الغضب أمرٌ جيد يقول علماء النفس
روزيت الفار-عمّان
“لا بأس من الغضب، لا بل إنّه أمرٌ جيّد ومفيد”.
“الغضب ليس سمَّاً، بل وقوداً ودافعاً للنّشاط والحركة”.
هذا ما جاء على لسان الطّبيبة النّفسيّة والمتخصّصة باضطرابات النّوم والقلق بجامعة ديوك الأمريكيّة للطّب؛ الدّكتورة Jade Wu في مقال لها نشرته مجلّةPsycology Today بتاريخ 1/7/2020 بعد أن اعتبرت العلوم والفلسفة القديمة الغضبَ أمراً سلبيّاً وأدانته وربطته بالعنف ووصفت صاحبَه بالشّخص الضّعيف وسيّء الخُلق وغير المتحضّر، وبأنّه (الغضب) سبب مباشر لزيادة مخاطر الإصابة بكثير من الأمراض، اتّضح بأنَّ جميع تلك الاتّهامات باطلة، وبأنّه يختلف تماماً عن العنف ويُعدُّ امراً مقبولاً؛ لا بل مفيداً للصّحّة النّفسيّة والجسديّة وأنَّ كبحَه أو إزاحته عن مساره هو ما يسبّب الأمراض، إذ أنّ من شأنه تفريغ التّوتّر وإعادة التّوازن للشّخص وتحريره من حالة الهيجان أو الغليان العصبي الّتي بداخله.
كيف يكون ذلك؟
يعرّف علم النّفس الحديث “الغضب” بأنّه استجابة أو إثارة عصبيّة فيسيولوجيّة يحرّكها تهديد أو خطر ما. فهو بمثابة إنذار تحذيري يرسل فيه الدّماغ أوامره للجسم بضرورة القيام بالتّغيير حيال التّهديد الّذي يداهمه. فتقوم الأجزاء المسؤولة عن المشاعر بالدّماغ (Amygdala) -الّتي تقع بالجانب الأيسر منه- والّتي تراقب باستمرار ورود أي إشارات خطر تصدرها أيٌّ من حواس الإنسان؛ كي تشير للغدد المختصّة بإفراز هرمونات يتم ضخُّها بالدَّم؛ من شأنها العمل على حماية الجسم والمحافظة عليه. بمعنى أنّ الغضب يحمل قيمة وظيفيّة مهمّة مسؤولة عن تأمين سلامة الإنسان وبقائه حيّاً.
وفي حالة الغضب، يتمّ إفراز هرموني الأدرينالين والكورتيزول في مجرى الدّم لضبط ارتفاع مستويات الضّغط به ولتنظيم زيادة ضربات القلب وتوسّع الشّرايين الّتي تسبّبها تلك الحالة. تقوم كذلك بتعزيز طاقة الجسم ونشاطه وتضعه بحالة تأهّب وجهوزيّة تامّة للإقدام والتّصرّف، وبإيقاف جميع الوظائف الّتي تعيق عمليّة استعادته لتوازنه الطّبيعي الّذي كان عليه بالسّابق. فالغضب إذاً قوّة دافعة وليس سمّاً قاتلاً.
وخلافاً للعنف، الّذي نمارسه طوعاً وبكامل حرّيّتنا وإرادتنا، لا يمكننا أن نسيطر على الغضب لكونه من المشاعر. لذلك لم نجد في أيّ تعريف للغضب ما يحتوي على مفردات ناريّة تشير للعدائيّة أو الأذى أو العدوانيّة، فجميع تلك الصّفات ترتبط بالأفعال وليس بالمشاعر.
وهناك فرق جوهري بين الإثنين، فكثيراً ما نجد أعمال عنف لا يلزمها غضب كي تُنفّذ. فمن يقوم بالتّنمّر أو الجرائم الجنسيّة أو الاعتداء على الغير؛ يكون عادة بوضع هادئ تماماً وليس لديه أيُّ شعورٍ بذرّة غضب، في الوقت الّذي يمكن فيه لأيِّ شخص أن يغضب دون أن يؤذي أحداً.
