بايدن لشركائه: اُحبُّكم، لكنهم لا يصدّقون

باريس-مارلين حدّاد

لم يكن من السهل على الرئيس الأميركي جو بايدن إقناع شركاء أميركا بأنهم ما زالوا شركاءها، فبدا في خطابه من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة كعشيقٍ متخبّط يطعن عشيقته بالسكين وهو يصرخ ” والله أحبّك”. كيف يقنعهم بالحب وهو اعتلى المنبر تاركاً خلفه قلق الشركاء الدوليين والاقليميين بعد الانسحاب من أفغانستان، وطعنة لفرنسا بصفقة الغواصات مع استراليا، وإبعادا لباريس ومعظم الاتحاد الأوروبي من اتفاق Aukus للشراكة الأمنية بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا في منطقة المحيط الهادي لمواجهة الصين، والذي قالت صحيفة ” صنداي تلغراف ” البريطانية إنه تم ” من خلف ظهر إيمانويل ماكرون”.

هذه القرارات البايدينية أثارت ضده عاصفة كبيرة هنا في باريس على مدى الأيام القليلة الماضية، وطرحت أكثر من سؤال عن حقيقة التوجه الاستراتيجي الأميركي حيال أوروبا والعالم، خصوصا ان بعض قراراته أدت الى خسارات سياسية وأمنية ومالية كبيرة لفرنسا وآخرين.

لعلّ كل هذا ما دفع معلّقين عديدين الى توجيه انتقادات لخطاب بايدن رغم أنه استهله بالدعوة ” للعمل سويا، من خلال عصر جديد من الدبلوماسية ”  وذلك بغية  “مواجهة تحديات القرن الحالي من جائحة كوفيد 19 ( كورونا) والتغيير المناخي  الى الانتشار النووي” مكرّرا العبارة الشهيرة بأن ” أميركا عادت وانها جاهزة للعمل مع كل الدول التي اتخذت قرارها بإيجاد حلول سلمية للتحديات التي نتشاركها حتى مع تلك التي تباعدنا عنها خلافات عميقة ، لأنه ما لم نفعل فسوف نواجه جميعا نتائج الفشل” .

وفيما شدّد بايدن على ان  أولوية الأشهر الثمانية الأولى من حُكمه ” كانت لإعادة بناء التحالفات وبعث الشراكة الضرورية لأمن وانتعاش الولايات المتحدة” فإن الصين بقيت في عين العاصفة، وهو إن لم يذكرها بالاسم فان ” سهامه جميعا كانت مُسلطة عليها” وفق ما قالت صحيفة بوسطن غلوب مضيفة  إنه ينبغي أن نفهم ” أن أميركا ستفعل كل ما تستطيع من أجل مصالحها وليس مصلحة المؤسسات الدولية  وأن الموضوع الوحيد الذي يهم جو بايدن فعلا هو الصين، فهو وإن لم يذكر بتاتا بكين أو الصين أو تايوان أو هونغ كونغ، ولم يذكر اسم الرئيس الصيني ، لكن كل ما قاله كان يستهدف في الحقيقة الصين ويؤكد جهود أميركا لتطويق القوة الشيوعية الصاعدة “

وقد لاحظت صحيفة ” غلوبل تايمز” الصينية الرسمية:” أن خطاب بايدن كان تعبيرا فاقعا عن انتهازية السياسة الأميركية، فالرئيس الذي ردّد أنه لا يريد حربا باردة أخرى، وجّه كل سهامه ضد الصين، في أثناء تلميحاته الى حرية الملاحة، واحترام القوانين، والاتفاقيات الدولية ودعم إجراءات مراقبة التسلح لتخفيض المخاطر، وهي ملفات تتضمن دائما انتقادات أميركية للصين” .

في تعليقها على الخطاب قالت وكالة اسوشييتد برس الأميركية:” إن بايدن سعى لإقناع شركائه بأهمية العمل سويا، لكنه تجنّب الإشارة الى انتقادات حلفائه حول الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والعاصفة الدبلوماسية مع فرنسا .

من الواضح أن كل جهود بايدن لإقناع شركائه خصوصا الأوروبيين والخليجيين وغيرهم بأنه يفعل كل هذا ” لبناء عالم أفضل ولتقديم الدبلوماسية على الحروب” ليس مُقنعا ذلك أن التصرفات على الأرض تناقض التصريحات وتعيد الى الاذهان ما كان يكتبه معلقون أميركيون في أثناء عمل بايدن السابق في منصب نائب الرئيس او كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، من أن تخبّط سياسته وقراراته، تجعل الجميع قلقا او حذرا، خصوصا أنه غالبا ما تراجع عن قرارات كمثل موقفه  من تأييد الحرب على العراق ثم سحب التأييد ، أو الحرب على أفغانستان ثم المبادرة الى سحب القوات.

لكن المقرّبين من الرئيس يقولون إن الرجل ورث تركة ثقيلة وحبلى بالأزمات والتعقيدات من عهد دونالد ترامب، وانه  لا يُمكن الحكم عليه من خلال 8 أشهر خصوصا ان أميركا كادت تتفكك من الداخل ، فكل ما يفعله هو تهدئة بؤر التوتر العالمية، وإعادة الثقة واللحمة الى الداخل الأميركي،  والنزوع صوب الدبلوماسية، واستبعاد الحروب، وتعزيز قدرات أميركا وشركائها الغربيين في سياق  مواجهة التحدي العالمي الأكبر المتمثل بالصين أولا وروسيا ثانيا، ذلك أن التنافس العالمي على أشده وبكين كسرت الكثير من الخطوط الحمراء في السعي الى التقدم صوب المرتبة العالمية الأولى

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago