اللغة العربية انتماء وهوية:فيها 12،3 مليون كلمة

كامل فرحان العريضي

اللغة انتماء وهوية ووطن وليست أحرفا وكلمات وجملا فقط، فهي روح التواصل والتلاقي بين الإنسان وأخيه، وتاريخه، وحاضره ومستقبله. وعندما تتهاوى لغة شعب ما، سرعان ما تنحدر حضارته، لأنها ميزان تطور الشعوب وترقيها. وكي تحيا طويلة عليها أن تكون مرنة قابلة للتحديث بما يتلاءم مع العصر ومقتضياته.

وجاءت كلمة اللغة من الفعل لَغَو أيّ نَطَق وتكلَّم، واللُّغة في الاصطلاح هي: مجموعة الحروفِ التي تَتَكوّن منها الكلمات، والمفردات، والأفعال، والتركيبات اللَّفظيّة التي تُستَعمل كوسيلة تواصل بين النّاس عن طريق النُّطق والكتابة.

ويحصي علماء الألسن أكثر من خمسة آلاف لغة منطوقة في العالم اليوم، ثلثها في إفريقيا، لكن يجمعونها ضمن أُسَرٍ لغوية قليلة نسبيًّا، ربما أقل من 20 أسرة. فاللغات ترتبط بعضها ببعض عبر الكلمات أو الأصوات أو البُنَى النحوية المشتركة، وبحسب النظرية السائدة، فإن كل أعضاء مجموعة لغوية واحدة انحدروا من لغة واحدة أقدم، أي من سلف واحد مشترك.

أما لغتنا العربية التي نحتفل بيومها العالمي في 18 كانون الأوّل من كل عام، فتحتل المركز الثامن عالمياً من حيث عدد الناطقين الأصليين، ويقدر عدد الناطقين بها بصفتها لغة أم حوالي 280 مليون نسمة، ويتحدثه بها 250 مليوناً آخرون كلغة ثانية.

لم يُعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة “العرب”؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات عربية وأعراب وغيرها، وهناك العديد من الآراء والروايات حول أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن “يَعرب” كان أول من أعرَب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، أما البعض الاخر فيقول إن تاريخها بدأ على يد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، إذ إنه أول من فُتق لسانه بالعربية وهو ابن أربع عشرة سنة ونَسِي لسان أبيه، أما البعض الاخر فيذهب إلى القول إن العربيّة كانت لغة أهل الجنة، إلا انه لا وجود لبراهين علمية ترجح أيا من تلك التكهنات.

ويرى أهل الاختصاص أن أقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري “شلمانصر الثالث” في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من “جنديبو” من بلاد العرب، ويذكر البعض من علماء اللغات أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية.

وتشتق اللغة العربيّة بإجماع المتخصّصين في عِلم اللُّغات والآثار، من الأصل السَّاميّ جَنباً إلى جنبٍ مع لغاتٍ أخرى كالسريانية، والكلدانية، والعبرية، وتمتاز هذه اللُّغات جميعها بوجود تشابهٍ كبيرٍ بين مُفرداتها فعلى سبيل المثال: كلمة شمشو في السريانية، وكذلك كلمة شيمش بالعبريّة، وشمشا بالكلدانيّة جميعها تعني كلمة شمس بالعربية.وتتكون اللُّغة العربية من لُغتين رئيستين، ومنهما تفرّعتْ باقي اللَّهجات العربية وهما: اللُّغة العربية الحِميرية: وهي لُغة جنوب اليمن، وهي قريبةٌ من اللُّغة الحبشية. واللُّغة العربية المُضرية: وهي لغةُ شمال الحجاز، وهي شديدةُ الاتصال باللُّغة العبرية والنَّبطية.

وبتوالي العصور تمازجت اللُّغة الحِميرية والمُضريّة معاً نتيجة هجرة القبائل اليمنية الجنوبية بعد حادثةِ سيل العَرِم، وكذلك بسبب اختلاط النّاس في مواسم الحجّ، وفي الأسواق والمسابقات الشِّعريّة. وتغلبت اللُّغة الحميرية على سائر اللُّغات العربية الجنوبيّة كالمعينية والسبئية، ولكنّها اندثرت بعد الإسلام.

