سامي كليب:
أما وقد غرق لُبنان مُجدّدا بأزمة مع الخليج، فإن الحلّ لن يكون ثمرة أفكار جماعة سياسية حوّلت لبنان الى بلدٍ فقير مُحطّم يتسوّل عند أبواب الأمم ويعيد تشرّيع أبوابه لكل صراعات العصر وسط انقسام حاد بين المحاور، ذلك أن هذه الجماعة تفيد من الصراعات لتنتصر على بعضها البعض وليس لبعضها.
لا حاجة لمعرفة من سيفوز في المبارزة الجديدة، فالجميع رابح ولبنان والعرب جميعا خاسرون، لأن مصائبنا العربية المتعاقبة تتوالد عاماً بعد آخر، وفي كل عام تستهدف دولة عربية كطريدة حان وقتُ قتلها.
كلّ الأمم رتّبت أحوالها من حول العرب، ونحن غارقون بالفتن والبطالة ( 26 بالمئة من الشباب العربي عاطل عن العمل وفق الأمم المتحدة، وربما الرقم أكثر)، والأمية تفوق 100 مليون شخص أو ما نسبته 25 بالمئة من الشعب العربي (وفق تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألسكو”)، ونسبة مساهمة العرب بالعلوم والتكنولوجيا الحديثة في العالم تكاد تكون معدومة ( 0،02) بينما كل الدول من حولهم طوّرت ذلك على نحو كبير.
أما نتائج الكوارث العالمية على أرض العرب، ونجاح كل المؤامرات الخارجية باختراق أراضي العرب بسبب الانقسامات او القهر أو ابتعاد معظم الحكّام عن هموم شعوبهم للغرق في الفساد، فقد أحدثت زلازل كثيرة. يكفي أن نذكر أن الوطن العربي الذي يشكل ٥ بالمئة فقط من عدد سكان العالم، تعرّض ل 45 % من الهجمات الإرهابية عالمياً كما أن ٧٥ % من لاجئي العالم هم عرب و ٦٨ %من وفيات الحروب عالمياً هم عرب أيضا، ومعظم الحروب الحديثة والدموية (أكثر من 70 %) حصلت على أرض العرب.
لو عُدنا قليلا الى وثائق التاريخ التي كُشفت الآن في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد السوفياتي (سابقا)، لوجدنا أنه في كل الحروب والصفقات، كان العرب يتآمرون على بعضهم البعض، وذلك انطلاقا من وهم ” الانتصار”، ثم ما أن ينقشع الضباب، حتى يجدون أنفسهم جميعا مهزومين، بينما كل الأمم من حولهم تتقدم صوب مشاريعها. وها هم اليوم يجدون أنفسهم ، بين إسرائيل التي تحدّثت كل أدبياتها عن أهمية تقسيم الوطن العربي ( راجع دراسة آفي ديختر)، وإيران التي توسّعت واستقرّت في 5 دول عربية ( العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، اليمن) وتركيا التي صارت تدخل بجيوشها أو بدبلوماسيتها وتخرج كأنها في بيتها من العراق الى سورية فليبيا والصومال وغيرها، إضافة الى التنافس الغربي والشرقي المستمر على ارض العرب.
أين الخلاص؟
الواقع أن كل انسحاب عربي من دولة شقيقة، يفتح الأبواب للأمم المنافسة. هذه المعادلة البسيطة حضرت من جزر القمر الى دمشق فبيروت وغيرها. وأن عقاب الغياب لا يطال أنصار المحاور التي تقودها الأمم الأخرى، وإنما يؤذي المؤمنين فعليا بمشروع عربي نهضوي، فهؤلاء يجدون أنفسهم عالقين في صراع المحاور، لا ينتمون الى أي محور رغم تأييدهم القديم والعميق لفلسطين وأهلها ورفضهم لسياسات الاحتلال والدعم الأجنبي له ( وهو دعم غربي وشرقي كي لا نخطئ التقييم).
الآن هناك مشاريع واضحة، إسرائيلية (دائما) ، وايرانية وتركية وروسية وصينية إضافة الى المشاريع التقليدية التي ينسحب بعضها( أميركا) ويطلّ البعض الآخر برأسه مجدِّدا أحلاما قديمة بلغة أقل استعماراً من السابق وأكثر ” استحماراً” للنفوس الساذجة الضعيفة، فأين هو المشروع العربي؟
الواقع أننا حين نتحدث اليوم عن مشروع عربي، فلا نعني مطلقا تلك المشاريع الوحدوية الساذجة التي كانت أسباب فشلها في داخلها أكثر من آمال نجاحها بسبب تنافس القيّمين عليها وقلة درايتهم وانعدام خبرتهم أو حسن نوايا بعضهم الذي قارب البراءة السياسية، ولا نقصد الشطحات السياسية التي كانت تُعبّر عن أطماع أصحابها الفردية لا عن طموحات الشعوب وآمالها، وإنما المقصود مشروع تنموي نهضوي علمي تكنولوجي اجتماعي اقتصادي تكاملي، يدرس بعمق ثروات وامكانيات هذا الوطن العربي الكبير والغني بالثروات الطبيعية والبشرية والذي فيه الشباب يمثلون أكثر من نصف شعبه خلافا للمجتمعات الغربية والشرقية الهرمة.
لكن من يقوم بذلك؟
لو توفّرت القناعات، وتشكلّت فرق عمل عربية من مفكّرين ونخب اقتصادية وعلمية وتكنولوجية وطبية وقانونية وزراعية وصناعية وخبراء في إعادة تأهيل المجتمعات وبناء الإدارات وإعلاميين مؤمنين بنهضة وتطور وقدرات الوطن العربي، يُمكن الخروج بمشاريع علمية مدروسة وقابلة للتحقيق.
هذا أكثر من ممكن، شرط أن تتخذ الدول العربية أولا قرارا، بطي صفحة الماضي، وتقرّ بأن مشاكلها هي بالأصل داخلية وأدت الى فتح الأبواب لكل العواصف، وتقوم بنقد ذاتي يصحح أخطاء الماضي، ثم تقرّر بناء على المصالحة الكبرى المطلوبة، وضع آلية تطبيق المشاريع التي أتفقت بشأنها لجان الخبراء وفرق العمل والمفكرين والنخب.
لا شيء في عالم اليوم يحصل بالإكراه، ولا شيء يُقدّم مجانا، لذلك فإن الاتفاق على مشروع ” نهضوي” عربي شامل ومتكامل، يجب أن يُقنع كل دولة بأنه سيكون لصالحها إما اقتصادية أو تنمويا أو حتى سياسيا وأمنيا.
صحيح أن ثمة دولا تنجح انفراديا، فهناك نهضة مالية وعمرانية واقتصادية واجتماعية مثلا في الامارات، وهناك تحوّلات كُبرى دينية وثقافية وتربوية واجتماعية ولاحقا اقتصادية في السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، وثمة مشاريع هائلة قديمة ومتجدّدة في قطر، وثمة فورة اقتصادية وعمرانية وبنى تحتية كبيرة في مصر حاليا.. الخ، لكن هذا يبقى هشّا وضعيفا، لأنه سيكون معرّضا للاهتزام أمام كل أزمة طارئة. ( ألم يكن العراق وسورية والجزائر وغيرها في أوج نهضتهم حين ألمت بهم المصائب من الخارج او الداخل؟ ألم يتلاعب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على تناقضات قطر والخليج، أو الجزائر والمغرب؟).
الوطن العربي بحاجة الى مشروع نهضوي جديد وخلاّق، والى فكرة جدية جاذبة لا قسرية ولا قمعية ولا بالقوة، ما لم نفعل ذلك، فإن ما يحصل بين لبنان والخليج اليوم، وما حصل قبله بين الخليج والخليج (أزمة قطر) وقبله مع سورية والعراق وليبيا واليمن والجزائر والصومال ومعظم الدول العربية بلا استثناء، سيتكرّر بين حين وآخر الى يوم القيامة.
ولا بد من التأكيد على أن المشروع النهضوي العربي، يجب الاّ يكون قامعا للمكونات الأخرى في الوطن العربي من كرد وأمازيغ وسريان وشركس واشوريين وغيرهم، وانما عليه تعزيز ثقافتهم وحضورهم ولغتهم في الحضن العربي الأوسع، ويجب الاّ يكون عدواً لإيران وتركيا بل يتعاون معهما من موقع الند للند والشريك الفعلي، ذلك ان مثل هذا التعاون ضروري وحتمي لانتعاش الاقتصاد والتبادل التجاري ونهضة المنطقة بدلا من الغرق بالحروب، وأما إسرائيل، فعلى العرب جميعا أن يقرّروا بعمق وليس من باب النكاية او المصالح الضيقة والآنية لهذه الدولة او تلك، هل أن مصلحتهم العامة والكبرى هي بالانفتاح على عدو الأمس قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة أم لا. وهذا يجب ان يستند أيضا الى دروس التاريخ مع الاستعمارات ودراسات دقيقة حول واقع العالم اليوم لا الى الخنوع او العنتريات، لان غير ذلك يعني استفراد إسرائيل اليوم كما فعلت كل دول الاستعمار سابقا، بكل دولة عربية على حدة. (وانا يقيني الشخصي أن إسرائيل لن تتغير مهما فعلنا الا اذا قام بوجهها مشروع عربي حقيقي يفرض عليها ما ينبغي ان تفعله حيال أهلنا في فلسطين ولا يستجديها).
لقد جرّب العرب كل شيء، وتم تجريب كل شيء بهم وعلى أرضهم في تاريخهم الحديث، من استعمارات واحتلالات ودكتاتوريات ومشاريع قومية واسلامية ويسارية ويمينية وغيرها، وربما الآن الفرصة متاحة وكبيرة لتجريب مشروع عربي نهضوي حقيق وصادق.
خلاصة القول، إن مقاطعة هذه الدولة العربية من قبل دولة أو مجموعة عربية أخرى، لا تنفع سوى بارتماء تلك الدولة في حضن إحدى الأمم الكبرى من حول العرب. فهل من يسمع قبل ان نصبح امة في طور الانقراض ؟
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…