روسيا في أوكرانيا،هل يُرسم نظامٌ عالمي جديد
هناء الأعرج-الأردن
في كتابه ” النظام العالمي جديد قال وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر عن روسيا “إنها دولة تلعب دورا فريدا على مدار تاريخها منذ حربها مع فرنسا وحتى فلايدمير بوتين ، صحيح أنها لم تساهم في تحقيق توازن للنظام العالمي الا بشكل بسيط ، الا انها فرضت توازنات عالية فيما يخص اوروبا ، ومنعت سيطرة قوى واحدة على القارة الاوروبية من خلال حروبها مع السويد ابان تشارلز الثاني عشر ثم نابليون ومرورا بهتلر وليس انتهاء بما يحدث اليوم من تصديها للاتحاد الأوروبي”
تحتل روسيا المرتبة الاولى عالميا من حيث المساحة 17،13 مليون كلم 2 ( بينما فرنسا نحو نصف مليون فقط) وتحتوي على تنوع مناخي وحضاري متميز وعمق تاريخي فرض نفسه بقوة على مسرح الاحداث العالمي سياسيا واقتصاديا.
لكن لماذا اوكرانيا؟
يعود الخلاف بين الجانبين الى العصور الوسطى، فكلا الدولتان لهما جذور سلافية ، وهو ما دفع فلاديمير بوتين الى استدعاء هذا التاريخ خلال خطابه عشية حربه على أوكرانيا قائلا ” نحن شعب واحد”،لكن سياق الاحداث منذ ذلك الوقت أخذ مسارين مختلفين، فحين تطورت روسيا الى امبراطورية قيصرية لم تفلح أوكرانيا في بناء دولتها بهذا الاتجاه حتى وجدت نفسها لاحقًا خاضعة للاتحاد السوفييتي عقب الثورة البلشفية في القرن العشرين.
وبقيت كذلك الى أن دقت أوكرانيا اخر مسمار في نعش الاتحاد السوفييتي حين اعلنت استقلالها عن موسكو في تسعينات القرن الماضي.
تشكل اوكرانيا من حيث الموقع، عقدة جيوسياسية كبيرة بين المعسكرين الشرقي والغربي وحجر الرحى في ميزان القوى الاستراتيجي بين روسيا من جهة واوروبا وامريكا من جهة أخرى.
في فبراير 2014، انتهت سلسلة الأحداث التي دارت رحاها في العاصمة كييف، بطرد الرئيس الأوكراني المنتخب، فيكتور يانوكوفيتش وإسقاط النظام الأوكراني الموالي لروسيا.أدركت روسيا حجم الخطر ، وسارعت فورا الى السيطرة على جزيرة القرم ثم اجراء استفتاء دستوري بانضمام الجزيرة الى روسيا، نظرا لأهميتها الجيوسياسية .
ترى روسيا أن المعركة هي معركة جيوبوليتك بالدرجة الاولى، ويعتبر الغاز الطبيعي أحد ابرز الأدوات الجيوسياسية الروسية في اطار مساعيها للعب دور دولي في السياسية الدولية، ويمكن هنا العودة الى نظرية اوراسيا / شرق اوروبا ودول البلطيق والعمق الاسيوي في غرب اسيا / ل الكسندر دوغين في كتابه المهم “أسس الجيوبوليتيكا” ذلك أن دوغين يعتبر العقل الاستراتيجي المؤثر في رأس فلاديمير بوتين.
منذ عام 2014 تخوض أوكرانيا جولة مفاوضات كبيرة للانضمام لحلف الناتو، وهو تحرك جيوسياسي ترفضه روسيا؛ لأنه يعني انتشار الحلف الأطلسي على الحدود الروسية وتشكيل قوى ضاغطة داخل روسيا وتحويل اوكرانيا وبيلا روسيا الى خواصر جغرافية رخوة تحيط بروسيا.لذلك لجأت موسكو الى تحريك قواعدها العسكرية ضد كييف بحيث تشكل هي قوة ضاغطة ضد اوروبا وفق الترسيم الجيوسياسي الذي نشره الجيش الروسي مؤخرا.
لم تفهم اوروبا طيلة السنوات الماضية الرسائل السياسية التي أطلقتها موسكو فيما يخص الملف الاوكراني، وبدا أن المفاوضات بهذا الشأن متعذرة ومتعثّرة، فما كان من روسيا الا أن استخدمت الورقة العسكرية في حسم الموضوع.
ما تريده موسكو هو في الواقع ابعد من أوكرانيا، على الصعيد الأوروبي، فهي راغبةٌ بإعادة ترتيب القارة الصفراء وتوازن القوى فيها مستغلة خط الغاز والامن، وأما على المستوى الدولي فهي ترى ان حربها على أوكرانيا تعد نقطة انطلاق في بناء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب .
اما بالنسبة لمستقبل النظرة الروسية الى أوكرانيا فالمطلب الروسي يذهب باتجاهين : اما ضم أوكرانيا لروسيا وهو ما كشف عنه خطاب بوتين الاخير الذي دعا فيه الجيش الأوكراني لاستلام زمام الامور، أو اعلان أوكرانيا حيادها فيما يخص طموحها للانضمام الى حلف الناتو والتخلص من العقلية النازية، وهو خيار كشفه قبول بوتين وارساله وفدا روسيا للتفاوض في بيلا روسيا .
الايام القادمة، حبلى بالمفاجئات ومهما كان الشكل الاخير للحرب التي تميل كفتها لصالح الروس، الا أن الأكيد هو بلورة شكل جديد للنظام العالمي الجديد قائم على اساس من شبكة المصالح وتوازن القوى المستجد.