آخر خبرافتتاحيةمقال اليوم

أسرار وذكريات وزير خارجية لبنان الجديد

سامي كليب

السفير اللبناني السابق في واشنطن عبدالله بوحبيب الذي بات اليوم وزيرا للخارجية في الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، أدلى في خلال لقائي معه في العام 2004 في برنامج” زيارة خاصة” الذي كنت اقدّمه على شاشة ” الجزيرة” بمعلومات وأسرار مهمة وخطيرة، عن لبنان وأميركا واسرائيل وسورية، خصوصا أنه هو نفسه لعب أدوارا مفصلية حين كان كتائبي الهوى مع الرئيس السابق أمين الجميل، ثم حين أصبح موظفا كبيرا في البنك الدولي، أو سفيرا للبنان في واشنطن، وذلك لمّا كان لُبنان يغلي ويتفجّر ويشهد أبرز التحولات السياسية المحلية والاميركية على أرضه.    

وقد أخترت اليوم نشر هذا الحوار كاملا، نظرا لأهميته في فهم السياسة الاميركية من جهة، وفهم آراء وأفكار الوزير عبدالله بوحبيب الذي نشر كتابين مهمين ( الضوء الأصفر، وأميركا القيم والمصلحة) لفهم طريقة التفكير الأميركي كما هي وازاحة الكثير من الأوهام.

 

سامي كليب : لماذا تركت حزب الكتائب:

عبد الله بو حبيب: أنا تركت الكتائب ودخلت السفارة، لأن السفارة كانت تطلّب أن يكون السفير للجميع. تعلمتُ  كثيرا وتثقفت كثيرا بالسفارة وصرت أرى الأشياء بغير منظار، ثم ان عملي في  البنك الدولي كان مهما جدا لأرى الأمور من منظور أوسع ، كنت  أسافر عبر العالم من الشرق الأوسط الى المغرب فإيران الى بقية دول العالم، ، وهذا يجعلك توسع آفاقك ولا تتقوقع في بلدك أو بلدتك وتبقى في اطار التفكير الضيق  .

سامي كليب: لكن دخولك إلى السفارة في الواقع لم يلغ موقفك فقد  كنت تمثل أمين الجميل أثناء زعامته أيضا لحزب الكتائب ، وثمة من قال انك بقيت كتائبيا وربما أيضا قواتيّا.  

عبد الله بو حبيب [مقاطعاً]: دعني أقول لك شيئا،   الكتائب والقوات أصبحوا أعداء السفارة ولم  يتفهموا موقفي بأني أصبحت العب دورا غير الذي كنتُ العبه سابقا ، واذكر انه  كان يوجد شيء اسمه رابطة اللبنانيين الأميركيين أقمتُ اول مؤتمر لها بعد أن أصبحتُ سفيرا  وطلبت منهم أن يدعوا كل السفراء العرب ، وكان هدفي أن أوسع مشاركة العرب مع وطننا ونغير من أجواء التقوقع، فبدون العرب لا يعيش لبنان. 

سامي كليب: يعني هل أن  دعوة سفير عربي كانت تهمة بالنسبة لك؟

عبد الله بو حبيب: كانت تهمة لي، والقوات خاصة القوات أكثر من الكتائب كانوا  قد أصبحوا أعداء لي ، ويريدون رأسي، وهم أكثر من حاربني في واشنطن.   

موقف أميركا من الاتفاق اللبناني الإسرائيلي

سامي كليب: لكنك رغم ذلك لم تتردد طبعا في قيادة تظاهرة كبيرة للقوات في الولايات المتحدة الأميركية وجمع التبرعات للقوات ، لكن دعنا نعود قليلا الى الوراء،  صدر مرسوم تعينك كسفير في  30/3 عام 1983 وبدأت بممارسة عملك في الأسبوع الأول من شهر أيار من العام نفسه، طبعا شهر أيار/ مايو 1983 يدفعنا مباشرة للحديث عن الاتفاق الشهير اتفاق 17 أيار بين لبنان وإسرائيل أو على الأقل بين جزء من لبنان وإسرائيل لأنه عورض فيما بعد وأُسقِط  لبنانيا وسوريا ، أنت لم يكن لك دور لا في الاتفاق ولا حتى في إلغائه فيما بعد ولكن في هذه الفترة القليلة من أول عملك، يعني أول استلامك لعملك في السفارة حتى إلغاء الاتفاق، قرأت في كتابك “الضوء الأصفر” والذي رصدت فيه كل تلك التجربة، إنه حتى بعض الأميركيين في البداية لم يكونوا مشجعين للاتفاق وكانوا يعتقدون أنه قد يسقط فعلا، فماذا كانت يعني ردة فعل الأميركيين أو ماذا كان موقف الأميركيين تحديداً في تلك الفترة؟

