التقاليد والأساطير الجميلة في رأس السنة الصيني

 لُجين سليمان-الصين

لا تُشبة تقاليد الصين الاحتفالية في رأس السنة، أي احتفالات أخرى في العالم، فهنا البلاد التي صار لها قطعةٌ في كل بيت من  هذا العالم الشاسع بفضل التطور الصناعي والتجاري والتكنولوجي اللافت، ما زالت تعود الى تقاليدها العريقة والجميلة والى حيواناتها الحقيقية والاسطورية، تستنبط منها مظاهر الاحتفال والأمل والفرح بالعام الجديد، وطرد كل ما هو سيء في الذي رحل. 

ولا يُخفي رأس السنة الصينية، الذي يقع في مطلع الشهر المقبل، نفسه في شوارع المدن ، إذ تبرز الفوانيس الحمراء في كل زاوية وشارع معلنة عن قدوم عام جديد، فمع اقتراب الاحتفال ببداية السنة الصينية الجديدة، ينتشر عمال البلديات في أماكن متعددة يزينون الشوراع بمختلف أنواع الإضاءات، والتي يغلب على معظمها اللون الأحمر، وهو لونٌ  يفضّله الصينيون لأنه يجلب الحظ والسعادة، ويعبّر عن القوة والنشاط  ويرتبط  عندهم بالأسطورة القائلة بأن وحشا كبيرا يُدعى “نيان” كان قد هاجم إحدى البلدات. نجح السكان بإبعاده  عبر الأصوات العالية واللون الأحمر، ومذّاك يتبنون الأحمر أيضا كنوع من الحماية ويتكرر الاحتفال به كل عام.

ربما يستغرب البعض سبب تسمية السنة الصينية الجديدة بعيد الربيع، أو مهرجان الربيع، على الرغم من أنه يتزامن مع فصل الشتاء، ولكن في الواقع فإن الجزء الأقسى من الشتاء يكون قد انتهى في هذه الفترة.

أما الأعوام الصينية  فتُسمّى بأسماء الحيوانات، ويعود ذلك  أيضا إلى أسطورة تقول إنه حين  دعا “الإمبرطور السماوي” الحيوانات إلى توديعه لم يأت إلا 12 حيوانا، جميعها كانت تعدّ حيوانات حقيقية، إلا واحدا منها كان يعدّ من الحيوانات الأسطورية وهو التنين.

يرمز كل حيوان إلى سمة معينة، فعلى سبيل المثال، سُمّي عام 2020 عام الفأر، إذ يرمز “الفأر” بحسب المعتقدات الصينية إلى الثروة والسعادة والازدهار، إضافة إلى الخصوبة والقوة.

يعتمد التقويم الصيني على دورتي الشمس والقمر، ويسمى أول يوم “عيد الفانوس” أما ليلة العيد فتعرف باسم “تشوشي” ، وهو بذلك يختلف عن العام القمري الذي يعرف بأنه المدة التي يحتاجها القمر للدوران 12 دورة حول الأرض.

يكثر استعمال التقويم الصيني التقليدي في الاستخدامات الزراعية، ففي القرن الثالث قبل الميلاد، حدد 24 موسما زراعيا، أي ما يعادل تحديد 24 نقطة في السنة الواحدة وفقا لتغيرات المناخ، وتسمى كل نقطة موسما. ترمز هذه النقاط إلى مواقع ثابتة لحركة الشمس في السنة الواحدة، ولذلك فإنّ موعد كل موسم ثابت تقريبا في التقويم الميلادي الحالي، وبشكل عام فإن الفترة بين موسم وموسم آخر هي 15 يوما.

موسم “قويوي”  مثلا ، يقع تقريبا في  20 نيسان من كل عام، ويكون مناخ شمال الصين دافئا، وتزداد كمية المطر تدريجيا، فهو بالتالي  موسم الزراعة الربيعية. يأتي بعده موسم الانقلاب الصيفي (شياتشي) في  22 حزيران، حيث  تزدهر المحاصيل الزراعية وتنتشر الأعشاب والحشرات في الحقول.

طقوس

تسمّى مأدبة العام الجديد بـ “المأدبة الإمبرطورية “، يتم خلالها وضع سمكة كبيرة على المائدة، وينبغي  على جميع أفراد العائلة تناولها، فبحسب المعتقدات الصينية ذلك يحقق مكسبا ماديا لأفراد الأسرة، كما يُفضّل تناول “النودلز” ( وهي نوع من المعكرونة الرفيعة جدا) في تلك الليلة لأن طول حبيبات النودلز يوحي بطول العمر لأفراد العائلة المجتمعة، ويجب عدم قطع شريط “النودلز” أثناء الأكل لأن ذلك يوحي بقصر العمر.

كما يتم إقامة مهرجانات ومسيرات ومعارض تسوق ومعارض زهور، وتنتشر رقصات “التنين” أو رقصات “الحظ السعيد” على نحو كثيف في خلال راس السنة، وهناك مقولة سائدة أنه “كلما زادت فترة الرقص بالتنين كلما جاء الحظ السعيد”.

تقاليد

قبل عيد رأس السنة الصينية، يكثر تنظيف المنازل، بما يشابه تقاليد ربات المنازل العربيات اللواتي يقمن بتنظيف منازلهن قبل العيد، إلا أنه وبعد يوم العيد من غير المحبذ الاستمرار بالتنظيف، فذلك يطرد الحظوظ الجيدة، ويتسبب بوفاة أحد أفراد العائلة، كما يتم تشريع الأبواب والنوافذ كي تخرج السنة القديمة ويدخل العام الجديد.

وماليا تُحظر الديون في مطلع العام، لأنه وبحسب المعتقدات القديمة، فإن الدين في تلك الفترة يعني الاستدانة طيلة السنة الجديدة.

كل هذه التقاليد تتمحور حول نقطة واحدة، وهي طرد كل ما هو سيء في حياة الصينيين واستقبال عام جديد بالأمل والفرح ومشاريع النجاح 

سيكون عام 2022 عام “النمر المائي” وهو الثاني من دورة الحيوانات التي مدتها 12 عاماً في علم التنجيم الصيني، ويُعرف النمر بأنه ملك جميع الحيوانات وتعتبر العلامة الخاصة بالنمر رمزاً للقوة والشجاعة وطرد الشرور.

لا شك ان العودة الى اسطورة النمر، تُناسب تماما النمر الصيني الحالي الذي صار يقارع أكبر دولة في العالم، ليس بالحروب وانما بالتطور الهائل في مجالات التكنولوجيا والصناعات والنهضة الكبيرة. 

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago