سامي كليب-الجزائر:
يشعرُ زائرُ الجزائر هذه الأيام، بحيويّةٍ دبلوماسيّةٍ وإعلاميّةٍ لافتةٍ، وذلك قبل نحو أسبوعَيْن من انعقاد قمّة جامعة الدول العربيّة الحاملةِ الرقم 31، لكن لا يوازي هذا الزَخَم الكبير، سوى انعدام الثّقة المُستمرّ منذ سنوات طويلة، حَيال ما يجري في كواليس القمم، وما يصدر عنها من قرارات. فهل يتغيّر الحال في الجزائر، أم سيُقال كما يقول الجزائريّون أنفسهم حين يتعقّد ايُّ أمرٍ:” الله غالب”؟
مشاهدُ لافتة
تُزيّن الأعلام العربيّة، المستديرات وتقاطعات الطرق في العاصمة، وتنتشر على طول الطريق الرابط بين المطار وقلبِ المدينة. وسرعان ما يُشاهد الزائر ويسمع عبر المؤسَّسات الإعلاميّة الكبيرة (وهي في معظمها قريبة من الدولة)، لغةً ترحيبيّة، وتفاؤلاً مقصوداً، ورغبةً صادقةً بتحقيق الشعار الذي رفعته الجزائر لهذه القمّة، وهو ” لم الشمل العربيّ”.
وكي لا يبقى الأمل محصورًا بالقول والكلام، فقد سَبَقَ هذا المشهدَ الاحتفاليّ، عددٌ من الأمور المُشجّعة، في مقدّمها اتفاق الفصائل الفلسطينيّة على ورقةِ عملٍ لتوحيد الموقف ومواجهةِ الاستحقاقات المُقبلة (عسى أن لا تنسفها الفصائل نفسها لاحقًا)، وإعلانُ الرئيس عبد المجيد تبّون بصراحته المعهودة وثقته الواضحة، أن العام 2023 سيكون للحلّ السياسيّ الليبيّ، ناهيك عن المساعي الحثيثة والدقيقة التي بذلها وزير الخارجية، وهو دبلوماسيٌ مُحنّك وذو خطاب جاذب، رمطان العمامرة، في معظم العواصم العربيّة لإخماد بؤر النار وتقريب ذات البَيْن داخلَ البيت العربيّ في سياق محاولات إنجاح القمّة وخروجها بقرارات مهمّة ومفيدة.
يُلاحظ في هذه المشهديّة أيضًا، توجّهًا رئاسيًا نحو توسيع دائرة الانفتاح الإعلاميّ والشروع في ورشة تحديث الإعلام، وهذا بات ضرورةً مُلحّةً لمواكبة التوسّع الكبير لدائرة الدبلوماسيّة الجزائريّة عربيًّا وافريقيًّا ودوليًّا، خصوصًا بعد أن استقرّت أوضاع الداخل وعاد ميزان المدفوعات والناتج الاقتصادي يُحقّقان فوائض تُناقض تماما عجز الأعوام السابقة.
فمن يزور المجمّع الضخم للإذاعات الجزائريّة الذي يتولّى إدارته العامّة حاليًّا الإعلاميّ المعروف والنشيط محمّد بغّالي القادِم من عالم الصحافة المكتوبة، يجد جيلاً جديدًا من الشباب، لا بل ويغلب على هذا الجيل الطابع النسائي. ويلمس بداية مناخاتِ انفتاحٍ لجهة النقاشات والمواضيع المطروحة وطريقة المُعالجة، والأمرّ نفسه في التلفزات والصحف بالرغم من استمرار نمطِ الرقابة المُسبقة.
كذلك الأمر في رئاسة الجمهوريّة، وفي ذاك المبنى العريق الذي مُنع وزيرُ الخارجيّة الأميركيّة الأسبق جيمس بيكر من الدخول إليه بسيّارته الخاصّة (وخضع آنذاك للمشيئة والكرامة الجزائريّتَيْن)، سيجدُ الزائرُ مديرًا للإعلام هو كمال سيدي سعيد من الشباب النشيط والحيويّ. وهو قادم من عالم الاقتصاد والاعمال. أو يجد ناطقًا رسميًا من الجيل الاعلاميّ الجزائريّ الشاب الصديق سمير عكّون الذي كان له باعُ طويلٌ نسبيًّا وسمعة مُحترمة في الوسط الإعلامي، يحدثانك عن ورشة التحديث الاعلاميّ والانفتاح الجديد بما يشي حتمًا بتغييراتٍ جوهرية لو نجحت.
القمّة الفُرصة
الواقع أن ثمة فرصة حقيقيّة أمام جامعة الدول العربيّة لاستعادة بعضِ ثقةٍ مفقودة. فبعد عقود من إتهام الرأي العام العربي لها (عن حقّ او ببعض المغالاة في مرّات أخرى) بأنها ضيّعت فلسطين، او شرّعت احتلالَ أو تفتيتَ دولٍ عربيّة، أو قصّرت عن حلّ القضايا السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة الكُبرى، وما واجهت البطالة ( 30 % من الشباب العربي) ولا الأميّة ( أكثر من 100 مليون عربي)، وأنّها خضعت لمشيئات الدول الكُبرى بدلاً من إحداث توازن في العلاقات الخارجيّة، يُمكن للخشبة الجزائريّة الآن، أن تكون وسيلةً لإنقاذ الغريق، وذلك للأسباب التالية:
هل الأمور كلها جيّدة اذاً؟
حتمًا لا، فإسرائيل تنظر بعين الريبة الدائمة لكلّ مسعى جزائريّ للمّ الشمل العربيّ أو لدعم فلسطين. ألم يقُل الخبير الإستراتيجي والعسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل لصحيفة هآرتس:” إن الجزائر هي أهمّ وأخطر دولة في الشمال الإفريقيّ، ومِن الخطأ الفادح استناد إسرائيل إلى البُعد الجغرافي الذي يفصلها عن الجزائر، ومن العبث تجاهل هذا البلد غير المُرَوَّض باعتبار أنّه ليس على خط المواجهة المباشرة، فالجزائريون هم من أشدّ الشعوب العربية كُرها لدولتنا، إنّها كراهيّة عجزنا عن إزالتها طيلة العقود الماضية “. لذلك ستسعى إسرائيل ولوبياتها لوضع العصيّ في أي مسعى جزائريّ، لكن الجزائريّين وعلى جريّ عادتهم يردّدون ما قاله لي مسؤولٌ رفيع: ” ومنذ متى نخشى الكيان الغاصب، أو نأخذ رايه بعين الاعتبار؟”.
ثم قد يأتي الطعنُ بخناجر عربيّة يضيرُها نجاح الجزائر وعودتها الى لعب دور محوريّ على الساحة العربيّة. وهذه الخناجر في بعض المرّات، تكون أكثر جَورًا من أي عدوٍ آخر.
وقد يأتي أيضًا، من دولٍ تنظرُ بعين القلق لاستعادة الجزائر دورَها في الساحل الإفريقيّ لأنها تعتبرُها مُنافسًا مؤثّرًا جدّا على الاقتصاد والدور والخيارات الكُبرى. ألم تنجح الجزائر مثلا في مالي ودول أخرى؟ أولم تمنع إسرائيل من الانضمام بصفة مُراقب إلى الاتحاد الافريقيّ؟ أولَم تنجح حتى الآن في مساعدة تونس وموريتانيا سياسيّا واقتصاديًّا لتشكيل تحالفٍ ضمنيّ يسير بعيدًا في مناهضة التطبيع؟
كل هذا صحيح، لكن الصحيح أكثر، هو أن الجزائر تُشكّل فرصةً نادرةً للقمّة العربيّة لاستعادة الثقة. فالأرض التي يجتمع عليها القادةُ العرب تتمتّع بثقة شعبيّة عربيّة واسعة، والِسياقان الإقليميّ والدوليّ مُناسبان تمامًا لرفع مستوى القرارات والعودة الى مصاف الكرامة قبل كلّ أمرٍ آخر. هل يتفّق العرب هذه المرة، أم يزيدون خزلانًا على الخزلان؟
تفترضُ الواقعيّةُ عدمَ انتظار قرارات مفصليّة نظرًا لكلاسيكية وتعقيدات آليات الجامعة التي تحتاج الى تطوير جدّي، لكن الجامعة تبقى ضرورة كاطار وحيد في الوقت الراهن يجمع القادة العرب، ولذلك قد يكون التمسّك ببعض الأمل لكون القمة تنعقد على أرض الجزائر، أمرًا منطقيًّا أيضًا وضروريًا حتمًا، ولعلّ توحيد الفصائل كان أول نجاح قبل انعقاد القمّة…شرط أن يستمرّ.
La télécommande, l’arme silencieuse du pouvoir domestique Nadine Sayegh-Paris La télécommande n’est pas qu’un outil.…
الشرق الاوسط كشفت تقارير إسرائيلية معلومات جديدة عن اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله»، السيد…
Le 1er mai, une fleur, une histoire ! Nadine Sayegh-Paris Tout a commencé au Moyen Âge,…
سامي كليب لم يخف بنيامين نتنياهو يومًا أطماعه. عرضها بالتفصيل في كتابه "مكان بين الأمم".…
Pâques : un kaléidoscope de traditions en perpétuelle évolution ! Nadine Sayegh-Paris La fête de Pâques…
La fragrance de la Mésopotamie qui a envoûté le monde entier ! Nadine Sayegh-Paris L’histoire des…