آخر خبرافتتاحية

مسيّراتٌ تفاوضية للحزب وتواصلٌ فرنسي إيراني

سامي كليب:

لم تُخترق بعد قواعدُ الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله على نحو يخرق الخطوط الحمر، فالمنطقة التي وصلت إليها الطائرات المُسيّرة للحزب فوق كاريش تُعتبر ” منطقة مُتنازَع عليها” طالما لم تُرسّم بعد الحدود البحرية بين لُبنان وعدوه، كما ان هذه المسيّرات التي تشك إسرائيل بأنها مُصنّعة في إيران لم تحمل سلاحا، تماما كما أن الجيش الإسرائيلي الذي يُكثّف ضربَ المواقع الإيرانية وما يعتقده مصانع او مسالك لتوريد الصواريخ الى الحزب على الأراضي السورية، ما زال ضمن قواعد الاشتباك.

لم تُخرق هذه القواعد فعليا في السنوات القليلة الماضية على نحو واسع بين إيران وإسرائيل سوى من خلال اغتيال قائد فيلق القُدس الجنرال قاسم سُليماني وبعض العلماء النووين داخل إيران. فالحزب أطلق سابقا مُسيّرات فوق المناطق الإسرائيلية وإسرائيل أوصلت مسيّراتِها الى قلب الضاحية.

هي إذاً مسيّراتٌ تفاوضية، بمعنى أن الحزبَ الذي يعلم بكل تفاصيل المفاوضات التي يُجريها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين بين لُبنان وإسرائيل، بعثَ برسالة تحذيرية للأميركي أولا ثم للإسرائيلي ثانيا وللشركات النفطية الأجنبية ثالثا، وللداخل اللُبناني رابعاً تلوّح باستخدام القوّة في حال استمرّت إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصّل الى اتفاق غير مُباشر مع لبنان لترسيم الحدود. والمعروف أنه في كل تفاوضٍ يكون التلويح بالقوة هو لتحسين شروط التفاوض وليس لشن الحروب.

قد تردّ إسرائيل بإرسال مُسيّرة الى قلب الضاحية، أو تكثّف طلعاتِها الجوية وعلى علوٍ منخفض في أجواء لُبنان وتحذر وتهدّد الدولة اللبنانية، او تقوم بغاراتٍ جديدة فوق مواقع لإيران او الحزب في سورية، أو تُسرّع عملياتها النفطية في حقل كاريش الذي قالت صراحة عنه بلسان وزيرة الطاقة إنه إسرائيلي وإن على لُبنان أن يركّز على مناطق أخرى.

فماذا يفعل الحزب لو استمرت إسرائيل بالتنقيب والاستخراج؟ هو لن يفعل شيئا قبل الموقف الرسمي اللُبناني الذي يتجه صوب تحسين شروط الخط 23 ، ذلك ان معظم المسؤولين السياسيين اللُبنانيين قالوا في جلساتهم الخاصة او مع هوكشتاين ان الخط 29  قد يؤدي الى الحرب، وهم بالتالي متنازلون سلفاً عنه مهما زيّنوا الكلام.  أما اذا قرّرت الدولة اللُبنانية وقف المفاوضات واتهمت إسرائيل بالخرق، فحينها سيكون هامش الحزب أوسع عسكريا.

لُبنان بطبيعة الحال يُدركُ أنه لن يحصل على حقل كاريش، وإنما في افضل الأحوال على حقل قانا من ضمن الخط 23 وتثبيت هذا الخط، ولذلك فإن رسالةَ الحزب أيضا داخلية، خصوصاً بعد أن تكثّفت كثيرا في الشهور الماضية الاتهامات ضدّه بأنه ضعيفٌ وأنه قابلٌ بالتنازل عن الخط 29 وأنه “ يتلطّى” خلف الموقف الرسمي اللبناني بقوله إنه ملتزمٌ بهذا الموقف. وذلك في مقابل حملة أخرى كانت تؤيد موقف الجيش اللبناني والفريق المفاوض الذي يوحي بأنه تمسّك بالخط 29 وأن الأطراف الرسمية اللبنانية تنازلت عنه وأن الحزب قابلٌ ضمنياً بهذا التنازل.

لا يريد حزبُ الله حربا في الوقت الراهن، ولا يُمكن فصلُ موقِفِه من عدم الرغبة بالحرب عن المسار التفاوضي الذي تسير عليه حاليا إيران، ولا عن الانفتاح العربي على سورية والذي قد يؤدي في نهاية المطاف في قمة الجزائر المُقبلة الى عودة دمشق الى مقعدها في جامعة الدول العربية.

