آخر خبرافتتاحية

  التفاهمات الكُبرى ومستقبل الشيعة في لُبنان

ماذا لو حصل تفاهم كبير بين إيران والسعودية؟

التقرير الاستراتيجي الأسبوعي                 

سامي كليب:

                 لن يشذّ لُبنان عن قواعده الثابتة في “تركيب” السياسات والأنظمة وتنصيب ” الرؤساء” من الخارج. ويبدو أن الدول الكُبرى والإقليمية بدأت منذ الآن تتعاطى مع الأحوال السياسية اللبنانية على أساس أن الانتخابات صارت شبه محسومة وأن الأهم حاليا هو البحث في مرحلة ما بعد ترسيخ أقدام حزب الله وحلفائه انتخابيا. والاتصالات الدولية والمحلّية في هذا الإطار ليست بسيطة.

 في المعلومات أولا:

  • أن الاتفاق النووي بات شبه منته، بما في ذلك الاتفاق على رفع الحرس الثوري عن لوائح الإرهاب مُباشرة أو بطريقة مواربة. وما الإعلان عنه الاّ مسألة وقتٍ وبعض الترتيبات القانونية والتقنية بعدما حُلّت أيضا عُقدة روسيا في الاتفاق.
  • أن التواصل استؤنف مؤخراً بين السعودية وإيران في سلطنة عُمان، وهذا أمر لافت، لأن عقد اللقاء الأخير تم بعد أسابيع قليلة على إعدام السعودية 80 شخصا بتُهم ٍ مُختلفة نصفهم من الشيعة، وهو الأمر الذي كانت إيران قد شجبته بشدة وكذلك حزب الله. ويأتي لقاء عُمان بعد سلسلة من المفاوضات جرت سابقا على أرض العراق.
  • أن الإمارات العربية المُتحدة التي استقبلت الرئيس السوري بشّار الأسد وتبادلت زيارات رفيعة مع دمشق في أعقاب إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، تطمح لترتيبات أمنية وسياسية بين الجانبين السوري والإسرائيلي، وهو الأمر الذي لا يختلف عليه أحد من الكبار وتحديدا من الجانبين الأميركي والروسي، لكن الأمور بحاجة الى وقت للنضوج خصوصا بعد الانزلاق الروسي الى الحرب الأوكرانية.  
  • أن إعادة التموضع الاستراتيجي من قبل السعودية والإمارات حيال التوازنات الدولية، والكلام العالي النبرة من قبل الأمير محمد بن سلمان حيال واشنطن، ليس أمرا عابراً، وإنما يدخل في إطار رسم خرائط تحالفات جديدة خصوصا مع الصين وروسيا، مع الحفاظ قدر الإمكان على علاقات جيدة مع واشنطن إذا أرادت هذه الأخيرة ذلك، أما اذا واصلت ضغوطها في عهد الرئيس جو بايدن، فلا شيء يمنع توسيع العلاقات الخليجية الآسيوية على حساب العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أن الأمير محمد صلبُّ في موقفه ويستند الى قاعدته الشعبية الشبابية في الداخل والى تحالفه الواسع حاليا مع بكين.

في التحليل ثانيا

من المُفترض أن تؤثر هذه التحولات الدولية الكُبرى خصوصا بعد الحرب الأوكرانية، على مجمل ملفات المنطقة، بحيث أن التفاهمات الأميركية الإيرانية التي تنحصر حاليا في الملف النووي، ستنسحب حُكما على الجبهات المُلتهبة سياسيا أو أمنيا في المنطقة، من العراق وسورية حتى لُبنان وفلسطين، وكذلك فإن التفاهمات السعودية الإيرانية، مُرشّحة، لو نجحت، لوضع حد للحرب اليمنية وإيجاد حل سياسي، وانهاء الحرب السورية، والاتفاق على المستقبل اللبناني بالتفاهم طبعا مع واشنطن وباريس، أما العراق فيبدو أكثر تعقيدا حتى الآن.

