هل جيل الميديا الجديد مضطرب نفسياً؟
روزيت الفار-عمّان
يعرّف “الجيل” بأنّه الجماعة الّتي وُلدت بفترة زمنيّة معيّنة وشهدت وعاشت بسنوات نضوجها المبكر أحداثاً وظروفاً مشتركة؛ منها تاريخيّة مهمّة أو تطوّرات تكنولوجيّة أو فنّيّة تتعلّق بنوعيّة السّينما والأفلام أو الرّياضة أو الموضة والأزياء والعطور أو حتّى الشّعارات الّتي كانت دارجة بتلك الفترة. فكان هناك الأجيال التّقليديّة أو الصّامتة Silent Generation، والّتي عاشت في العقود الأولى من القرن الماضي. كان أبناؤها يميلون إلى الرّضى والقناعة وطاعة الأوامر. ثمّ جيل الطّفرة السّكّانيّة Baby Boomers 1946-1964، والّذي عايش الحرب العالميّة الثّانية وسُجّلت خلاله أعلى زيادة بعدد السّكّان إثر عودة الجنود من تلك الحرب، وشهد أيضاً حادثة هبوط أوّل إنسان على سطح القمر. ومواليد ذلك الجيل هم الآن أجداد وآباء الجيل الحاضر. عُرف عنه العصاميّة والصّلابة والاعتماد على النّفس والتّمحور حول أهدافه والعمل بجدّيّة على تحقيقها. ثمّ جيل إكس Generation X الممتد بين 1965-1979. جيل السّبعينات الّذي عاصر نشوء التّكنولوجيا وظهور الآلات الحاسبة و أجهزة الكومبيوتر ثم جيل واي Generation Y الممتد بين 1980-1993 جيل ثورة التّكنولوجيا والإنترنت والمعلومات. تلاها ما يُطلق عليه جيل الألفيّة Millennials الّذي واكب تلك الثّورة وسار بركبها. ثمّ جيل زGeneration Z الّذي يتّصف بالإبداع والتّفنّن باستخدام الأجهزة والتّقنيّات الحديثة المتقدّمة ما جعله يشعر بالتّفرّديّة وأحياناً بالنّرجسيّة والتّمحور حول الذّات. أمّا جيل الميديا الحالي أو جيل رقائق الثلج Snowflake، وبالرّغم من امتلاكه لميزات الطّموح والتّحدّي والسّرعة في الإنجاز؛ إلاّ أنّه جيل وُصِف بالضّعيف والهش*.
مع تعاقب الأجيال نشأ بينها نوع من الخلاف أو الصّراع؛ اعتبره علماء النّفس والاجتماع ظاهرة طبيعيّة وصحّيّة إذ ما تمّت معالجته، وقالوا بأنَّ التّنوّع والاختلاف بالمجتمعات هما جوهر استمرارها وبقائها. فعمليّة التّجاذب والتّضارب تُعدُّ إحدى أشكال التّفاعلات الاجتماعيّة الّتي تبعد “التّشابهيّة” الّتي تجعل الحياة مملّة ورتيبة.
تميّز كل جيل بمجموعة من الأفكار والممارسات والمعتقدات جعلته يرى نفسه الأفضل بينها ما أدّى لقيام جدل ومشاحنات بين الأجيال نشاهده داخل أسرنا وعائلاتنا. ففي الوقت الّذي يرى الجيل السّابق نفسَه يمتلك الحكمة وحسن التّقدير للأمور ويتوقّع أن يكون مرجعاً ومصدراً للرّأي الثّاقب والمشورة الصّائبة؛ مُبَرّراً تمسَّكه بأفكاره ومعتقداته وقِيمه؛ بأنّها كانت نتيجة لتراكمٍ من التّجارب والخبرات العمليّة الطّويلة، نجد الجيل الجديد، الواثق بنفسه والمتفائل والطّموح، يخالف رؤى وقناعات الجيل القديم و يعتبرها غير قادرة على تلبية فضوله ورغباته وتوقّعاته الّلامحدودة. فهو يرفض جميع أنماط التّفكير والطّرق التّقليديّة ويعتبرها غير ملائمة لعصر التّقلّبات والتّغيّرات المتسارعة الّتي يعيش به. كذلك هو الحال بالنّسبة للجيل القديم؛ فهو لا يزال ينتقد ويُقاوم وبشدّة جميع خيارات الجيل الجديد وقراراته ويعتبرها قرارات متهوّرة وغير ناضجة، ويراها تشكّل خطراً يهدّد جميع قِيَمِه ومعتقداته.