صحيح أن المفاوضات غير المُباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية التي استضافتها الدوحة لم تصل الى نتيجة، لكن الصحيح كذلك أن المسار مُستمر وسوف تُعقد جلساتٌ أخرى بين الجانبين قريبا. وقد كان لافتا اليوم قول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بعد الاتصال الهاتفي مع نظيرته الفرنسية السيدة كاترين كولونا إن تقييمَه للمفاوضات في الدوحة قبل أيام:” إيجابي وان طريق الدبلوماسية حاليا مفتوح، ونحن جادون وصادقون في التوصّل الى النقطة النهائية لإبرام اتفاق جيد ومستدام” وذلك رغم انه حمّل مُجدّدا المسؤولية لإدارة الرئيس جو بايدن بقوله  “لا يمكن ملء فراغ المبادرات السياسية بتكرار المواقف السابقة”.

  ومن جانبها دعت كولونا إلى اغتنام فرصة الحوار والتفاوض، والسعي للوصول إلى اتفاق مرضٍ لجميع الأطراف، مؤكدة أن نافذة الدبلوماسية ما زالت مفتوحة، ويجب استغلالها بأفضل الطرق للتوصل إلى اتفاق. وأن إبرام الاتفاق أفضل من عدمه”.

معروفٌ ان لفرنسا حالياً علاقاتٍ مُباشرة وثابتة مع حزب الله، والتشاور السياسي والأمني مُستمر، ومن غير المُستبعد ان يكون التواصل اليوم بين إيران وباريس قد تطرّق الى مسالة المسيّرات وترسيم الحدود وضرورة ضبط النفس.

وعلى الخط الأميركي القطري جدّد البلدان اليوم اتصالاتِهما بشأن تسهيل التفاوض الأميركي الإيراني، وناقش وزيرا خارجية البلدين هذا الامر وفق ما نفهم من تغريدة وزير الخارجية القطري   نائب رئيس مجلس الوزراء  محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث قال بعد اتصاله بانتوني بلينكن إن الاتصال تطرق الى مستجدات محادثات الاتفاق النووي.

 لو ربطنا بعضَ الأمور ببعضها، نجد ان قطر التي تلعب دورا محورياً في الوقت الراهن بين طهران وواشنطن، قدّمت مساعدات كبيرة في الأيام الماضية للجيش اللُبناني، كما ان قُربَ افتتاح سفارتي إيران والسعودية بعد تقدّم المفاوضات بينهما، تزامن مع عودة عربية واسعة الى بيروت احتلت عناوين بارزة في الاعلام الخليجي واللبناني.

ففي لبنان عُقد قبل يومين الاجتماع التشاوري العربي بعد اجتماعين في الدوحة والكويت وذلك للبحث في الملفات العتيدة للقمة العربية التي ستعقد في الجزائر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

من الصعبِ بمكان وسطَ كلّ هذه الأجواء التفاوضية، والتي تترافق مع انعكاسات الحرب الدائرة في أوكرانيا على عدد من الجبهات العربية (وربما ستتظهّر أكثر في الشمال والشرق السوريين)، أن يكون في نيّة حزب الله إثارة حرب مع إسرائيل في الوقت الراهن، او خرق قواعد الاشتباك.

من هُنا لا يُمكن فهم رسالة المسيّرات، سوى بأنها تحذيرية لتحسين شروط التفاوض اللبناني ولتذكير هوكشتاين بأنه لا يستطيع فقط ربح الوقت عبر جولاته بين لبنان وإسرائيل للسماح لهذه الأخيرة باستخراج الغاز دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح لُبنان. وهذا أيضا يخدم المفاوضُ الإيراني في السعي للوصول الى اتفاق مع واشنطن، ذلك أن أي تدهور عند الحدود اللبنانية الفلسطينية قد يقلب الكثير من المعادلات.

بمعنى آخر ان الحزب لا يعترض على التفاوض، ولكنه يريد تحسين شروطه.

لكن هل كل هذا يعني أن الأمور ستبقى داخل إطار ” قواعد لعبة الاشتباك” الحالية؟ ليس مؤكداً وذلك لأسباب كثيرة بينها: أولاً احتمال انزلاق أي حادث أمني الى ما هو أوسع، وثانيا ربما أن إسرائيل نفسَها والمضطربة سياسيا في الداخل والقلقة من وصول طهران الى النووي وتعزيز جبهتي الجولان والجنوب ضدها، قد تلجأ الى خلط الأوراق منعا لأي اتفاقات إقليمية ودولية تُعزز مواقع إيران والحزب، وثالثا أفق العودة العربية الى لُبنان وسورية وتأثيرها على الحزب وإيران والمنطقة خصوصا بعد التفاهم السعودي التركي، ووسط دفعِ بعض الدول دمشق لاعادة فتح المفاوضات مع إسرائيل.   

لعلّ الجولة القريبة للرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، ستُعطي بعض المؤشرات حول المستقبل القريب، هل يتعزز التفاوض، ام تتفاقم الأزمات؟  

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button