أمّا اللُّغة المُضرية  فقد قَوِيتْ على حساب بعض اللُّغات العربية الشَّمالية الأضعف منها كلغة تميمٍ وقيس، فتميزت كُلُّ قبيلةٍ بلهجتها، وكانت أبرزها لهجةُ قريشٍ التي امتازت بالفصاحة، والخلو من العيوب، واستخدام الكلمات والتَّراكيب اللَّفظية السهلة والسَّلسة في النُّطق وعند السمع، وعندما بُعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما،  بُعث بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ؛ فكان القرآن الكريم باللُّغة العربية على لهجة قريش، قال تعالى: “إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا” وهذا الكلام الإلهي دلالة على أهمية اللغة العربيّة ومكانتها ودورها المركزي على صعيد لغات العالم.

وتأكيدا على تلك المكانة للغة العربية ودورها الهام في حفظ حضارة الإنسان وثقافته ونشرهما على صعيد البشريّة، ولما لها من قدرة على التفاعل والتأثير وعدم الانحسار، ساهم ذلك في تعاطي المنظمات الدولية معها بإيجابية، حيث صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 18 ديسمبر/ كانون الأول عام 1973 بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة، وعليه تقرر الاحتفال بها في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة.

وكانت اللغة العربية لغة رسمية معتمدة في اليونسكو قبل تاريخ إدخالها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها الرئيسة، وفي17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 في الدورة الـ30 للمؤتمر العام أعلنت اليونسكو يوم 21 فبراير/ شباط يومًا دوليًّا للغة الأم من أجل النهوض بالتنوع اللغوي والثقافي في العالم، وفي 19 فبراير/ شباط 2010 اعتمدت إدارة الأمم المتحدة لشؤون الإعلام قرارًا يقضي بالعمل على الاحتفال بيومٍ عالميٍّ لكل لغةٍ من اللغات الرسمية الست ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحدَّدت يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول يومًا دوليًّا للغة العربية.

وبحسب المصادر والمراجع ومعاجم اللغة العربية، فإن عدد الكلمات في اللغة العربية – سواء المستخدمة أو المهملة – تبلغ 12302912 كلمة و( 12.3 مليون) دون تكرار وتبلغ 25 ضعفًا عدد كلمات اللغة الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة.

وإليكم فيما يلي عدد الكلمات في أبرز اللغات حول العالم:

– اللغة العربية 12.3 مليون كلمة

– اللغة الإنجليزية 600 ألف كلمة

– اللغة الألمانية 160 ألف كلمة

– اللغة الفرنسية 150 ألف كلمة

– اللغة الروسية 130 ألف كلمة

وما يجب الإشارة إليه هو أن اللّغة تحيا بحياة ناطقيها، فإذا كانوا هم أحياء بالعلم والثقافة والوعي، تكون لغتهم كذلك، وإذا كانوا كسلاء خمولين، ضعفاء، ينعكس ذلك على لغتهم، لذلك عندما كان العرب مصدر العلوم وموئل العلماء كانت عملية الترجمة من العربيّة إلى لغات أخرى ذاك الوقت نشطة ومميزة في أحدث علوم العصر من طب وهندسة وفلسفة وعلوم دينيّة وعلم الفلك وغيرها، وما يقال عن عصر انحطاط لغة ما أو عصر تنوير وتطوير لها ما هو إلا انعكاس ومرآة لحال الناطقين بها.

المراجع:

١- القرآن الكريم.

٢- إسراء عواودة؛ كيف نشأت اللغة العربية؛ 3 كانون الأول 2020؛ موضوع دوت كوم.

٣-فاديا البنا؛ في يومها العالمي.. متى ظهرت «اللغة العربية» والسر وراء أهميتها؟ 17 ديسمبر 2021.

٤- اللغة العربية.. تاريخ التطور من النقوش إلى الفصحى

2018/12/17؛ العين الإخبارية.

٥- رانيا سنجق؛ تاريخ اللغة العربيّة؛ 27/ 10/ 2021؛ موضوع دوت كوم.

٦-عهد فاضل؛ في يومها العالمي.. هذا هو أصل اللغة العربية الفصحى؛ 18 ديسمبر ,2018؛ العربيّة نت.

٧- علي أحمد؛ في يومها العالمي.. كم يبلغ عدد كلمات اللغة العربية؛ 2019.

٨- آيه محمود؛ بحثًا في أصل اللغة العربية: مصدرها وأقرب أقربائها من اللغات؛ 15/ 9 / 2017؛ منشور دوت كوم.

——————————————————————————————————–

الكاتب: الشيخ الاستاذ كامل فرحان العريضي-لبنان

باحث في الشؤون الدينية ومدير مدرسة الاشراق

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago