دراسة نروجية: “نصف العراقيين بحاجة للغذاء”. أين مال النفط؟
باريس-ميراي حدّاد:
نشر المجلس النروجي للاجئين NRC تقريرا مُقلقا اليوم حول المُستقبل الغذائي والمائي للعراق، قال فيه وفق دراسات واستفتاءات واحصائيات أجراها طيلة الفترة الماضية:” ان عائلةً من أصل كل عائلتين في العراق بحاجة الى مساعدات غذائية بسبب التصحّر، وان التغيير المناخي يمثل تهديدا متعاظماً”.
جاء التقرير الصادر عن هذه المنظمة غير الحكومية بعد استبيان أجراه المجلس مع 2806 عائلات خصوصا في مناطق الانبار والبصرة ونينوى والتي تُعتبر تاريخيا مخازن القمح العراقي، والتي تضربها منذ فترة كوارث التصحّر والتغيير المناخي.
قال التقرير:” إن عائلة من كل اثنتين في هذه المناطق التي ضربها التصحّر بحاجة الى مساعدات غذائية، بينما واحدة من كل خمس عائلات لا تملك ما يكفي لإطعام جميع أفرادها، كما ان 45% من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة هجروا مناطقهم الزراعية لإيجاد عمل في المدن، بينما 38 % فقدوا وظائفهم” .
وأوضح التقرير ان 37 % من العائلات التي تم استطلاعها فقدت الكثير من المواشي خصوصا من الغنم والماعز في الشهور الستة الأخيرة وذلك بسبب نقص المياه والتطعيم والأمراض.
وقال التقرير إن ” توقّعات 2022 مُقلقة فعلا ، مع استمرار النقص الحاد في المياه، وزيادة التصحّر ما قد يؤدي الى تدمير المحصول الزراعي المُقبل.
كما ان الدراسة النروجية الخطيرة تشير الى أن 37 % من المزارع المخصّصة للقمح و 30 % من تلك المخصّصة للشعير عرفت انخفاضا حاداً في محاصيلها وصلت الى نحو 90 %.
يُذكر أن البنك الدولي كان قد دقّ ناقوس الخطر مؤخرا مُحذّرا من انه مع ارتفاع الحرارة درجة مئوية واحدة وانخفاض هطول الأمطار بنسبة 10 بالمئة، فان العراق سيشهد انخفاضا بنسبة 20% من مصادره المائية قبل العام 2050.
وتقول الدراسات الغربية إن العراق البالغ عدد سكانه 40 مليون نسمة والمتربّع على مخزون نفطي هائل، “يعاني من تضاؤل حاد في مياه دجلة والفرات بسبب السدود الإقليمية من قبل تركيا وإيران ( وهذه الأخيرة تعاني هي الأخرى من نقص كبير في المياه) لكن طهران والمقرّبين منها في العراق يقولون ان هذا جزء من الدعاية الغربية ضدهم لتأليب العراقيين عليهم.
وفي هذا الصدد قالت محطة إذاعة وتلفزيون دوتشي فيلله الألمانية في تقرير حديث لها : إذا كان لتغيرات المناخ أن تفعل كل هذا بالزراعة والناتج المحلي العراقيين، فكيف بالتأثيرات الناتجة عن حجب وقطع القسم الأكبر من العراق من مياه نهري دجلة والفرات والانهار الأخرى القادمة من تركيا وإيران التي تشكل مصدرا لما يزيد على 70 بالمائة من الثروة المائية العراقية؟ ولا يعود السبب في هذا القطع إلى مشاريع الري والسدود التركية والإيرانية فحسب، بل أيضا إلى الضغوط السياسية التي تريد كل من أنقرة وطهران ممارستها على بغداد. وهو الأمر الذي يجد انعكاسه في رفض مطالب العراق الشرعية بالحفاظ على تدفق حصصه المائية والحيوية لحياة السكان والزراعة والصناعة وغيرها من القطاعات الأخرى. وهنا وصل الأمر بقيادات تركية إلى إنكار الصفة الدولية لنهري الفرات ودجلة والادعاء بالحق في النفط العراقي مقابل حق العراق بمياه النهرين!
في هذا الوقت بالضبط يستمر معظم قادة العراق في الغرق بمشاكلهم السياسية السطحية والمصلحة والطائفية والمذهبية وسط تصارع المحاور على أرضهم وبهم، ويتبين أن قسما لا بأس به من الثروة المالية الهائلة التي يدرها النفط منذ العام 2003 والتي تفوق 1200 مليار دولار قد نُهبت وتم تحويلها الى الخارج من قبل طبقة سياسية وحزبية تُمارس الكثير من الفساد وفق اعتراف كبار المسؤولين العراقيين أنفسهم. فالرئيس العراقي برهم صالح الذي يطالب البرلمان بالتحقيق في تهريب الأموال وصفقات الفساد كان قد قال مؤخرا:” إن الفساد العابر للحدود كلّف العراق خسارة أموال طائلة تُقدر بالمليارات، وتُخمن إحصاءات وبيانات حكومية ودولية أن مجموع واردات العراق المتأتية من النفط منذ ٢٠٠٣ يقارب ألف مليار دولار، بينها ما لا يقل عن 150 مليار دولار من صفقات الفساد تم تهريبها إلى الخارج، وكانت كفيلة بأن تضع البلد في حال أفضل”
لو أن ما نُهب خُصّص لتحلية مياه البحر واستصلاح الاراضي وحفر الآبار، ولو أن كلمة العراقيين موحّدة في وجه الأطماع الخارجية، لنجح العراق في تجنب كارثة حتمية ستحل عليه، فالخليج المجاور نجح حتى الآن في جعل تحلية المياه جزءا كبيرا من استراتيجيته المقبلة.