عبد الله بو حبيب: كان ثمة خلاف بدأ يظهر في الإدارات الأميركية بين البنتاغون ووزارة الخارجية خصوصا بعد مرحلة رونالد ريغان  ، لكن وزير الخارجية آنذاك جورج شولتز  كان عراب الاتفاق، وكانت وزارته بالتالي  مؤيدية بقوة للاتفاق وعملت لإنجاحه ، بينما  جماعة البنتاغون كانوا بالعكس، يعتقدون بأن الاتفاق لن ينجح، ويقولون انه خُلق ميتا وكان الخلاف بين شولتز ووزير الدفاع واينبرغر كبيرا ، لا بل حتى بعض المقربين من إسرائيل في واشنطن لم يكونوا محبذين كثيرا للاتفاق، لانهم لم يستسغوا تدخلا أميركيا وكانوا يفضلون ان يحصل اتفاق مباشر بينهم وبين لبنان.

سامي كليب:  حين وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية وأنت طبعا درست هناك وتعرف جيدا تلك البلاد، وتزوجت من أميركية، كانت تلك فترة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فانت وصلت في العالم 1983  ، كيف كانت نظرة الاميركيين الى سورية بعد خروجها من لبنان في أعقاب الاجتياح؟

عبد الله بو حبيب:  الواقع أن جورج شولتز كان حاقدا على سورية، فو يعتبر انها افشلت له ما عُرفت بمبادرة ريغان للحوار العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي،  وانها افشلت اتفاق لبنان وإسرائيل ، لكن كان في الخارجية آنذاك مستشرقين او مستعربين يريدون علاقات جيدة مع سورية ويعتبرون ان النظام السوري رغم مآخذهم عليه هو عامل استقرار . والخلاف مع النظام بدأ منذ فكّر الأميركيون بالحاجة الى ثورة ضد الأنظمة العربية خصوصا بين عام 1982 و 1983، لكن تاريخيا كانت الخارجية الأميركية تعمل كي تكون سورية صديقة.  

سامي كليب: حضرتك ذكرت سابقا أن بشير الجميل ( الذي انتخب رئيسا أثناء الاجتياح الإسرائيلي ثم اغتيل لاحقا)  عَرَض على واينبرغر إقامة قاعدة أساسية للأميركيين في لبنان، ويبدو إن الأميركيين أنفسهم فوجئوا بالعرض  ورفضوه   

عبد الله بو حبيب: طبعا هذا موجود  في كتاب لواينبرغر وأنا سمعته طبعا لأني كنت قريبا من الشيخ أمين الجميل فسمعتها من قبل واينبرغر . كان همّ بشير كما همّ أمين فيما بعد هو إن يكون لبنان  سيدا  ومستقلا، فلا يخضع  لا لحاكم عكا ولا لحاكم الشام ، أي ان لا يتدخل لا الإسرائيليون ولا السوريون بشأن لبنان، وكان بشير قد انتقل وقتها من التحالف مع الإسرائيليين الى التحالف مع الأميركيين. وكان المبعوث الأميركي الى لبنان فيليب حبيب يقول لي عنه إنه كإبنه.

سامي كليب: الواقع إن السفير الأميركي آنذاك والذي فهمت أنك لا تحبه كثيرا  جون غونتردين قال لي بالحرف إنه هو  الذي اقترح على بشير الجميل أن يذهب إلى أميركا والعرب ويتخلى عن إسرائيل؟

عبد الله بو حبيب: صحيح. بالبداية بشير ما كان يحبه لكن من بعد ما اتفق معه تقاربا، وكان الاتفاق بعد زيارة فيليب حبيب وقضية زحلة،   وفيليب حبيب عرض على بشير تدريب القوات اللبنانية وتقديم بعض الأعتدة والأسلحة من  أميركا، كان  بشير بدأ يتغير، ولا شك انه إراد قاعدة أميركية في لبنان لاستقلالية القرار عن الإسرائيلي والسوري 

سامي كليب:  حسب ما فهم أن الأميركيين استخفوا بإقتراحه؟

عبد الله بو حبيب: واينبرغر استخف به نعم. كان يقول كيف سآتي الى بلد منقسم على نفسه ، وكل يوم فيه مظاهرات ضد الوجود الأميركي   

العلاقة مع الاسرائيليين 

سامي كليب: في فترة إلغاء اتفاق 17 أيار والفترة التي تلت طبعا أنت كنت قد أصبحت ممثلا للرئيس الشيخ أمين الجميل في الولايات المتحدة الأميركية، هل طُلِب منك اللقاء مع إسرائيليين هناك في واشنطن؟ وهل التقيت بإسرائيليين؟

عبد الله بو حبيب:   قبل إلغاء 17 أيار كنا نقبل أن نُدعى الى حفلات يكون فيها إسرائيليون.

سامي كليب:  في احدى نشراتها الصباحية، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية   نقلا عن المراسل السياسي لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن سفير لبنان في واشنطن عبد الله بو حبيب اجتمع أمس الأول مع بنيامين نتنياهو الوزير المفوض في سفارة إسرائيل في واشنطن واقترح عليه أن تبدأ حكومتا لبنان وإسرائيل فورا بمفاوضات حول انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بواسطة دولة ثالثة، صحيح الاجتماع؟

عبد الله بو حبيب: لا،لا أذكر أبدا إني اجتمعت بنتنياهو، هذا الخبر اسمعه منك للمرة الاولى

سامي كليب:  لكن الخبر نُشر في  صحيفة اللواء اللبنانية عام 1984.

عبد الله بو حبيب:  هذه بعض الشائعات التي كان الإسرائيليون  يوزّعونها من وقت لآخر خصوصا  بعد إلغاء اتفاق 17 أيار . لا أذكر أبدا اني    اجتمعت بنتنياهو في ذاك الوقت ، لان الحكومة تغيرت وجاءت  حكومة الرئيس  رشيد كرامي وكان  فيها وليد بك جنبلاط والأستاذ نبيه بري . وهكذا حكومة لا تقبل بمثل هذا  خصوصا انه كان فيها أكثر من نصفها أصدقاء لسورية وكانت حكومة وحدة وطنية ، اما ان اجتمع معه قبل الغاء الاتفاق فهذا ليس له أي معنى ، لأني وكما قلت لك   كنا نلتقي بحفلات وكان كثيرون ( من الإسرائيليين ) يتعمّدون لقاءنا في الحفلات . 

سامي كليب: حفلات ماذا؟ يعني التقيت بنتنياهو في حفلات؟

عبد الله بو حبيب: التقيت بنتنياهو في حفلات والتقيت به حين عملت مع البنك الدولي على موضوع فلسطين ،لكن بعد إلغاء 17 أيار وإقامة حكومة جديدة في لبنان توقف كل هذا لانه لم يعد له معنى.

سامي كليب: هذا خبر أيضا  في صحيفة  الشرق الأوسط في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر   1983  أي قبل إلغاء الاتفاق يكشف انك قمت  بمقابلة زعماء اليهود الأميركيين حيث أجريت محادثات وُصِفت بأنها غير رسمية، هل كان هذا النوع من اللقاءات مسموحا لبنانيا؟

عبد الله بو حبيب: عربيا حتى بمعظم الأوقات مسموح،   بقينا نجتمع مع اليهود الأميركيين ومع الجمعيات اليهودية لأنها مؤثرة  على السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، وإنك حين  تحاورهم بعض الشيء تُبت  لهم إن إسرائيل تُخطيء، أذكر أني  مرة كنت في نيويورك عام  1985 في لقاء مع جميعة وسألوني هل لبنان يريد السلام؟ قلت لهم السؤال هو حين تكون إسرائيل محتلة بلدا ثانيا هل تريد السلام؟ لأنه أي ثمن للسلام هو انسحاب إسرائيلي ثم نرى كيف تسير الأمور ، ثم اني طيلة وجودي في السفارة اللبنانية في واشنطن كنت التقي  بيهود أميركيين وصحفيين يهود.

سامي كليب:  ماذا كان إسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل يفعل في واشنطن أثناء أول زيارة قام بها الجميل إلى العاصمة الأميركية طلبا للمساعدة؟

عبد الله بو حبيب: قبل كل زيارة للرئيس جميل الى واشنطن كان يسبقه اليها مسؤولون إسرائيليون ليمهدوا الأجواء ، وفي أول زيارة له الى نيويورك وواشنطن جاء اسحق  شامير  

سامي كليب:   أين اخطأ أمين الجميل مع الأميركيين في تقييمه للسياسة الأميركية بالنسبة للبنان؟  

عبد الله بو حبيب:   أولا أمين الجميل اِعتقد أنه يستطيع ان يركب   حصان أميركا ويرمي السوري والإسرائيلي خارجا ، لكنه لم ينتبه الى ان الأميركي يتغير ويتبدل وان الثابت الوحيد في سياسات أميركا هي أنها تتغير دائما، فراح الأميركيون يتخلون عنه  .

سامي كليب: هل نصحه الأميركيون بضرورة الاتفاق مع سورية؟   

عبد الله بو حبيب: بعد حرب الجبل، وبعد ضرب قوات المارينز يعني في  20 تشرين الأول أكتوبر، قرّر الاميركيون الانسحاب، وقالوا اتفقوا بين بعضكم البعض أيها اللبنانيون ، وكانوا يدركون ان الاتفاق اللبناني-اللبناني مستحيل بلا سورية  التي لها مصالح كثيرة في لبنان ولا يُمكن تجاهلها.

رفيق الحريري

سامي كليب: حضرتك كنت ممثلا لرئيس الجمهورية أمين الجميل وسفير لبنان في واشنطن، لكنك نظّمت حفلا كبيرا لرجل الأعمال الشهير رفيق الحريري آنذاك ( قبل ان يصبح رئيسا للحكومة) في السفارة ودعيت اليها الجالية اللبنانية، رغم انه كان يقول انه ذاهب لإقناع الاميركيين بالتخلي عن الجميل ..  

عبد الله بو حبيب: كانت آنذاك العلاقة قد عادت بين الرئيس الجميل والحريري ، وكان الحريري يمثل السعودية. 

سامي كليب: لا ، لم تكن قد عادت آنذاك ، بالعكس تماما.

عبد الله بو حبيب: صحيح، معك حق، هذه كانت عادت  في أواخر  العام  1986. الواقع انه حين  ذهب رفيق الحريري الى واشنطن، لم اكن اعرف ماذا ذهب يفعل هناك حتى قال لي أحد المسؤولين الاميركيين انه تحدث ضد الجميل.

سامي كليب: لماذا اختلف مع الجميل

عبد الله بو حبيب: الخلاف بدأ اثناء  الاتفاق الثلاثي ( في سورية )  فأمين الجميل الذي كان يلتقي الحريري كثيرا قال له :” نحن صديقان فكيف تنساني وتقطع التواصل وتذهب لدعم ايلي حبيقة  ( قائد مسيحي انشق عن القوات وتحالف مع سورية)  مع وليد جنبلاط ونبيه بري وتدفع من اموالك كي يمشي الاتفاق الثلاثي في سورية  . هو اعتبر إن في الأمر خيانة  . لم نكن ندري اذا كان الأمر فقط من عند الحريري ام انه أمر سعودي، لكن الجميل انزعج جدا.

سامي كليب:  حصل لقاء بين أمين الجميل ورفيق الحريري على طائرة رفيق الحريري في قبرص بعد وساطات

عبد الله بو حبيب: صح

الحريري: انا اُخرج السوري وأحل الميليشيات ب 500 مليون دولار

سامي كليب: وأنت ذهبت للقاء الحريري بعد فترة أيضا في جنوب فرنسا وتنقل عن ذاك اللقاء وأنا سأُذكِرك بما قلت أنت شخصيا أود أن تؤكده لنا اليوم بعد مرور سنوات طويلة إنه  في خلال الحوار الذي حصل إقترح الحريري أن يكون  هو رئيس وزراء لبنان  على ان يصبح وجوني عبده الذي كان سفيرا للبنان في فرنسا ثم برن، رئيسا للجمهورية، وكان في اللقاء معكم شخص ثالث

عبد الله بو حبيب: خالد خضر آغا.

سامي كليب:  وقال الحريري  أنا ادفع تعويضا لأمين الجميل لكي يستقيل وقدره  ثلاثون مليون دولار وأنا مستعد أن آتي بالملك فهد إلى سوريا لإقناع الرئيس الأسد بضرورة أن يصبح جوني عبده رئيسا كما استطيع ان اخرج السوري من لبنان بمبلغ 500 مليون دولار.

عبد الله بو حبيب: وقال أيضا استطيع أن أحل المليشيات.