ليس مُستبعداً مثلا، أن يُصار الى انهاء معضلة إدلب في سورية، وعلى الأرجح بعملية عسكرية واسعة، ذلك أن تركيز عدد كبير من الموسومين بالإرهاب فيها وبينهم أجانب وعرب، يفترض أن يتم القضاء على أكبر عدد منهم للحؤول دون عودتهم الى بلادهم. لكن السؤال هنا: هل يحصل ذلك بتفاهم إيراني روسي سوري في لحظة عدم الاهتمام الأميركي بالجبهة السورية، أم يحصل بغض طرف أميركي بناء على التفاهمات مع إيران؟ أم أن موسكو ستدفع بهذا الاتجاه الذي منعته سابقا لتحويل الأنظار عن جبهة أوكرانيا وإعادة التلويح بالورقة السورية؟  لا شك في كل الحالات، ان إيران وحلفاءها يستفيدون حاليا من حاجة الطرفين لطهران أي روسيا وواشنطن. يُذكِّرُنا هذا بما كان عليه الشأن مع الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران ورئيس حكومته اليميني الديغولي آنذاك جاك شيراك حين راحت إيران تلعب الورقتين في سياق العمل على الافراج عن الرهائن الفرنسيين في لُبنان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.  

ليس مُستبعداً كذلك، أن يحصل الشيعة في لُبنان على توسيع هامش تحركهم في إعادة تركيب النظام اللبناني. وفي هذا السياق، تؤكد معلومات دبلوماسية دولية، أن ثمة خيارات تُبحث فعليا في الوقت الراهن، حول كيفية إعادة صياغة النظام اللبناني على أسس جديدة، يكون سندُها الأساس تفاهمات بين أميركا وإيران والسعودية وفرنسا، ولا يكون التُركي بعيدا عنها. والخطوط مفتوحة مع الضاحية الجنوبية على أكثر من صعيد.  

ليس مُستبعداً ثالثا، أن يُصار بعد الاتفاق النووي، الى ترتيبات أوسع في الشرق الأوسط، تُرسّخ الأمن الحدودي بين الدول العربية وإسرائيل، وتطرح مسارات للحل الداخلي الفلسطيني الإسرائيلي، ذلك أن “هضم” إسرائيل للاتفاق النووي، يتطلب تطمينات أمنية لها في لحظة اهتزاز ثقة الإسرائيليين جديا بمستقبلهم وبقدرات جيشهم وبصلابة الموقف الأميركي حيالهم.

ربما هذا الاطمئنان الشيعي حيال تطورات المنطقة وتحولاتها وتفاهماتها، هو الذي يدفع حزب الله الى عدم الرد على كلّ الحملة التي تُشنّ ضده في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات التشريعية. ويبدو وفق معلومات دقيقة أن أمر مُهمة أعطي فعلا داخل الحزب لعدم الانجرار الى الرد، وذلك انطلاقا من مبدأين، أولهما أن الرد سيزيد عصب الخصوم الذين يتحدثون عن احتلال إيراني ودور كبير للحزب، وثانيهما أن الحزب ينتظر التفاهمات الكُبرى في المنطقة التي يُدرك أنها ستكون عاجلاً أم آجلاً لصالحه. وربما التواصل المُستمر مع فرنسا التي ستعيد انتخاب ايمانويل ماكرون رئيسا، يُمهّد فعلا لحوار وطني واسع في المرحلة التي تلي الانتخابات بغية تقطيع مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة رسم مستقبل النظام والتفكير بمستوى الحضور الشيعي في النظام المُنتظر.  

نجح الحزب حتى الآن في ترتيب التحالفات الانتخابية. صار واثقا من فوزه هو وحركة أمل في مقاعدهما الثابتة، ويتفنن حاليا في ترتيب شؤون حلفائه، والضغط على الخصوم. لا بل نجح في جمع متناقضين كبيرين أي سليمان فرنجية وجبران باسيل، ربما للتمهيد لاقناع الثاني بأولوية سيد زغرتا للرئاسيات والتمهيد لشراكة أطول بينهما في مواجهة القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع .  لكن الحزب يأخذ في الحُسبان قضية الفراغ السُنّي، ويُدرك أن توسيع هامشه على حساب مقاعد السُنّة سيضرّه أكثر مما يفيده، وهنا أيضا لا بُد من انتظار ما ستؤول اليه التفاهمات الإيرانية السعودية، ذلك أن الرياض التي ارتأت في المرحلة الأولى افراغ الانتخابات من دستوريتها عبر عدم الدعم العلني لأي طرف سنّي، والتأكيد على أن الحزب يُهيمن على الدولة، ستكون في المرحلة المُقبلة الحاضنة الفعلية ليس لمعظم النواب السُنّة الذين ينجحون، ولكن أيضا لمجمل مستقبل السُنةّ في النظام اللبناني العتيد، وهو ما ستفعله فرنسا والفاتيكان حيال المُستقبل المسيحي، ولا شك ان الزيارة العتيدة لبابا روما الى بيروت، ستعيد بعض الثقة الى الطرف المسيحي الذي ينزف نتيجة هجرة أبنائه، أو يقلق حيال التسويات الكُبرى ما يدفع بعض أركانه الى التشدد أكثر في مسألتي الحياد واللامركزية الإدارية أو حتى السياسية.