أسباب الصّراع:
- الافتقار لفهم الاختلاف.
- عدم التّسامح مع الأخطاء.
- رغبة الآباء في جعل أبنائهم نُسخاً مماثلة بالكامل لهم.
- المقارنات غير المنتهية.
- قلة المساحة المخصّصة للتّفاعل بين الأجيال.
ومن أجل حفظ التّوازن بالمجتمعات، يرى علماء النّفس أنّه يتوجّب حصول توافق بين مختلف أجياله. فعلى الكبار احتواء الجيل الأصغر والثّقة بقدراتهم والاستماع إليهم والتّحدّث معهم لا عليهم، ومحاولة دعمهم وتمكينهم من الاستفادة من تجاربهم القديمة وخبراتهم بطريقة أبويّة حاضنة لأفكارهم و محترِمة لخصوصيّتهم. وأنَّ على الجيل الحديث أن يتقبّل ويتفهّم أفكار وقِيم الآباء والأجداد بذهنيّة منفتحة ومحاولة إيجاد حلول وسطيّة يلتقي فيها الطّرفان. وعلى كل جيل أن يعرف بأنّ مصلحته تنطلق من مصلحة الجيل الآخر.
يذكر Hayem Herring في أحد فصول كتابه Connecting Generations “التّجسير بين الأجيال” بأنّ مشاعر العزلة الاجتماعيّة والوحدة والاكتئاب لم تعد قضايا تخصّ البالغين بقدر ما أصبحت تطال جيل الشّباب الجديد لدرجة تستدعي الاهتمام.
لماذا أصبح جيل الميديا الحديث يعاني من الهشاشة النّفسيّة؟
توضّح دراسات العلوم والبيولوجيا بأنّ الإنسان لا يولد هشّاً أو سهل الانكسار، بل على العكس؛ يولد ومعه جميع الأدوات الّتي تجعله صلباً متماسكاً وقادراً على التّكيّف مع الضّغوطات والمشاكل وتمنحه القدرة على التّعافي واستعادة توازنه الجسدي والنّفسي. بمعنى آخر إنّ أسباب الهشاشة النّفسيّة ليست طبيعيّة بل تتعلّق بالبيئة وبأساليب التّربيّة. حيث يحرص معظم الآباء على توفير جميع رغبات أبنائهم وعدم تحميلهم أيّة مسؤوليّة مقابل أن يذاكروا وينجحوا فقط، غير مدركين للآثار السّلبيّة لهذا السّلوك في إخماد روح التّحدّي وطمس الإرادة بداخل أبنائهم. ولعالم السّوشال ميديا والإنترنت دور أساسي في جذب الجيل الحديث لقضاء ساعات طويلة أمام الشّاشات وخلف مؤشّر البحث؛ ما يمنعهم من الخروج والاحتكاك المباشر بالطّبيعة والأقران، وهي أمور تفاقم من حدّة المشكلة.
بالنّهاية؛ ولكي نخرج بنموذج مجتمعي متناغم، علينا أن نعترف بأنّه لا يوجد مَن هو أفضل وأسوأ، أو مَن هو على صواب وباطل. ببساطة يجب فقط أن نعترف بأنّنا مختلفون ونتعايش بحب وسلام وقبول تام ودون أحكام.
*ملاحظة، اختلفت هذه التّسميات بعض الشّيء تبعاً للجهة الّتي قامت بتصنيفها فهي غير دقيقة بشكل كامل.