آخر خبرمقال اليوم
اسرائيل وبوتين، أزمة عابرة أم فراق؟
هادي جان بو شعيا
تاريخيًا، تعتبر العلاقات الروسية-الإسرائيلية من أكثر العلاقات التي ملكها اليهود تميُّزًا مع دولة حول دول العالم. إذ لطالما شهدت العلاقات بينهما ودًّا وتقاربًا على العكس تمامًا من علاقات اليهود مع الكثير من الدول والشعوب الأخرى، حتى أن الأراضي الروسية الشاسعة إبان حقبة الإمبراطورية الروسية قامت باستضافة أكبر عدد من اليهود في العالم، وخصوصًا اليهود الأشكناز الذين أضحوا مع باقي اليهود جزءًا من الخليط المتنوّع للمكونات التي تعيش في روسيا بمرور السنين.
وكذلك عند قيام الثورة البلشفية ضد القيصرية الروسية؛ وهي الثورة التي ساهمت في انتشار الشيوعية حول العالم؛ كان لليهود وجود بين أبرز قادة الثورة، فمثلا ليون تروتسكي (اسمه الحقيقي ليف دافيدوفيتش برونشتاين) كان أحد أبرز زعماء ثورة تشرين الأول في العام 1917 وهو يهودي الأصل ومن أكثر المؤثرين في ولادة الفكر الشيوعي؛ إلا أن العلاقات الروسية الرسمية مع اليهود عمومًا، تمرّ بأسوأ مراحلها في الوقت الحالي، خصوصًا بعد القرار الروسي الأخير الذي أغضب الإسرائيليين كثيرًا.
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا والعلاقات الروسية-الإسرائيلية في انحدار شديد من سيء نحو الأسوأ. فيما لم يشهد تاريخ العلاقات الروسية-الإسرائيلية تدهورًا مماثلاً، خصوصًا أن الاتحاد السوفياتي كان أول دولة في العالم تعترف بإسرائيل كدولة وقتما أعلنت تل أبيب تأسيس وطن لليهود في فلسطين عام 1948؛ إلا أن العلاقات الطيبة طيلة العقود الماضية بلغت مرحلة تبادل الغضب بين موسكو وتل أبيب إثر قرار روسيا الأخير، حيث أمرت الحكومة الروسية بوقف جميع أنشطة الوكالة اليهودية (الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية) في أنحاء البلاد كافة.
تأسست الوكالة اليهودية في العام 1908 وكانت وقتذاك تُعرف بـ”مكتب فلسطين” في يافا. وجرى التأسيس بطريقة قانونية ورسمية وفق القوانين العثمانية آنذاك. إذ حصلت الوكالة على الموافقات الرسمية من السلطنة العثمانية في اسطنبول لتعمل كفرع للمنظمة الصهيونية في فلسطين. فيما كانت تمثل الوكالة الشعب اليهودي أمام السلطان العثماني حينذاك وكذلك أمام السلطات الأجنبية الأخرى. وكان عملها الرئيسي يتركز على شراء العقارات والأراضي من العرب ليصار إلى تسجيلها بإسم اليهود وذلك بتمويل من الصندوق القومي اليهودي الذي كان يعتمد على تبرّعات اليهود حول العالم.
بعد ذلك، بات للوكالة فروعٌ حول العالم بما فيها فرع في روسيا، وكانت طيلة العقود الماضية تعمل بحرية تامة في البلاد إلى أن وصلتها، قبل أيام قليلة من قبل الحكومة الروسية في موسكو، رسالة تضمنت أوامر موجهة للوكالة اليهودية تطالبها بوقف جميع أنشطتها في البلاد وهو الأمر الذي سيتسبب بتعليق آلاف اليهود في روسيا حسب الحكومة الإسرائيلية.
من جهتها، أكدت الوكالة اليهودية في تصريح صحافي لصحيفة “جيروزالم بوست” العبرية بأنها تتواصل مع السلطات في موسكو بغية مواصلة أنشطتها، علمًا أن آلاف اليهود الروس كانوا قد أتمَّوا إجراءات الهجرة إلى إسرائيل، لكنهم لا يزالون ينتظرون توافر رحلات جوية من موسكو إلى تل أبيب. ذلك أن العقوبات الغربية على روسيا تسببت بوقف معظم شركات الطيران الدولية عن العمل، الأمر الذي تسبب في تأخر وصول اليهود الروس إلى إسرائيل مثلما تسببت العقوبات بالضرر لعشرات الآلاف من المواطنين الروس الذين تأثروا بسبب توقف معظم شركات الطيران عن العمل.
