الزراعة المُستدامة حلٌ لمستقبل العرب

روزيت الفار-عمّان 

تعني الاستدامة بصورة عامّة “الإبقاء” على نوعيّة الحاضر ودوامه وتلبية حاجاته دون المساس بحق ومقدرة الأجيال المستقبليّة في تلبية حاجاتهم. ويشرحه آخرون بأنّه “علم دراسة العلاقات بين الكائنات الحيويّة وبيئتها”.

أمّا الزّراعة المستدامة؛ فهو مصطلح أُنشأ في ثمانينات القرن الماضي ليخدم أغراضاً بيئيّة، ويضم جميع النّشاطات المتعلّقة بالإنتاج الزّراعي والحيواني داخل مساحة واحدة لتلبية حاجات الأفراد الرّئيسيّة وتحسين ظروفهم المعيشيّة.

تهدف الزّراعة المستدامة للاستفادة القصوى من مصادر الطّاقة غير المتجدّدة والمحدودة كالفحم الحجري والغاز والنّفط، واستبدالها بالطّاقة المتجدّدة المتاحة في الطّبيعة كالشّمس والرّياح والحرارة الجوفيّة، إذ أن جميع هذه الأنواع آمنة ودائمة الوجود لا تنفذ ومجّانيّة ونظيفة بسبب مصدرها الطّبيعي.

بعد اكتشاف عدم جدوى الزّراعة الصّناعيّة كأسلوب اعتمدته كبرى المزارع العالميّة لعقود طويلة في زراعة المحاصيل ذاتها وتكرارها بالتّناوب سنة بعد سنة؛ مستخدمة كمّاً هائلاً من المبيدات والأسمدة الكيماويّة الضّارّة بالبيئة، وثبوت عدم فاعليّة تطبيقه لأمد طويل؛ وجب البحث عن بديل يضمن منتوجاً متنوّعاً وفيراً ويكون صديقاً للبيئة يعمل معها وليس ضدّها ولا يؤثّر على الرّبحيّة أو الإنتاجيّة بشيء؛ عبر قواعد علميّة وأساليب التّكنولوجيا الحديثة؛ وبمسؤوليّة ووعي كاملين، وباستخدامٍ أمثل للمصادر الطّبيعيّة يضمن المحافظة عليها من النّفاذ ويحميها من الضّرر. فكانت الزّراعة المستدامة.

ولمواجهة التّهديد المباشر الّذي تشكّله التّغيّرات المناخيّة وقضايا الاحتباس الحراري وشحّ الموارد الطّبيعيّة على الوجود الحيوي على الأرض -الّذي يشمل الإنسان وبيئته وغذائه وباقي الكائنات الحيّة- مقابل الزّيادة السّكانيّة المتصاعدة، أصبح هناك وعي بضرورة خلق وإيجاد نُظم ووسائل جديدة تقف بوجه تلك التّهديدات وتحدّ من تأثيرها، فكانت الزّراعة المستدامة.

لمفهوم الاستدامة ثلاث ركائز أساسيّة، هي:

  1. الاقتصاديّة. حيث يجب أن تّحقّق الرّبح في الأعمال التّجاريّة وترفد الاقتصاد.
  2. الاجتماعيّة. وهو تحقيقها لمبدأ العدالة بين جميع العاملين وإنشاء علاقة مصالح تبادليّة مشتركة معهم ومع المجتمع والمحيط.
  3. البيئيّة. أي العمل بمسؤوليّة عند التّخطيط  للبناء وفي إدارة المصادر الطّبيعيّة الّتي تعتمد عليها الزّراعة والمحافظة على سلامة التّربة وإدارة حكيمة للمياه. وهناك حقل بحوث متخصّص في تلك الأمور يُسمّى “البيئيّة الزراعيّة” Agroecology أي إدارة النّظم البيئيّة والموارد الطّبيعيّة بشكل سليم يخدم الزّراعة؛ تُستخدم فيه نظم بيئيّة تتجنّب التّأثيرات الضّارّة دون التّضحية بنوعيّة المحصول أو بعامل الرّبحيّة. من تطبيقاته:
  • إعادة تدوير المحاصيل لعدّة سنوات مقبلة وتبنّي التّنوّع من خلال زراعة عدّة أنواع من النّباتات بالحقل ذاته.
  • التّقليل من عمليّة الحرث أو الاستغناء عنها في عمليّة تحضير الأرض للزّراعة، حيث أن في ذلك فرصة لهدر التّربة على خلاف الغرس بتربة غير محروثة الّذي من شأنه المحافظة عليها من التّجريف وتحسين صحّة المحصول.
  • استخدام أساليب ميكانيكيّة وجيولوجيّة متداخلة لضبط تكاثر الحشرات والتّقليل بقدر الإمكان من استخدام المبيدات.
  • زراعة الأشجار الحرجيّة داخل المزارع بهدف توفير الظّل والمأوى الآمن لحماية النّباتات والحيوانات ومصادر المياه.
  • زراعة محاصيل الغطاء الأخضر كالبرسيم في الأراضي العارية لحمايتها من التّعرية ومراقبة الأعشاب الضّارة للّتقليل من المبيدات.

استطاعت بريطانيا مثلا -وبأساليب تكنولوجيّة حديثة- تحييد وتخفيض غاز الميثان، الّذي يساهم انبعاثه في ارتفاع حرارة الأرض بدرجة تفوق درجة تأثير الCO2 بنسبة 85%. يُذكر أن نسبة كبيرة من هذا الغاز تنبعث من عمليّة تنفّس الأبقار والماشية. وحسب نتائج قياسِهِ على مدى 20 عاماً، فإن 1.6 بليون رأس من الماشية والأبقار تساهم بنسبة 10% من الانبعاث الكلّي العالمي لذلك الغاز وأن 95% منها ناتج عن تنفّسها.

كذلك اعتماد نظام الزّراعة العموديّة، باستخدام طرق تكنولوجيّة في ضبط الظّروف المناخيّة من حرارة ورطوبة وإضاءة ومستويات غاز CO2 في الحاويات الزّراعيّة الّتي تتألّف من عدّة رفوف أو طبقات رأسيّة تستخدم للزّراعة.

وأمّا الزّراعة الكربونيّة فتهدف للحدِّ من انبعاث الكربون من خلال زراعة نوع خاص من الشّجر الحرجي في المناطق السّاحليّة الجافّة أثبت قدرته على امتصاص الكربون والتّخفيف من مستويات الاحتباس الحراري وتعديل الحرارة وزيادة الأمطار. ميزته أنّه لا يقلّل من المساحات المخصّصة للزّراعة الغذائية فأماكن زراعته بعيدة.

يُحسب لأسلوب الزّراعة المستدامة؛ أنّه يمكن تطويعه ليناسب جميع أنواع المناخات والطّبيعة الجغرافيّة وجميع أحجام المساحات المراد زراعتها. فأصبحنا نشاهد الكثير من المزارع  داخل المناطق السّكنيّة وعلى أسطح البنايات؛ خصوصاً في المناطق المليئة بالبناء حيث لا تتوفّر مساحات للزّراعة.

بعد كلّ تلك الميزات هل ستحتل “الزّراعة المستدامة” زعامة زراعة المستقبل وتبقى؟

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago