هآرتس:كتيبية ميليشياوية في الجيش الاسرائيلي. هذا خطرها
ترجمة: جويل أسعد-القدس
في أحد المساءات، وعند الساعة 9 مساءً كانت عائلة فلسطينية تسير على طريق في الضفة الغربية بالقرب من مدخل مستوطنة عوفرا [مستوطنة دينية قومية تضم 3000 شخص على بعد 8 كيلومترات شمال شرق رام الله تأسست عام 1975 على أرض في قرية عين يبرود الفلسطينية، بعد مواجهة بين رئيس الوزراء من حزب العمل اسحق رابين ووزير دفاعه شيمون بيريز لصالح الاستعمار القومي الديني]. أمر الجنود السائق بالتوقف. وقال جندي من وحدة أخرى شهد الحادث “أخرجوه من سيارته بالقوة وبدأوا في ضربه بجنون”. دخل السائق في تشنجات وفقد وعيه.
ينتمي الجنود المعنيون إلى كتيبة نيتساح يهودا (أي الخلود في اليهودية) ولا تتعلق هذه القضية بالفلسطيني الأمريكي عمر عبد المجيد أسعد البالغ من العمر 78 عامًا والذي توفي في كانون الثاني الماضي على الطريق المؤدية إلى قلقيليا بعد أن قام أفراد من الكتيبة نفسها بتقييد يديه وتكميم فمه وإجباره على الاستلقاء على ظهره ، وكان وجهه للأسفل ، والبرد شديد.
وقع هذا الحادث في أبريل 2021 ولم يسفر عن وفاة. لكن في كلتا الحالتين ، لم يتم معاقبة جنود هذه الكتيبة.
منذ سنوات عديدة، كانت “هآرتس” تحقق في العديد من الحوادث التي تورطت فيها نيتساح يهودا ، وهي كتيبة مشاة مكونة من الشباب الحريديم [رجال الدين الأرثوذكس المتطرفين] والمتشددين [رجال الدين الأرثوذكس المتطرفين والقوميين المتطرفين]. الاستنتاج واضح: أصبحت الكتيبة 97، غير قابلة للسيطرة أو الضبط.
للوهلة الأولى ، تبدو حادثة نيسان/ أبريل 2021 كلاسيكية. كان الجنود قد أوقفوا سيارة فلسطينية للاشتباه في أن سائقها كان يخطط لشن هجوم دهس. لكن فيما عدا ذلك، ووفقًا لشهود عيان إسرائيليين ، لم يكن هناك أي شيء مريب ، خاصة وأن التحقق من هوية السائق من قبل الشاباك [ المخابرات العامة] ، وشرطة الحدود والقيادة المركزية من Tsahal قد استبعد رسميًا أي محاولة للهجوم. لكن لا شيء ساعد
بحسب جندي من وحدة أخرى شهد الحادث ، فإن “الناس كانوا يحاولون معالجة هذا الفلسطيني الذي كان في حالة سيئة بعد ضربه. وطلبوا المساعدة من طبيب الكتيبة 97 لكنه رفضهم بحجة أنه إرهابي. كان الطبيب يحمل السلاح في يده ونهى عن إعطائه الماء. كان الأمر مخيفا فعلا
تم الإفراج عن الأسرة الفلسطينية بعد ساعتين من الاعتقال ، ونقل السائق أخيرًا في سيارة إسعاف فلسطينية إلى مستشفى في المنطقة أ [الخاضعة لسيطرة مدنية وأمنية فلسطينية]. “عندما أراد باقي أفراد العائلة استعادة السيارة ، اختفت المفاتيح. ولكن بعد ساعة ونصف ، عندما وصل نائب قائد الكتيبة إلى مكان الحادث ، عادت المفاتيح للظهور وكأنها معجزة.
يتذكر مسؤول في وزارة الدفاع اجتماع قمة في العام 2020. دافع فيه غالبية الجنرالات عن حل الكتيبة 97 ونشر مقاتليها في كتائب أخرى أقل إيديولوجية. “ولكن شرح لنا بعض كبار الضباط أن حل نيتساح يهودا سيكون بمثابة إعلان حرب لقادة يشاع ( أي الفداء باليهودية، وهو الاسم العبري المختصر لمجلس يهودا والسامرة ( الضفة الغربية) وغزة ، وهو يمثل جماعة ضغط المستوطنين القومية الدينية “
يشرح مسؤول عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية أن رجال الكتيبة 97 يأخذون تعليماتهم بصورة دورية من حاخاماتهم الذين يتمتعون في نظرهم بشرعية أكثر من ضباط الجيش الإسرائيلي. وهكذا نجد أنفسنا أمام ميليشيا تطور نفسها.
ليس النائب بتسلئيل سموتريتش ، من سكان مستوطنة كدوميم (مستعمرة يبلغ عدد سكانها 4500 نسمة وتقع على أرض في بلدة كفر قدوم الفلسطينية) هو الذي سيقول عكس ذلك. ففي مقال نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في كانون الثاني (يناير) الماضي ، أكد زعيم حزب تسيونوت داتيت (“الصهيونية الدينية” ، اليمين المتطرف والذي له ستة مقاعد في الكنيست) بشكل صريح على العلاقة العضوية بين سكان المستوطنين الأيديولوجيين و المحازم (البؤر الاستيطانية المتقدّمة والعشوائية والتي لا تعترف إسرائيل بها رسميا) مكن جهة الجنود الذين يخدمون في الكتيبة 97 من جهة ثانية.
قال سموتريتش :” بصفتي مستوطنًا ، يمكنني القول لك إنني أشعر بالسعادة عندما تنتشر نيتساج يهودا في منطقتي. هؤلاء الرجال يعرفون مهمتهم ويعرفون تمامًا من هو عدوهم ومن هو شقيقهم. إنهم لا يهربون، بل على العكس تماما ، هم يسعون للمواجهة ( مع الفلسطينيين) وردعهم”.
في حزيران 2021 ، اندلعت اشتباكات بين فلسطينيين ومستوطنين قرب بؤرة عوز تسيون (على مرتفعات رام الله وعين يبرود). عندما تدخل شرطي حرس الحدود لفصلهما ، أمطره جنود نيتساح يهودا بالشتائم. بعد أيام قليلة ، في وادي شيلوه ( وادي أموريا ، وهي منطقة في شمال شرق الضفة الغربية) ، دفع أعضاء نيتساح يهودا حرس الحدود وبصقوا عليهم.
تُلقي إيديولوجية جنود نيتساح يهودا بوطأتها الثقيلة، هذا ما يؤكده مسؤول في الدفاع الاسرائيلي، فيقول : “ذات يوم كنا سننفذ عملية في قرية (فلسطينية) بالقرب من رام الله. خلال شرح العملية لنا، طُلب منّا تحذير الجنود ودعوتهم لضرورة توخي الحذر وعدم اجتياز الأراضي الزراعية الواقعة في المنطقة A مهما كان الثمن. عندها قال ضابط من الكتيبة 97 للمشاركين : “هذه أرض الشعب اليهودي ، عاجلاً أم آجلاً ، ستعود إلى الشعب اليهودي” لكن أحدا لم يردّ عليه.
يضيف مسؤول آخر من الدفاع الاسرائيلي :” يجب قول الأمور كما هي، فكثير من أعضاء الكتيبة 97 يأتون من خلفيات فقيرة ولديهم مشاكل اجتماعية وعائلية خطيرة. ينخرط البعض منهم في الكتيبة تحت ضغط آبائهم ، الذين لا يريدون أن يروا أطفالهم يتسكعون ويدخنون الحشيش في ساحة شاتس (الاسم المُعترف به لساحة مكابي موتسيري ، على حدود القدس الغربية والقدس). لكن الحقيقة أنه مع نشوء العديد منهم في ظل نظرة قومية متطرفة للعالم ونظرا لعيشهم في بؤر استيطانية غير قانونية ، فإن التجنيد الطوعي في الكتيبة هو أضمن طريقة لوضع أيديولوجيتهم موضع التنفيذ “.
هناك شيء واحد مؤكد ، وهو أن العنف الذي ارتكبته نتساح يهودا يمر في أغلب الأحيان دون عقاب. كما يتضح من العقوبة المخففة للضباط المتورطين في مقتل عمر عبد المجيد أسعد ، فيما وصفت الحادثة بأنها “بالغة الخطورة وفشل أخلاقي لقواتنا”. وكانت أخطر عقوبة قد اقتصرت على ان الضباط المتورطين في هذه الوفاة سيضطرون إلى الانتظار لمدة عامين قبل أن يتمكنوا من طلب الترقية ، ودائما في نفس الكتيبة.
بعد نشر تحقيق داخلي من قبل ضابط كبير ، رد العديد من القادة وأشادوا بـ نتساح يهودا. وصرح الجنرال يهودا فوكس المسؤول عن المنطقة العسكرية المركزية للصحفيين العسكريين بأن “الكتيبة مكونة من مقاتلين ممتازين وهي ليست ميليشيا”. وإدراكًا منها لمشكلة صورتها ، تأخذ نتساح يهودا بعين الاعتبار أي أخطاء تحصل ويقوم قادتها بإبلاغ المسؤولين في التسلسل الهرمي فورا هذه الاخطاء “. لكن الحقيقة تبقى أن أخطر الانحرافات لا تُعرف فعلا الا من خلال تحقيقات يُجريها فاعلون من خارج الجيش.
عندما تُمسك المحاكم العسكرية بملف التحقيقات، تُظهر تساهلا إلى حد ما ، كما يتضح من الحكم الصادر في تشرين الثاني / نوفمبر 2019. فوفقًا للائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العسكرية ، فإن جنديًا من نيتساح يهودا قد ” استخدم سلاحه على بدو في محطة وقود في النقب دون أي سبب وبلا وجود أي مؤشرات للعدائية من قبلهم”. وبينما كان البدو يحاولون الاتصال بالشرطة ، خرج أفراد آخرون من الكتيبة 97 من حافلتهم الصغيرة شاهرين بنادقهم وضربوا البدو لعدة دقائق وراحوا يستهدفون الشهود الذين وردت أنباء عن وجودهم في مكان الحادث” ، لكن مرة أخرى ووفقًا للائحة الاتهام اقتصر الحكم على : حبس لمدة شهر ونصف للجندي المسؤول عن الهجوم وعقوبات تأديبية بسيطة للجنود الآخرين.
وفي سياق تبرير تساهلهم الفاقع ، كتب القضاة إن : “المدعى عليه حريدي اختار ولديه الشجاعة للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي في حين أنه كان من الممكن جدًا أن يكتفي بمواصلة دراسته الدينية وبالتالي الهروب من التجنيد الإجباري”.
وجاء مثال آخر على التساهل قبل ثمانية أشهر. ففي 19 آذار / مارس 2019 وجهت تهمة لمقاتلي نيتساح يهودا بعد التقاط صورة سيلفي وهم يضربون فلسطينيين اشتبهوا في قيامهم بتنفيذ هجوم بالقرب من البؤرة الاستيطانية في ديسمبر 2018. وانتهت القضية باتفاق ودي: تلقى الضابط الذي كان حاضراً وقت الوقائع حكماً بالسجن لمدة أربعة أشهر ونصف مع وقف التنفيذ ، وفُرض على الآخرين عقوبات إدارية صارمة.
حصل هذا لأن العديد من الضباط والحاخامات قد وقّعوا كشهود اعتباريين في تلك القضية. وبالتالي اتخذ الحُكم بناء على قسمِ الحاخامين بأن المُتهم ورفيقه قد تعلّما الدرس
ثمة ضابط كبير سابق، كان لا يزال في الخدمة في العام 2019 ، قد رأي أن العقوبات التافهة التي تم اتخاذها بعد هذه الحوادث تشير إلى عدم المُبالاة التي يتعاطى من خلالها الجيش الاسرائيلي مع تجنيد هؤلاء اليهود المتطرفين أو المتدينين القوميين في صفوفه.و المشكلة أن أي تشكيك في طريقة عملهم يتحول على الفور إلى نقاش أيديولوجي ، وليس عسكريا. فبمجرد أن يرفع حاخامات يهودا والسامرة أصواتهم ، لا يوجد أحد على رأس الجيش الإسرائيلي قادرُ على اعادتهم مدارسهم الدينية
الواقع إن فكرة حل الكتيبة 97 وتوزيع أعضائها على وحدات أخرى مرفوضة في كل المناقشات التي جرت خلف الأبواب المغلقة ، يبدو أن “لا أحد ( في الجيش) يريد هؤلاء المجانين في صفوفهم” ، كما يؤكد جنرال لنا طلب عدم الكشف عن اسمه .
كان الجنرال الذي يقود المنطقة العسكرية الجنوبية قلقًا من وصول مقاتلين من الكتيبة 97 إلى منطقة غزة. كان يخشى أن يؤدي عدم انضباطهم السيئ السمعة وأيديولوجيتهم إلى تصعيد الوضع على نحو خطير مع حماس. وكان قائد المنطقة الشمالية العسكرية يخشى أن ينتهك عناصر الكتيبة قواعد الاشتباك ويفجروا مواجهة مع حزب الله
في خلاصة الأمر فإن معظم هؤلاء الرجال خرجوا عن السيطرة والبعض الآخر يحلم بشيء واحد: هو خوض الحرب مع العرب.
“نيتساح يهودا” تعني بالعبرية هي (يهودا الأبدي)، كانت تعرف سابقا باسم “ناحال حريدي” وهي كتيبة تسمح لليهود المتدينين بالانخراط بالجيش على أن يتوافق ذلك مع معتقداتهم الدينية. لا تضم الكتيبة نساء، وتتخذ من “الكوشير” ( أو الحلال وفقا للشريعة اليهودية) طعامًا لها.
هذا المقال نُشر في صحيفة “هآرتس “الاسرائيلية، وكاتبه هو : Yaniv Kubovich