرب البلاد حكما ذاتيا قويا بدعم من بولندا. وهذا يعني أن الهدف الاستراتيجي الروسي سوف يتحقق: إنشاء منطقة عازلة مع حلف شمال الأطلسي.
وعلى الجانب الاوكرانى, فان هذا السيناريو الاسوأ يمكن أن يكتسب مصداقية اذا ما لوحظ حدوث عدة مؤشرات ومنها مثلا : تآكل وتمزّق القوات المسلحة، وعدم الحصول على مجنّدين جدد، والتراجع الشديد لعمليات تسليم الاسلحة على الصعيد الدولي، مما يخلق صعوبات في وضع الترتيبات المختلفة، هذا بالإضافة طبعًا إلى إضعاف رئاسة زيلينسكي في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية التي تجري في خريف عام 2023 تحت ضغوط من ” حزب السلام” أو على العكس من القوميين الذين يطالبون بقوة أكبر للبلاد؛ العجز عن الحفاظ على الدعم الغربي وزيادته، بسبب تعظيم القدرة الاستراتيجية الرامية إلى إلحاق الهزيمة الكاملة بروسيا، أو اكتشاف سوء تخصيص الأرصدة المالية، أو ببساطة بسبب ” الاجهاد” من ناحية الغرب.
على الصعيد الدولى، يفترض هذا السيناريو استمرار ارتفاع اسعار الطاقة الروسية واستمرار تصديرها أيضًا صادراته إلى آسيا، وتحديدًا إلى الصين والهند بالدرجة الأولى، وكذلك تعبئة الشبكات الدبلوماسية الروسية لإظهار أن البلد معزول فقط في الغرب، والحصول على دعم قوي من الصين في مواجهة النفوذ الأميركي. العمل على افقاد الحكومات الأكثر دعمًا لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي نفوذها، وخاصة في شمال أوروبا (الانتخابات التشريعية الفنلندية في فبراير/شباط) وبولندا (الانتخابات العامة في خريف عام 2023). والواقع أن مثل هذا السيناريو سوف يكون في صالح أزمة في تايوان أو الشرق الأوسط والتي من شأنها أن تستوعب انتباه الولايات المتحدة، المستقطبة بالفعل في سياستها الداخلية.
السيناريو 3: صراع يعطل
يمكن أن يتسم نوع ثالث من التطور لهذا الصراع في أوكرانيا وعليها بعجز الطرفين عن الانتصار على الآخر على مدى عدة سنوات.
وسيتجلى ذلك في استقرار “العنف والمميت” عند الخطوط الأمامية الرئيسية في المواقع الحالية، أما في المعارك المستمرّة التي تدور حول المواقع ذات الاهمية الثانوية، أو في نقاط الطرق الرئيسة، أو عند الأنهار والجسور، فقد تستسلم القوات المسلحة الروسية لإغراء استئناف الهجوم الشمالي باتجاه كييف بنجاح محدود وتركّز جهودها على توحيد أجزاء من منطقة دوباس التي تسيطر عليها أو تتحكم فيها.
ومن جانبها، قد تحاول أوكرانيا الدفع انطلاقًا من ولاية خيرسون الجنوبية لتهديد معقل القرم بحلول أغسطس/آب 2023. وهذا السيناريو لا يستبعد القتال المكثف، والتغيرات في مناطق السيطرة، والنجاح المحدود من الجانبين. ولكن التوازن الإجمالي للصراع لن يتغير، مع استمرار روسيا في السيطرة على 15% إلى 20% من أراضي أوكرانيا في مناطق رئيسية (شبه جزيرة القرم، ومنطقة دونباس، ومنطقة خاركيف)، فيما أوكرانيا تظهر قدرتها على المقاومة في الأمد البعيد.
قد تجتمع عدة عوامل لجعل هذا الموقف يحدث. ومن الممكن الوصول إلى الذروة في المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا بسبب حالة المخزون وطبيعة الأسلحة المرسلة إلى الجبهة. وقد تظل القدرات القتالية الأوكرانية أقل تأثيرًا مما كانت عليه في صيف العام الماضي.
وعلى الجانب الروسي، يمكن أن يحدث بعض الخلل بسبب القيود الهيكلية للأداة العسكرية التي ظهرت في عام 2022، ومنها: الجمود التكتيكي، وتمديد الجبهات، وسلاسل التوريد، وحدود الموارد البشرية وغيرها.
قد تؤدي العوامل الخارجية إلى التفكّك العسكري والدبلوماسي. فلا يستطيع أي من الطرفين أن يجعل سكانه وشبكة تحالفاته الخاصة يقبلون الدخول في مفاوضات على أساس توازن القوى العسكري الحالي. فبالنسبة لروسيا، لم يتحقق أي نجاح حاسم وكبير ودائم حتّى الآن. وبالنسبة لكييف، لا تزال سلامة الأراضي في حاجة إلى استعادتها. إن الدخول في المفاوضات يشكل اعترافا بالفشل في نظر فلاديمير بوتن، وهو ما من شأنه أن يعرضّه للخطر. وكذلك فإن فولوديمير زيلينسكيا قد يخسر في التفاوض، التأييد الواسع الذي يتمتع به اليوم داخل وخارج البلاد.
وفي هذا الخيار، سوف تصبح أوكرانيا في عام 2023 صراعا فضفاضا بعيد المدى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وهذا لن يمنع مزيدًا من عنف الاعمال العدائية، ولا سيما ضد المدنيين أو السجناء.