وعليه بات المهاجرون اليهود عالقين في روسيا الآن. إذ أن الوكالة اليهودية كانت تعمل على مساعدتهم بهدف الهجرة إلى إسرائيل من خلال تفادي مشاكل شركات الطيران؛ إلا أنهم لن يستطيعوا فعل شيء بعد الآن إثر قرار تجميد عملهم من قبل الحكومة الروسية، الأمر الذي قد يعود إلى تنامي التوترات السياسية بين موسكو وتل أبيب، خصوصاً أن الأخيرة تدعم أوكرانيا على نحو غير مباشر بالحرب التي تخوضها ضد روسيا، ناهيك عن تزويد إسرائيل كييف بمختلف أنواع الدعم الاقتصادي والسياسي والإنساني، فضلاً عن إعلان روسيا سابقًا بوجود مقاتلين إسرائيليين في أوكرانيا يحاربون بجانب القوات الأوكرانية ضد روسيا وهو الأمر الذي نفت الحكومة الإسرائيلية أي علاقة لها بهم وقالت أن وجودهم يأتي نتيجة قرارات فردية حالهم حال معظم المقاتلين الاجانب المرتزقة الموجودين في أوكرانيا.
ولا يقتصر الخلاف الروسي-الإسرائيلي على الوكالة اليهودية فحسب، إذ أعلنت وزارة الخارجية الروسية في الأمس بأن الضربات الجوية التي تشنّها القوات الإسرائيلية على المدن السورية هي أعمال عسكرية مرفوضة وغير مقبولة من قبل روسيا التي تطالب تل أبيب وقف تلك الهجمات دون شروط مسبقة.
وغالبًا ما تبرّر اسرائيل هجماتها تلك بأنها تستهدف من خلالها مصالح إيرانية في سوريا. إذ طالما تعرّضت فصائل عراقية تتبع إيران في سوريا للقصف من قبل القوات الجوية الإسرائيلية. كما قصفت إسرائيل شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى حزب الله عبر سوريا وحسب الاعلام فإن الضربات الإسرائيلية تتم بالتنسيق مع الجانب الروسي من خلال قنوات اتصال بين البلدين.
غير أن ما بات مؤكدًا الآن أن العلاقات الروسية-الإسرائيلية ماضية نحو مزيد من التصعيد، وبأن روسيا التي لطالما دعمت إسرائيل دون شرط أو قيد، لم تعد هي نفسها إثر غزوها لأوكرانيا. ما يشي بالتالي أن على إسرائيل تجنّب إثارة غضب روسيا أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا ما أرادت أن تعمل بحرية على الأراضي الروسية، خصوصًا فيما يتعلق بهجرة اليهود الروس إلى إسرائيل.
ويبقى السؤال: هل ستميل إسرائيل إلى روسيا من أجل الحرية في استمرار ضرب الأراضي السورية وفكّ أسر اليهود الروس إذا جاز التعبير أم ستمضي قدمًا في تحدي الدبّ الروسي؟ لنتذكّر أن كبير حاخامات روسيا كان قد قال قبل سنوات قليلة إن الرئيس بوتين هو أفضل رئيسٍ في تاريخ روسيا قربا من اليهود وتعاملا معهم. فهل يتغيّر الأمر. ربما من السابق لأوانه التفكير بالقطيعة نظرا للمصالح الكبيرة المشتركة بين الجانبين، ولوجود جالية روسية كبيرة في اسرائيل، لكن الأكيد ان بوتين غاضبٌ تماما من اسرائيل. ثم ان بوتين كان قد اعتذر قبل فترة قصيرة عن تصريحات وزير خارجيته سيرغي لافروف، التي قال من خلالها إن لأدولف هتلر “دما يهوديا”. لكن كييف اعتبرت أن اعتذار بوتين غير كاف، إذ طالب وزير الخارجية ديمترو كوليبا عبر تويتر نظيره الروسي بالاعتذار علنًا أمام يهود العالم أجمع”.