 سامي كليب: يعني كل هذا الكلام صحيح؟

عبد الله بو حبيب: طبعا هذا الكلام منشور ، وجريدة “السفير” نشرته كاملا وتم بثّه على التلفزيون، ولم ينفه الرئيس الحريري ولا مرة لانه صحيح ولا يستطيع تذكيبه ، هو فقط قال لاحقا ، كنت امزح . لكن فعلا قال الحريري :” أنا بجيب فهد بن عبد العزيز للشام حتى يقنع الرئيس الأسد بجوني عبده وثم وحياتك بـ خمسمائة مليون دولار بشيل السوريين من لبنان وبحل المليشيات وبنكون بألف خير”  أنا لم ار في الأمر مزحة لكني لم احمل الاقتراح للرئيس الجميل واخبرته به بعد عام يعني في صيف 1987 أي قبل عام من انتهاء عهده.   

سامي كليب: الاقتراح وصل الى سورية، لكن لماذا تمسّك الحريري بجوني عبده رغم ان ثمة من يتهمه بأنه كان رجل الأميركيين الأول؟

عبد الله بو حبيب: أعتقد ان رفيق الحريري تعلم السياسية اللبنانية على يد جوني عبده، الحريري في بداية الأمر كان بسيطا في السياسة اللبنانية وكانت معلوماته ضعيفة. ثم تعرّف على جوني عبده في اثناء المؤتمر اللبناني الكبير في سويسرا،  كان عند جوني   اتصالات أميركية وغير أميركية لأنه  كان مدير المخابرات في الجيش وكان  اليد اليمنى    للرئيس الياس سركيس  

انا والجنرال عون والأميركيون

سامي كليب: كيف نظر الأميركيون الى الجنرال ميشال عون حين سلّمه الرئيس الجميل رئاسة الحكومة ليلة انتهاء عهده.؟

عبد الله بو حبيب: قبل انتهاء مدة الرئيس الجميل كان الأميركيون خاصة جماعة البنتاغون مقتنعين إن الجنرال عون هو الرئيس الأفضل للبنان ويستطيع تهدئة الحال ومحاورة سوريا وضبط الأمور وعنده ضباط مسلمون معه وعنده القوة والقناعة الوطنية وهو قادر ان ينجح.

سامي كليب: وماذا كان رأيك أنت ؟ هل صحيح انك قلت للأميركيين حسب ما أذكر إن الجنرال عون عسكري ممتاز فلا تصنعوا منه سياسيا سيئا.

عبد الله بو حبيب: صحيح هذه قلتها حين كنا ما زلنا في عهد الرئيس الجميل، قلناها في حين لم تكن الخارجية الأميركية تريد ان تسمع عنه شيئا ولم تكن متفقة مع البنتاغون بشأن الخلافة، كانوا يريدون ان تجري انتخابات ، وهم حتى لو انهم كانوا يتمنون وصول مدني وليس عسكريا.

سامي كليب: بعد تكليف عون من قِبَّل الرئيس الجميل غيروا رأيهم وأنت غيرت رأيك يعني صار مطروحا كرئيس جمهورية؟

عبد الله بو حبيب: لا هم عارضوه ولم يكن مطروحا بأميركا، انتهت القضية. آنذاك

سامي كليب: انقسم لبنان آنذاك بين حكومتي عون وسليم الحصل وبقيت سفيرا في واشنطن ، واتُهمت مذّاك بانك تروّج للرئيس عون  ، ما الذي دفعك الى ذلك

عبد الله بو حبيب: كنت في الواقع أكثر تأييدا  لعون مما كنت مع الحص، ربما لان حكومة الحص اعتبرتني  منذ البداية مؤيدا لعون ، ومثل هذه الاتهامات تجرفك الى الطرف الآخر . 

سامي كليب: كلنا يذكر كيف انك في   21 نيسان/ ابريل  من العام 1989 أتصل بك الجنرال عون يخبرك عن قصف يقول إنه قصف سوري عنيف عليه وعلى المواقع وأنت نزلت إلى الشارع في أميركا وقدت تظاهرة كبيرة كانت للقوات اللبنانية دعما له

عبد الله بو حبيب: لا كانوا من  جماعة عون ، فآنذاك كانت جماعته بدأت تصبح اكبر من القوات ، لكن في تلك التظاهرة شاركت القوات أيضا رغم انهم ضمنيا لم يكونوا يحبونه.

