آخر خبرثقافة ومنوعات

انت محظوظ لأنك ولدت في الأشهر الأولى من العام..

روزيت الفار-عمّان 

أنت محظوظ إن كنت أحد مواليد الأشهر الثّلاثة الأولى من السّنة.

كبار أغنياء العالم ومشاهير البرمجة والكومبيوتر هم من جيل منتصف خمسينات القرن الماضي.

الصّينيّون أكثر شعوب العالم تحمّلاً للعمل الشّاق وأفضلهم بالرّياضيّات، والأفارقة الأوائل بالرّكض.

الثّقافة الكوريّة الّتي تحترم الكبير وذا الشّأن الأعلى تسبّبت بكوارث طيران.

عند فهمه للشّخصيّات العالميّة الأوسع شهرة وتأثيراً، يكشف مالكوم غلادويل عن الأسباب الحقيقيّة الّتي أدّت  لتّفوّقهم وإبداعهم؛ مستبعداً الذّكاء والموهبة والدّوافع الشّخصيّة والطّموح. فقد أصبحت جميعها عنده عوامل مُبالغ فيها كأسباب لتميّز الفرد واستثنائيّته. فبدلاً عن ذلك، يقول بأنّه علينا النّظر إلى عالمهم الّذي يحيط بهم وأحداثه التّاريخيّة وثقافته المجتمعيّة وتطوّره العلمي والتّكنولوجي، وبزمان ومكان ولادتهم.

في جزئي كتابه “إستثنائيّون” ”Outliers”، شرح غلادويل كيفيّة ومدى تأثير كلٍّ من تلك العوامل في عبقريّة ووصول الشّخص إلى العالميّة؛ تحت عنواني “الفرصة” “Opportunity” و “الموروث الفكري والثّقافي” “Legacy”. وركّز على أهميّة الاستغلال الأمثل للقدرات الفرديّة.

ففي شرحه لأهميّة “الفُرص”، أعطى مثال ألعاب الهوكي وكرة القدم، أشهر الرّياضات في كندا والّتي يبدأ إعداد الأطفال لهما بسن الخامسة شريطة أن يكونوا جميعاً مواليد سنة واحدة. لوحظ أن مستوى أداء الأطفال المولودين بالأشهر الثّلاثة الأولى من السّنة أفضل من أداء أقرانهم؛ وخاصّة المولودين في أشهرها الأخيرة. وذلك لأن أطفال المجموعة الأولى يكونوا بيولوجيّاً أكبر وأطول وأقوى، فهم بالتّالي يتمتّعون بقدرة تحمّل أكبر؛ وهذا يجعل المُدرّبين يولونهم اهتماماً وتشجّيعاً أكبر؛ وبذلك يحصلون على فرصة التّدريب الجيّد والطّويل الّذي يرافقهم طيلة مراحل وسنوات الّلعب؛ ما يمكّنهم بلوغ ما يسمّى “الميزة التّراكميّة” المطلوبة للوصول للنّهائيّات. وتفيد نتائج البحث بأن 40% من أعضاء الدّوري كانوا من مواليد الأشهر الأولى من السّنة.

وتبيّن أن هذا الظّاهرة ليست مقتصرة على مجال الرّياضة بل تشمل المجال الأكاديمي وباقي مجالات الحياة.

كما كان لبيل غيتس، المنحدر من أسرة غنيّة، فرصة الدّخول إلى مدرسة خاصّة تحتوي مختبراً متقدّما للكومبيوتر، ما أتاح له إمكانيّة استخدام أجهزته منذ الثّامنة من عمره، الأمر الّذي كان نادراً وصعباً  لغيره من طلبة الطّبقة الفقيرة والمتوسّطة، فحظي بفرصة تعلّم البرمجة والتّدريب المستمر عليها؛ فزاد حبُّه وشغفه بها؛ إلى أن أصبح خبيراً ولامعاً بهذا المجال وانتهى به الأمر لتأسيس مايكروسوفت، كبرى الشّركات العالميّة في صناعة البرمجة والحاسوب؛ ساعده في ذلك حسن استغلاله لمهاراته في التّواصل وعلاقات أسرته المتشعّبة مع الطّبقات الاجتماعيّة العليا. وكان الوحيد في العالم بعمر 13 الّذي لم يستخدم نظام البطاقة المثقّبة ((punch card الخاصّة بالأجهزة القديمة لتمتّعه باستخدام الأجهزة المتطوّرة.

بدأت النّهضة التّكنولوجيّة تظهر بمنتصف خمسينات القرن الماضي. ولوحظ أن مشاهير البرمجة والكومبيوتر كانوا من جيل تلك الحقبة. إضافة إلى بيل غيتس، كان ستيف جوبز مؤسّس شركة آبل، وبيل جوي مؤسّس لغة جافا، أبرز عمالقتها. فلو وُلد هؤلاء بغير ذلك الزّمن أو بمكان غير الّذي عاشوا به؛ (ببلد فقير مثلاً)، لما كانت لهم فرصة السّبق في هذا المجال.

كما ونلاحظ أن كثيراً من أغنياء العالم كانوا قد صنعوا ثروتهم بفترة ما بعد الحرب العالميّة الثّانية، فترة الكساد الّتي تلتها نهضة اقتصاديّة سريعة؛ ساهمت لحدٍّ كبير في كسبهم لتلك الثّروة.

للإرث الثّقافي والفكري أهميّة في بلورة ميزات شعوب العالم. فنجد أن الشّعوب الآسيويّة وتحديداً الصّينيّة، والّتي تعتمد ثقافة زراعة الأرز،  يتميّزون بقدرتهم على التّحمّل والعمل المستمر الجاد. فهم يعملون طيلة أيّام السّنة دون إجازات ولساعات عملٍ طويلة تمتد من الفجر وحتّى الغروب دون أي طعام، وذلك لما تحتاجه هذه الزّراعة الصّعبة من شروط الاستيقاظ المبكر بهدف مراقبة منسوب المياه والاهتمام المتواصل به منذ بداية الزّرع وحتّى جني المحصول. خلافاً لما هو في أمريكا والغرب حيت يُزرع القمح والذّرة؛ والّتي لا تحتاج زراعة أيٍّ منهما لذات المستوى من الرّعاية والاهتمام ويحظى المزارعون هناك بإجازات ولا تتجاوز أيّام عملهم ال 175 يوماً بالسّنة.

الصّينيّون هم الأفضل بالحساب والرّياضيّات وبفارق كبير عن غيرهم. لماذا؟

بالطّبع؛ ليس بسبب المنهاج وأساليب التّعليم أو شخصيّة المعلّم، بل بسبب ثقافة “العمل بغير كلل” وضرورة الوصول لنتيجة. ساعد في ذلك؛ نظام العدّ والأعداد سهل الاستيعاب. ووفقاً للأسطورة، كان أوّل حاكم للصّين أحد آلهة خلق علم الرّياضيّات، فحملت الأرقام بثقافتهم أهمّيةً روحيّةً لا يزال الصّينيّون يؤمنون بقوّتها.

كذلك بالنّسبة للشّعوب الإفريقيّة -كينيا مثلاً- حيث تُعتبر رياضة السّباق والرّكض جزءاً من ثقافتها، فنجد أن 95% من طلبة المدارس بين الأعوام  10-17  يركضون مسافة 10-12 ميل يوميّاً، ما يحسّن مقدراتهم بهذه الرّياضة، فنراهم بأغلب الأحيان حاملي كأس البطولة العالمي لهذه الرّياضة.

كان للثّقافة الكوريّة وطريقة استخدام لغتُها في احترام الكبير والأعلى مرتبة، تأثير في كوارث الطّيران الكوريّة، حين امتنع مساعد قائد الطّائرة في إحدى الرّحلات عن لفت انتباه الكابتن عن وجود خلل؛ ما أدّى لسقوطها ووفاة مَن عليها. تمّ بعدها اعتماد اللّغة الإنجليزيّة تجنّباً لتلك المجاملات.

بالنّهاية، مَن منّا لا يريد أن يصبح كأحد أولئك المبدعين؟ بالطّبع جميعنا. لكن لا يعلُ أحدٌ من العدم. فمَن يصل هو صاحب الفُرص، ومَن تساعده الظّروف ويستطيع تحديد قدراته وإجادة استغلالها.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button