بالمختصر، لُبنان سيكون بعد الانتخابات أمام مخاض طويل، لكنه سيكون وأكثر من أي وقت مضى مرتبطا بتطورات المنطقة وتفاهماتها، لان قضاياه الكُبرى مُستقبلا من إعادة تركيب النظام الى ترسيم الحدود واستخراج الغاز الى ضبط الأمن الحدودي والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أمورٌ تحتاج الى تفاهمات على مستوى المنطقة والاقليم، ولا شك أن حزب الله الذي سيرسّخ شعبيته بعد الانتخابات، سيكون مع حلفائه أكثر راحة من الآن خصوصا ان الإجراءات الاقتصادية التي يتطلبها صندوق النقد الدولي نُفذّ الكثير منها بشكل غير مُباشر، وأن انقسام الحراك المدني وتصارع قياداته ولوائحه،أمورٌ ستُخرج ضغط الشارع من الحسابات المُقبلة، وتُفسح في المجال أوسع للأدوار الإقليمية والدولية.

هل لدى خصوم حزب الله القدرة على قلب هذه المعادلة، حتى لو قرّروا النزول الى الشارع مُجدّدا او المطالب بالفدرالية؟ الجواب على ذلك يأتي من الخارج، فلو حصل تفاهم سعودي إيراني، واستعادت سورية دورها العربي، ودخلت المنطقة في سياق تفاهمات وصفقات كُبرى، سيُصبح من الصعب جدا الاستمرار في الشعار الانتخابي ” احتلال إيراني وسلاح حزب الله” والذي على ما يبدو خدم الحزب أكثر مما أضرّ به. أما اذا تدهورت العلاقات السعودية الايرانية، فلا شك ان الرياض قادرة على تشكيل جبهة داخلية ضد الحزب واعاقة عمله، فهي ما زالت تتمتع بقدرة واسعة على التحرك على الساحة اللبنانية بشكل عام وليس فقط السُنيّة. 

لكن ما هو مصير السلاح الاستراتيجي للحزب في حال التفاهمات؟ وما هو مشروع الحزب لمرحلة ما بعد الانتخابات لطمأنه القلقين من توسّع دوره؟  وهل سيعدّل لهجته الخارجية حيال السعودية؟

أسئلةٌ تحتاج الى متابعة دقيقة، ليس للداخل وإنما لتفاهمات الخارج وحدودها ومداها، فالاتفاقات لا تعني انتهاء الصراع مع إسرائيل ولا الاطمئنان الى دورها، الا إذا حصل تحولٌ كبير في المشهد، وتوسع نطاق التطبيع، وهذا أمرٌ ما زال مُستبعدا في المستقبل اللبناني المنظور.

 لا بل أن احتمال انزلاق إسرائيل الى قلب طاولة التفاهمات عبر عمل عسكري واسع يبقى قائما، ولا يلجمه حاليا الا عدم معرفة القيادة الإسرائيلية لحجم ومستوى الرد والسلاح عند الحزب الذي قاتل أكثر من 10 سنوات على الأرض السورية وكسب خبرة طويلة في الحروب باتت إسرائيل نفسها تفتقر اليها. كما يلجمُه الضغط الأميركي على إسرائيل لعدم إعاقة الاتفاق النووي.

أما القول بأن أميركا وفرنسا لن تقبلا التفاهم مع إيران ومن خلفها الحزب على حساب الأطراف اللبنانية الأخرى، فلنتذكر أن واشنطن أزاحت السُنة عن حكم العراق بعد اجتياحها لبغداد وجاءت بالشيعة، وأن فرنسا أزاحت الموارنة عن أولوية تحالفاتها وأعطت الأولوية للسُنة ولسوريا في عهد الرئيس السابق جاك شيراك الذي تحالف عضويا مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعقد اتفاقا استراتيجيا مع الرئيس الراحل حافظ الأسد.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button