ارتبطت أمراض ضغط الدَّم والسّكتات القلبيّة التّاجيّة والدّماغيّة لدى الطّب القديم بالغضب وكان حينها على المريض لجم غضبه إن أراد تجنّبها أو الشّفاء منها. ففي الثّقافة القديمة كنّا نسمع أقوالاً مثل: “الغضب أكبر عدو لك، يجب أن تسيطر عليه”. “الغضب لا يبني شيئاً بل يدمّر كلّ شيء”. “الغضب لا يحلُّ مشكلة، بل هو أساس كلّ المشاكل”. “إذا كنت تغضب بسهولة، فأنت شخص غير متوازن” وما إلى ذلك. لكنّ الدّراسات والتّجارب الحديثة أتت مناقضة تماماً لتلك النّظريّات وتقول بأنّ كبح الغضب ومحاولة إخفائه هما السّبب في نشوء تلك الأمراض وتطوّرها، وبيّنوا الآثار الضّارّة المُحتَملة في حال تمَّ ذلك. والّتي من بينها: آلام الرّأس وأمراض المعدة ومشاكل الهضم والأرق والاكتئاب ومشاكل الذّاكرة والتّركيز وغيرها.
بالإضافة لفوائده الطّبّيّة في الوقاية من الأمراض؛ فإنّ للغضب دورٌ في وقف الظّلم والتّنمّر الّذي يمارس بحق الشّخص. فلو لم نغضب ونعبّر عن غضبنا لاستمرّ التّعامل معنا بأسلوب الظّلم ذاته وبقينا نعاني.
أساليب التّعبير عن الغضب:
- غير الفعّال/غير المباشرPassive وهو التّعبير بطريقة غير مباشرة كالشّكوى، التّأوّه ،التّذمّر،المماطلة وعدم القيام بالعمل. وهو أسلوب غير محبّب.
- المفتوح (بالعاميّة الرّدح) Openوهو عكس الغضب غير الفعّال/غير المباشر حيث يُعبّر عنه بحركات جسديّة ولفظيّة مسيئة كاستخدام اليد والصراخ والشّتائم. وهذا أسلوب مقيت ومرفوض وغير متحضّر.
- الجازم. Assertiveوالتّعبير عنه هنا بالوقوف والدّفاع المباشر والصّريح عن الحقوق والمطالبة بتلبية الحاجات والرّغبات الّتي يريدها الشّخص بكل وضوح واحترام. ويعتبر أفضل الأنواع.
بالرّغم من كون الغضب طريقة الدّماغ الّتي يستخدمها للحفاظ على سلامتنا وبقائنا؛ وانفعالاً داخليّاً خارج إطار سيطرتنا، غير أنّ طرق التّعبير عنه يجب أن تتمَّ وفقا لتوجيهاتنا لكونها أفعالاً بإمكاننا التّحكّم بها وذلك باستخدام العقل والحكمة في التّحرّي أوّلاً عن سبب حدوث الغضب والتّحقّق منه وأخذ أنسب القرارات بشأن التّعامل مع تداعياته بشكل يضمن عدم حدوث أخطاء قد يصعب تصحيحها مستقبلاً.
يجب ألاّ يُفهم الموضوع بشكل خاطئ. فهذه ليست دعوة لتبنّي الغضب كعاطفة إيجابيّة أو للثّناء عليه وتشجّيعه، بل لقبوله عند وقوعه وعدم محاولة كبحه والتّعبير عنه بأسلوب خالٍ من العنف والإساءة وتوظيف الطّاقة الّتي يولّدها للقيام بأعمال إيجابيّة مفيدة. والتّأكّد من أنّ التّعامل معه أو التّعبير عنه بعنف وعصبيّة يحملان معهما أذى يصيبنا قبل أن يصيب الغير.