سامي كليب: وجمعت تبرعات له. وكان الأمر سابقة، ان ينزل سفير بلد داعما لطرف ضد آخر  

عبد الله بو حبيب: لا يومها كانت الحكومة الشرعية هي حكومة الجنرال عون بالنسبة لي والأميركيون اعترفوا ضمينا به  حتى ولو ان الخارجية عارضته، 

سامي كليب: حضرتك ذكرت ان بعض الأميركيين   سألوك عن القدرات العقلية للجنرال عون .

عبد الله بو حبيب: نعم،  أعتقد أن  ملاحظتك صحيحة، وإذا كنت أنا  كاتبها فهي صحيحة، ففي الخارجية كانوا ضده عمليا، واحدهم رفض استقباله في وزارة الخارجية.

سامي كليب: هل لان انصار الجنرال عون طوقوا السفارة الأميركية ؟

عبد الله بو حبيب: الأميركان انزعجوا منه جدا ،  ولم ينسوا تلك التجربة التي اجبرتهم على الانسحاب الى قبرص، حصل ذلك في أواخر أيلول/سبتمبر 1989، فما عادوا يريدون السماع بميشال عون.   

سامي كليب : هل اخطأ ميشيل عون حين استورد صواريخ من العراق أي من الدولة التي كانت نواقيس خطر واشنطن قد بدأت تُدق حيالها وحيال نظام صدام حسين.

عبدالله بوحبيب: ربما نعم. فهذا جعلهم أكثر معادة له.

سامي كليب: ولماذا احتل أنصاره سفارتك في واشنطن.

عبد الله بو حبيب:  الواقع أني آنذاك وقعت في حيرة من أمري، فاذا    تركتهم وكسروها ، ساُتهم بأني سمحت لهم بذلك، وإن استدعيت الشرطة وطردتهم سأتهم بأني أصبحت ضدهم، حينها دخلت في مفاوضات مع الجنرال عون الذي كان يريد امتحان شرعيته في أميركا، وبعد مفاوضات قبل الانسحاب ثم تم تحويل نصف مليون دولار من السفارة بطلب منه، وكان لدي مليون دولار

سامي كليب: وتم تجميد النصف الثاني  فيما بعد بطلب من حكومة الحص.

عبد الله بو حبيب: من بعد ما إتحولوا تم تجميده، “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب ” وانا فقط اتصلت ببنك عودة لأتاكد من أن الحسابات رسمية وليست شخصية   

ماذا تريد أميركا من لبنان؟

سامي كليب: هل فهمت بعد تجربتك الطويلة في اميركا ومعهم، ماذا يريد الاميركيون من لبنان ؟

عبد الله بو حبيب:   لبنان دولة مناطة بالإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط ، يريدونها أن تبقى  دولة مستقلة وسيدة ويتمنون أن تقتنع سورية بالخروج منها وكذلك إسرائيل ، وهم يعرفون كما كان يقول لي فيليب حبيب أنه من المستحيل فصل لبنان عن قضية الشرق الأوسط، وان عملية الفصل فشلت، ولذلك كانوا يقولون لي وللأخرين، عليكم العمل مع العرب ومع الأميركيين كي تُحل القضية الفلسطينية فتُحل قضايا لبنان.   

بعد سنوات من عودته الى لبنان ومن العمل في البنك الدولي، اهتم  عبدالله بوحبيب بمركز فكري ثقافي سياسي أسسه عصام فارس رئيس الحكومة السابق، وصار لاحقا أحد أعضاء خلية فكرية ثقافية سياسية تلتقي اسبوعيا بالجنرال ميشال عون بعد عودته الى لبنان لمناقشة السياسة معه، ولما صار عون رئيسا صارت اللقاءات نادرة جدا. ويُعتبر عبدالله بوحبيب وزير الخارجية اللبنانية الجديد أحد أهم الخبراء بالسياسة الأميركية في الداخل والخارج وغالبا ما يصحح الكثير من أخطاء السياسيين والاعلاميين في تحليلهم لبعض ظواهر هذه السياسة التي تختلف كليا عن بواطنها. وله علاقات ممتازة مع معظم الدول العربية الفاعلة، وعلاقات قوية مع مختلف الأطراف اللبنانية ، لكن السؤال : هل سينجح في فتح آفاق جديدة في السياسة الخارجية، أم تطوقه المافيا كما فعلت مع خلفه ناصيف حتي الواسع الثقافة والعلاقات الدولية والعربية فاستقال؟ 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button