ثقافة ومنوعات

الطاقة الانثوية، هل سمعتمُ قبلاً بها؟

مفهوم الطاقة الأنثويّة. هل يرتبط  بتركيبها البيولوجي كأنثى أم بالأدوار والتّوقّعات الّتي كُلِّفت بالقيام بها كإمرأة عبر التّاريخ؟

روزيت الفار-عمّان

الطّاقة الأنثويّة. ماذا يقول الخيميائيّون؟

ارتبط مفهوم الطّاقة الخاصّة بالجنس البشري قديماً بمفهوم “القداسة”، والّذي يعني الالتزام وعدم المساس بالتّكوين الأصلي الإلهي لكلٍّ من الذّكر والأنثى؛ حيث كان يُعتقد بأنَّ لكلٍّ منهما مجموعة سِمات وطباع خاصّة به من حيث تكوينه البيولوجي والنّفسي لها ارتباط بتحديد طاقته ومن ثمَّ تحديد المهام المنوطة به. فللذّكر التّحدّي ورحلة الانطلاق للخارج وتحقيق الأحلام والأهداف والطّموح والإقدام وتقديم الدّعم لأسرته وتزويدها بما يلزمها وما إلى ذلك، فنراه يعمل دائماً ويجتهد لاستخراج إمكانيّات وطاقات أكبر من داخله أمام الآخرين من أبناء جنسه.

يتمتّع الرّجل ببُنية جسديّة قويّة وكتلة عضليّة كبيرة؛ يمنحانه القدرة على إنجاز المهمّات الّتي تحتاج للقوّة، وبتشكيل دماغي يسمح له بالتّركيز الّذي يساهم في حسم القرارات. فحقل طاقته إذا هو “الخارج”. وللأنثى إعطاء الحياة والعاطفة والاحتضان والحنان والدّفء والرّعاية والانسياب مع نغمة الحياة؛ وهي الأمور الّتي يرمز لها “البيت”، أي أنّ مبعث طاقتها هو “الدّاخل”. فالاختلاف بالطّاقتين إذاً اختلاف جوهري يمنع إمكانيّة محاكاة أحدهما للآخر أو تطبيقه عليه. غير أنّ هناك دائماً مستوى معيّن من سمات كل منهما لدى الآخر. فهناك جانب من الذّكورة لدى المرأة يقابلها سمات أنثوية موجودة عند الرّجل. فهما تطبيق لمفهوم الثّنائيّة Duality “الين واليانغ” –أي ذكر وأنثى، أسود وأبيض- ليسا أسوداً وأبيضاً بالتّمام كأيّ شيء آخر بالحياة، بل كيانين مستقلّين لكنّ أدوارهما متداخلة ومتكاملة. فلا يمكن لأحدهما أن يتواجد دون الآخر. فهما طاقتان متضادّتان وبالوقت ذاته يشكّلان سويّاً الأصل لحدوث الحياة. فالتّضاد أو التّعارض هنا ضروري لإحداث حياة متوازنة.

قُمِعت المرأة لقرون وعقود طويلة من قبل الرّجل. ومع التّطوّر الّذي طال جميع مناحي الحياة بما فيها النّظرة تجاهها وتجاه دورها في المجتمع، أصبح من حقِّها أن تخرج  وتتعلّم وتعمل وتطوّر نفسها وتتقدم، وبات لديها إمكانيّة منافسة الرّجل في معظم ما يقوم به من أعمال بما في ذلك التّقدّم والتّرشّح لمراكز القيادة وأخذ القرار، وأثبتت فعليّاً -وبالرّغم من النّتائج غير المُوازية للطّموحات والتّوقّعات- قدرتها على فعل ذلك بكلّ كفاءة وجدارة.

