سامي كليب:
ليس مؤكداً أن الفقيرَ الصاحي هذا الصباح مهموماً بالبحث عن لقمة عيشٍ لأولاده أو عن علبة دواء، بعد أن ارتضى شربَ مياه ملوّثة والاكتفاء بشمعة بدلا من الكهرباء، وبعد أن أرسل ابنه الكبير للعمل في ورشة حدادة سيارات، ليس مؤكداً أنه يسمع كثيرا الخطابات السياسية السيادية أو الثورية أو المقاومة. فهو يتحدث عن مرض وجوع، وهي تُحلّل مآلات الصراعات الإقليمية، والمفاوضات الدولية، ومفاهيم السيادة، والاستقلال.
المؤكد الوحيد هو أن كثيرا من المُرشّحين الثابتين أو الجدد، المستحقّين أو الطفيليين، الحقيقيين أو المنافقين، يبدون منفصلين تماما عن مجتمعهم وأهلهم وواقعهم، فيرفعون ” ترندات” انتخابية، تُعجب الخارج، وتشحن النفوس في الداخل، وتعزّز الغرائز في الحالتين. وكأننا في معركة القضاء على الآخر، لا في انتخابات من المُفترض أن تكون عادية، في وطن حقيقي.
ماذا يعني أن تكون سيادياً في لبنان؟
كثيرون رفعوا شعار السيادة عبر تاريخ هذا الوطن، لكن في الشعار فقط، ذلك أن بعضهم ارتمى في أحضان فرنسا، وبعضهم في أحضان العثمانيين، وبعضهم في أحضان مصر جمال عبد الناصر، وبعضهم في عراق صدام حسين، وكثيرهم (ربما جميعهم على الأرجح) في أحضان سوريا حافظ الأسد ( لو كُشفت الملفات ستكون فضيحة على رؤوس الجميع) ، وقليلُهم في أحضان ليبيا معمّر القذافي (الذي كان يدفع المليارات لكنه لا يحصل على تبعيه كافية)، وبعضهم في أحضان السعودية، وبعضهم في أحضان إيران، لا بل أن بعضَهم ارتمى في أحضان إسرائيل بذريعة محاربة الفلسطينيين وسورية، ثم ذهب الى سوريا بحثا عن سيادة أخرى.
وأما الأنكى من السياسيين أصحابِ شعاراتِ السيادة وأفعالِ العبودية، فهم الصحافيون الذين كانوا (وما زالوا) يشنّفون آذان المواطنين الفقراء، بالدفاع عن السيادة، وهم باعوا مؤسساتهم في أسواق النخاسة، وطأطأوا الرؤوس أمام رؤوس المال أو الدعم الدولي والحزبي، فداسوا على المهنة بنعالهم أيضا وشوهوا سمعة بيروت كمنارة للإعلام والفكر.
لا تستطيع أن تكون سياديا، وكلّ ما أنت فيه من نعيم، جاء من فعل عمالة تاريخيه أو مستجدة للخارج تزيّنها بكلمات على غرار ” تعاون، وتنسيق، واتفاق رؤى. الخ).
أن تكون سيادياً، هو أن تطرح مشروعا وطنيا يُطعم الفقراء ويطببهم ويعلمهم ويُشعِرهم بشيء من الكرامة. وأن تُقدّم وطنَك على كل الخارج، كل الخارج. أما أن تتحدث عن احتلال إيراني وأنت في قلب السفارة الأميركية وتأخذ تمويلا من دول أطلسية وربما تُناصر بشيء من الخجل إسرائيل، أو أن تتحدث عن تدخل السفارات الأطلسية وأنت تُعلن الولاء لطهران وتأخذ مالك منها وتنسى مرارا عُمقَك العربي النابضة قلوبِ شعوبه على قلب كل قضية عربية (خصوصا في المغرب العربي الكبير)، ففي الحالتين، أنت تُحاربَ تدخلاً خارجياً بتدخلٍ خارجي آخر. وغدا قد تقبل بالتدخلين، لو صيغت الصفقات في الخارج، وجاءتنا صيغةٌ مُختصرة بعنوان: سين-سين، ألِف، ألِف (أي سورية والسعودية وأميركا وإيران).
السيادة هي في أن تحمي حدودَ وطنِك وحدودَك الشخصية بشيء من الكرامة، وأن تصنعَ سياستَك داخلَ هذه الحدود، مع كل أبناء وطنِك، دون طائفية ولا مذهبية ولا تعالي على الاخر. وأن تقيمَ علاقاتٍ واضحة وسيادية مع الجميع من شرق وغرب لمصلحة بلدك ومصالحهم، لا أن تكون تابعا لشرقٍ أو لغربٍ ضد وطنك.
مَن مِنكم لم يكن ولاؤه للخارج فليقدّم الدليل، كي يصدقُه الفقير الصاحي هذا الصباح باحثا عن لقمة عيش لطفلٍ جائع، أو عن دولة ووطن.
أ.د ماريز يونس ( أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية) في ذلك الصباح، لم يكن…
Des salles d’asile à l’école maternelle ! Nadine Sayegh-Paris Evoquer l’école nous fait directement penser à…
سامي كليب افتتاحية-الصراحة افضل الاستقبال الاستثنائي الذي أحيط به الرئيس جوزيف عون في السعودية، والذي…
Du natron au sapo, pour arriver au savon ! Nadine Sayegh-Paris Le savon, produit d’hygiène et…
مرح إبراهيم ثلاثة أشهر مرّت على اللحظة النفسيّة التي جسّدتها ليلة الثّامن من كانون الأوّل…
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…