آخر خبرثقافة ومنوعات

إنجازٌ طُبّي وتكنولوجي لمواجهة الشلل العام

 روزيت الفار-عمّان 

متلازمة المنحبس أو  ALS, Amyotrophic Lateral Sclerosis أوLocked-In Syndrome

ما هي؟ وكيف استطاعت الاختراعات العلميّة والتّكنولوجيّة مؤخّراً إيجاد حلول لها؟

هي مرض متفاقم يصيب الجهاز العصبي ويؤثّر على خلايا الأعصاب بالدّماغ والحبل الشّوكي الخاصّة بالجزءِ المسؤول عن حركة العضلات الإراديّة ويقوم بتدميرها وتعطيل وظيفتها الطّبيعيّة، فيفقد المريض تدريجيّاً السّيطرة على الحركة وقدرة التّواصل الشّفهي مع الآخرين؛ ليصل بالنّهاية إلى ما يسمّى طبّيّاً بِ “متلازمة الانحباس داخل جسده، مع بقاء الجزء الخاص بالإدراك والوعي من دماغه سليماً. بمعنى أنّ المريض يبقى بحالة يقظة ووعي تامّين لما يدور حوله؛ ويكون نشاطه الذّهني فاعلاً 100%. غير أنَّ مَن يعاني حالة الانحباس التّامComplete Lock–in  -وهذه أشدّ الحالات سوءً وصعوبة وتأتي عادة كآخر مراحل المرض- لا يستطيع القيام بأي حركة مهما كانت، بما فيها حركة الفكّين والعينين؛ ممّا يُلزم إطعامه عبر أنبوب يتم إدخاله إلى بطنه بواسطة ثقب أُحدث لذلك الغرض. كما وتتأثّر الرّئتان فيوضع المريض على أجهزة التّنفّس الإصطناعي.

يذكر أن الفيزيائي الشّهير ستيفن هوكينج -الّذي ترك نظريّاتٍ وأعمالاً أثرت علوم الكون والفيزياء ولا تزال تطبّق حتّى الآن وأفادت الأجيال السّابقة والّلاحقة لكونها مراجع مهمّة يعود إليها الدّارسون والباحثون عند القيام بدراساتهم وأبحاثهم -يُذكر أنّه كان يعاني من المرض ذاته لكنّه وبالرّغم من حالة الشّلل الجسدي الكامل؛ إلاّ أنّه بمرحلة معيّنة كان قادراً على تحريك عضلات خدّه وترميش عينيه، الأمر الّذي سهّل مهمّة تواصله مع فريقه العلميّ عبر جهاز كومبيوتر تمَّ تصميمه خصّيصاً لحالته وتبعه تطوير أجهزة أخرى واكبت تدهّور حالته المرضيّة وساهمت في تمكينه من إتمام أعماله.

لم يتوقّف العلم عند اختراع تلك الأجهزة المتقدّمة والّتي ساهمت لحدٍّ كبير في نقل ما بداخل دماغ هوكينج إلى الخارج على شكل منتوج  علميٍّ لخدمة العلم والبشريّة. فقد تمّ تطويرها لما هي عليه الآن لصالح جميع مرضى هذه المتلازمة بما فيهم العاجزين عن تحريك عضلة عيونهم، وهو ما يعرف بجهاز BCI”  Brain-Computer Interfaceالّذي تمَّ بواسطته تمكين رجل ألماني يعاني من متلازمة الانحباس التّام، من الخروج من حالته و التّواصل مع الآخرين.

يعتمد عمل الجهاز على معلومات سمعيّة يسجّلها جهاز كومبيوتر؛ يصدرها الدّماغ نتيجة استجابته لأمر ما. فهو عبارة عن عمليّة تعاون بين الدّماغ وجهاز الكومبيوتر؛ الغاية منها تمكين الإشارات الصّادرة عن الدّماغ من إدارة أو توجيه نشاط خارجي كالتّحكّم بيد روبوت؛ فبدل أن تسير هذه الإشارات من الدّماغ إلى الجسم عبر مسارعصبي عضلي، فإنّها تنتقل عبر آليّة تقوم بتوجيه مؤشّر خارجي للقيام بعمل معيّن.

يتمّ زرع هذه الوصلة الدّماغيّة على سطح الدّماغ وتحديداً على الجزء الخاص بحركة العضلات منه. وبقراءة الإشارات الّتي تحملها النّيورونات الّتي تمرّ عبر شرائح هذه الوصلة (الكومبيوتر)، تتمّ ترجمة هذه الإشارات إلى إرشادات وأفعال.

كيف يعمل هذا الجهاز أو الوصلة؟

يبلغ حجم هذه الشّرائح 3.2×3.2 ملم وهي عبارة عن مسارات كهربائيّة غاية في الدّقّة تصطفّ كمجموعات تحتوي كلٌّ منها على 64 قطباً يشبه الإبر؛ هو الّذي يقوم بتسجيل الإشارات العصبيّة أثناء نشاط ما؛ وينقلها لنظام كومبيوتر حيث تقوم برامجه بمعالجتها وفك شيفرتها وترجمتها على شكل منطوق ومسموع يدفع المريض لأن يختار أحرفاً يشكّل منها كلماتٍ وجُملاً. كما ويمكن للمريض تعلّم كيفيّة تغيير دماغه تبعاً للمعلومات الصّادرة الّتي يتلقّاها من الجهاز بإشراف متخصّصين ومدرّبين. والتّدرّب المستمر على ذلك وتكراره؛ يمنح المريض قدرة تراكميّة على التّحدّث ليصبح فيما بعد قادراً على الخروج من جسده والتّواصل مع الآخرين.

يمكن تركيب هذا الجهاز داخل قبّعة يرتديها المريض. لكن؛ بالرّغم من أنّ هذا الشّكل يمنع خطورة الإجراء الجراحي عند تركيب الوصلة داخل الدّماغ، غير أنّه أقلّ دقّة وفاعليّة في قراءة الإشارات الصّادرة، نظراً لتأثّره بالأصوات الخارجيّة.

شهد العام 2021 حدثين مهمّين على هذا الصّعيد. شهدنا قرداً زُرعت له وصلة دماغيّة كان قد تمَّ تحديثها لتصبح أصغر حجماً، شهدناه يلعب “البونغ” على جهاز العاب لاسلكي، والثّاني لرجل ألماني في ال 36 من عمره؛ يعاني منذ 2015 من متلازمة الانحباس التّام، شهدناه يتمكّن من التّواصل مع المحيطين به بواسطةBCI  تمّ تركيبه عام 2019.

كانت أولى رسائله، والّتي استمرّ تطوّرها على مدى أشهر طويلة، رسالة شكر لرئيس وأعضاء الفريق التّقني، ولطاقم القائمين على رعايته جسديّاً، وأخرى طلب فيها عمل تدليك لرأسه ورغبته بوضع جل مرطّب للعيون وتعديل وضعيّة الرّأس ورفعه عند حضور الزّائرين. كما اقترح المريض برسالة أخرى إدخال تحسينات على نظام التّهجئة بالجهاز، وطلب عزف مقطوعته الموسيقيّة وبالآلة المُفضّلة لديه بصوت مرتفع. لكنّ أقوى تلك الإنجازات لذلك الجهاز وأكثرها تأثيراً وعاطفة؛ كانت تلك الخاصّة بقدرته على التّواصل مع ابنه والتّحدّث إليه. الأمر الّذي كان يتمنّى حدوثه منذ بداية مرضه والّذي توّج تلك الهديّة الطبّية الّتي قُدِّمت له ولعائلته.

المصدر.Nature Communications, 2022

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button