لكن، ماذا كان يا ترى خلف ذلك كلّه؟ أهو انتقام حقيقي لماضيها المقموع حوّلته المرأة لثورة وغضب تطالب فيه بحقّها المسلوب عبر القرون والعقود الطّويلة الماضية دعمته بحركات ومؤسّسات وتنظيمات نسويّة عالميّة تمكّنت من إنشائها في العقود الماضية الأخيرة بهدف تحقيق المساواة مع الرّجل؟ أم أتى نتيجة “كذبة” بيع ما يسمّى ب”حلم الطّاقة الذّكرية” للإناث؟ بمعنى أن بمقدور المرأة أن تتحدّى الرّجل وأن تحاكي طاقته، روّجت لها الميديا الاجتماعيّة وزرعت بعقل المرأة أفكاراً “تحريضيّة” وشعارات جعلتها تطالب بذلك وتحارب من أجله، وفي بعض الأحيان، بقوّة من خلال حركات نسويّة متطرّفة.

يجيب من يتبنّى تطبيق “الخيمياء” على التّساؤل الثّاني ب نعم. فحين تحاول المرأة ذات الطّاقة الأنثويّة اللّينة والعاطفة الدّافئة مساواة الرّجل في طبيعة طاقته ومحفّزاتها المختلفة عن طبيعة ومحفّزات طاقتها؛ فإنّها بذلك تقلّل من قدرها وقيمتها كامرأة، فمن غير المفروض أن تتساوى طاقتها مع الطّاقة الذّكورية بل عليها فهم الفرادة أو التّفرّد الخاص بها واحترام المكانة الّتي تقدّس هذه الفرادة. إذ لا يوجد طاقة أعلى أو أفضل من الأخرى؛ بل هناك ظروف وأمور تنتشي بها الطّاقة الأنثوية تختلف بجوهرها عن تلك الّتي تنتشي بها طاقة الرّجل.

إنَّ “الحميميّة” و”الاتّصال العميق” للمرأة مع داخلها ومع عائلتها وشريكها ومحيطها؛ هما ما تنتشي به الطّاقة الأنثويّة. فمثلاً، قد يؤدّي أحياناً الخروج لعملها الّذي تحاكي به الرّجل إلى إحداث تقصير في محفّزات طاقتها الأنثويّة؛ ما ينتهي بحدوث فراغ وجوع لهذه الحميميّة وفقدان لذاك الاتّصال العميق مع ذاتها ومع الآخرين.

فهل البديل مثلاً هو وجوب بقائها داخل منزلها وعدم الخروج للعمل والتّطوّر؟

حتماً “لا”. بل من حقّها التّطوّر والتّعلّم والخروج للعمل والاستقلال المادّي لإشباع الأنا الدّاخليّة والجوانب الذّكوريّة الّتي تمتلكها في داخلها، لكن بشكل يجعلها تعيش طاقتها الأنثوية من مكان “الاختيار” لا الفرض. وبذلك يسهل عليها أن تسخّر الجوانب الذّكوريّة الّتي بداخلها لخدمة أنوثتها. فالمرأة العاملة المتمكّنة القويّة تستطيع أن تستوعب وتتلقّى وتتواصل مع داخلها ومع بيتها وشريكها (مقوّمات الطّاقة الأنثويّة) بشكل أفضل.

وحين يفهم الرّجل ماهيّة الاختلاف بين طاقته وطاقة الشّريكة؛ وبأنّ هذا الاختلاف واقع وحقيقة؛ فستصبح مساندته للمرأة  ولعملها مساندة طوعيّة ويعرف أنَّ في ذلك إقراراً لرجولته وليس انتقاصاً منها.

بالنّهاية؛ على المرأة أن تعي بأنّ خروجها يجب ألاّ يكون نتيجة إلحاح الدّعاية الاجتماعيّة بضرورة مواجهة الرّجل ومنازعته وتحدّيه ومنافسته على مهامّه؛ بل لقناعتها بضرورة تمكين ذاتها، بمعنى أن يكون هدفها إيجابيّاً هو “التّمكين” وليس سلبيّاً وفقط من أجل المناكفة والتّحدّي.

وليعلم الطّرفان بأنّ أهميّة الاختلاف في مهامهما وطاقتيهما وُجِدت لإحداث التّكامل والتّوازن في جوٍّ من الانسجام والتّناغم، وليس للخلاف والتّقاتل والتّحدّي والعداء.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button