روسيا وأوكرانيا: بعد النار، هل يأتي الحوار؟

 هادي جان بو شعيا

بين أوكرانيا وروسيا نار مشتعلة وحوار منتظر، وضمنهما كثيرة وتاريخ يعجّ بمشتركات كثيرة ، فضلاً عن اتفاقات طواها الماضي وخلافات فرضها الحاضر، ومستقبل يبحث عن هويته.

بينما تستمر المعارك بلا هوادة يقول الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو إن بلاده مستعدة لتوفير منصة تفاوض بين روسيا وأوكرانيا في مينسك. وهذه دعوة قبلتها كييف ثم عاد رئيسها في الأمس ليقول أنه يريد السلام لكنه لا يقبل الاجتماع الا في مكان لم يشارك بالعدوان على بلاده.

من جهتها، قبلت روسيا هذه الدعوة وتقول إنها مستعدة لإرسال وفود من وزارتي الدفاع والخارجية إلى مينسك بهدف التفاوض، ولكن الكرملين يقول إن أوكرانيا لا تريد التفاوض وهي بذلك رفضت هدنة قد توقف حمام الدماء بين الجانبين.

ومع أن فرصة الحوار ضئيلة، وفق طرفي النزاع، كمن يبحث عن إبرة في “كومة قش”، لكنها تبقى قائمة. ذلك أن لكل طرف شروطه، إنما للمكاسب الميدانية والشروط المسبقة والتحالفات قولٌ سيكون فيصلاً في أزمة تراها بريطانيا ذات عمر طويل ودماء كثيرة.

 مسارٌ ممزّق

تاريخيًا، عاشت أوكرانيا مسارًا ممزّقًا بين الانحياز للغرب ومعادلة الجغرافيا والتاريخ للدولة الروسية. فبعد تفكك الإمبراطورية الروسية قبل نحو قرن من الزمن، شهدت البلاد فترة قصيرة من الاستقلال امتدت لخمس سنوات، قبل أن يفتكّ بها الاتحاد السوفياتي بالقوة تحديدًا في العام 1922 لتصبح حجر زاوية في هذا الاتحاد وثاني أكثر الجمهوريات السوفياتية سكانًا بعد روسيا.

عاشت أوكرانيا في كنف الاتحاد السوفياتي، ووصلت علاقتهما مرحلة قوية حتى إن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف منح أوكرانيا شبه جزيرة القرم عام 1954 بغية تقوية الأواصر الأخوية بين الشعبين كما كان يوصف.

في كانون الأول/ديسمبر من العام 1991، أي في مرحلة البيريسترويكا والغلاسنوت التي قادها الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف، وقّعت كل من أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا اتفاقية أدت فعلاً إلى حلّ الاتحاد السوفياتي. إذ اعتقدت موسكو حينها أن كييف ستبقى تحت ظلّها بالاعتماد على اغراءات الغاز الرخيص؛ إلا أن أوكرانيا بدأت تميل شيئًا فشيئًا نحو الغرب.  بحلول العام 1997، وقّعت موسكو وكييف معاهدة “الصداقة والتعاون والشراكة”، بحيث تعترف روسيا على إثرها بحدود أوكرانيا الرسمية بما يشمل شبه جزيرة القرم. لكن في حزيران/يونيو من العام 2014، التقى الرئيس الأوكراني المنتخب حديثًا وقتذاك بيترو بوروشنكو بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وعُرف الاجتماع في ما بعد باسم “صيغة محادثات نورماندي” وذلك بوساطة ألمانية وفرنسية.

وساطة أوروبية

تعرّت الوحدات الأوكرانية لهزيمة نكراء على يد الانفصاليين، لكن في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2014 توصل الأطراف لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك. ثم تدخّل الغرب في ما بعد لتطبيق ما عُرف بـ”بروتوكول مينسك”، حيث شهدت باريس “قمة نورماندي” باتفاق رؤساء دول وحكومات روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا في كانون الأول/ديسمبر من العام 2019 التي وافق فيها المشاركون على وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب القوات العسكرية من خطوط المواجهة.  

في العام 2022، عاد الحديث عن المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، حينما أصرّت روسيا على شن عملية عسكرية في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، وعلى إثرها طالبت كييف دولاً عدة منها إسرائيل بالتوسط لدى الكرملين لبدء عملية تفاوضية تنهي الأزمة.

بين الاقتصاد والسياسة

على الرغم من كل ما تقدم، تسود بين كييف وموسكو جملة من الخلافات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الحالية عزّزتها الحرب الأخيرة ودفعت بالكثير منها إلى الواجهة منها مطالب روسية وأوكرانية نستعرضها على النحو الآتي:

– رفض روسيا تسليح كييف وتوريدها منزوعة السلاح.

– أوكرانيا تطالب الغرب تزويدها بمزيد من الأسلحة.

– تعتبر روسيا انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” تهديدًا مباشرًا لها.

– رغبة أوكرانية جامحة للانضمام إلى الحلف، منتقدةً بطء العملية.

– تريد روسيا أن تكون أوكرانيا ضمن مناطق نفوذها.

– مساعٍ أوكرانية للالتحاق بالتكتل الأوروبي منذ فترة طويلة.

– تقول موسكو أن منطقة القرم خضعت لاستفتاء قضى بضمها إلى روسيا.

– تعتبر أوكرانيا القرم منطقة محتلة وتريد استرجاعها.

– تتهم روسيا الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي بالتبعية والانقياد للغرب.

– يقول زيلينسكي أنه مستهدف من قبل موسكو.

– تريد روسيا اجتثاث النازية من أوكرانيا.

– تقول أوكرانيا إن نظامها ديمقراطي وجاء بطريقة شرعية.

في المحصلة، تُعقد حاليًا أهم المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي “الناتو” ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وهذا سبب آخر يجعل من المهم إحراز تقدم في صيغة نورماندي، رغم صعوبة ذلك. ولكن يبقى السؤال الأهم حاليا : كيف تكون مسارات المفاوضات حسب صيغة نورماندي؟ خصوصًا إذا ما كان بوتين جاداً بشأن مطالبه الكبيرة، والتي يجد الغرب على ضفتي الأطلسي استحالة قبولها، بما في ذلك مناطق نفوذ مضمونة في أوروبا، فلن يكون هناك تقدم؛ إلا أن الاعتقاد السائد يشي بأن المساهمة في تخفيف التوتر الحالي الذي انتقل من حرب باردة الى نوع من الحرب الحامية ممكنة.

lo3bat elomam

Recent Posts

الحدث السوري والغرائز المتوحشّة منذ الثمانينيات حتّى اليوم

سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…

6 days ago

Le système métrique et le pied du roi!

Le système métrique et le pied du roi ! Nadine Sayegh-Paris Combien de mesures, de…

1 week ago

Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur !

Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur ! Nadine Sayegh-Paris Comme tout le monde…

2 weeks ago

رواية من خلف خطوط القهر والأمل

ديانا غرز الدين سؤال غريب ، من يصنع من؟ هل الواقع يصنعنا ام نحن نصنعه؟…

3 weeks ago

غرامشي يشرح انقياد الجماهير طواعية الى عبوديتها

روزيت الفار-عمّان أنطونيو غرامشي  الذي تأثر به كثيرون ومنهم المفكّر إدوارد سعيد؟ كيف يمكننا إسقاط…

3 weeks ago

تدهور نووي في العلاقات الفرنسية الجزائرية، لماذا؟

 حيدر حيدورة-الجزائر في ظل ازمة حادة تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تشهدها منذ الاستقلال حتى…

3 weeks ago