وسائل التواصل لا المساجد في الانتخابات المغربية
أيمن مرابط – الرباط
في أحد مقاهي العاصمة الرباط، يجلس خالد المغراوي “طالب جامعي” يتصفح البوابات الإلكترونية عبر هاتفه الذكي باحثاً عن هدف غير محدد المعالم، يقوم بفتح حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بشكل متواصل، فيجد دعوات عديدة لإضافة أحزاب أو زعماء سياسيين لم يكن يراهم إلا عبر التلفاز، أو في مهرجانات خطابية إبان الحملات الانتخابية. وبدافع الفضول، يضغط على زر “إعجاب” لكل الدعوات ويتمعن في ثنايا تلك الصفحات، معلقاً تارة، ومشاهداً لمقطع فيديو تارة أخرى.
يقول خالد في حديثه مع موقع لعبة الأمم “من الجيد أن ترى السياسيين يخاطبون الشباب عبر طرق حديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي، لأن التجمعات الخطابية في شكلها التقليدي عفا عليها الزمن”. ويضيف الشاب المغربي، معلقاً على اختيار عدد كبير من مرشحي الانتخابات لمواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملاتهم الانتخابية، أنه “في الماضي كانت الأسواق الأسبوعية والحمامات الشعبية والمساجد أماكن استراتيجية يقصدها الساسة من أجل جذب الفئة الناخبة. لكن مع تعاظم دور الشباب داخل المجتمع، صاروا هدفاً لا محيد عنه، وبالتالي فأقرب وسيلة إلى استمالتهم لأجل المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات هي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، كونهم دائماً معتكفين أمامها”.
في المغرب، وفي ظل المخاوف من تفشي فيروس كورونا والحفاظ على صحة المواطنين عقب الإعلان عن بدء الحملة الانتخابية يوم الخميس 26 آب/ اغسطس (غشت) 2021 والتي ستنتهي في الساعة الثانية عشرة ليلا من يوم الثلاثاء 7 أيلول” سبتمبر (شتنبر )2021، انتهجت الحملات الانتخابية في المملكة شكلا جديدا، حيث باتت منصات التواصل الاجتماعي مقصدا رئيسيا للمرشحين في محاولة للتعبئة السياسية والدعاية لبرامجهم محاولة منهم إقناع الناخبين بالتصويت لهم. كما شكلت أيضا الصفحات الالكترونية للأحزاب السياسية والمرشحين منصة للدعاية عبر الصور والمقاطع المرئية (فيديوهات)، لتصبح هذه الأدوات الحديثة كآلية للتواصل مع كتلة الناخبين وبديل غير تقليدي للتواصل المباشر معهم.
يبلغ عدد الأحزاب المشاركة في الاستحقاق الانتخابي 31 حزبا، تقوم من خلال مرشحيها بالترويج لبرامجها السياسية وأنشطتها الاجتماعية عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي في شكل ملصقات تعريفية، تتضمن أسماءهم وشعاراتهم وبرامجهم الانتخابية، فضلاً عن نشر نشاطاتهم في المواقع الإخبارية التابعة للحزب الذي ينتمون إليه.
في نفس السياق، لجأ بعض المرشحين في الاستحقاقات لهذه السنة إلى مخاطبة الناخبين رغبة في استمالتهم عبر منشورات على “فايسبوك”، أو من خلال تغريدات موجهة على “تويتر” أو تسجيلات فيديو قصيرة على منصات مثل “سنابشات”، بينما قام آخرون باللجوء إلى البث المباشر على “انستغرام” أو تنظيم ندوات انتخابية بتقنية التناظر المرئي.
وحيث أن الاستفادة القصوى من هذه الوظيفة الحديثة التي تؤمنها وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال تعتمد على القدرة على التأثير في الناخبين وليس فقط على زيادة عدد المؤيدين. وتسهم أيضا في تحسين ودعم مواقفهم، وتعزيز صورة المرشح، والتركيز على إيجابياته العملية والشخصية التي يمكن أن تخدم برنامجه الانتخابي وفق خطة وحملة تسويقية منظمة ومدروسة.
يقول محمد أكديد “باحث في علم الاجتماعي السياسي”، إن “الحملات الالكترونية تلعب دورا كبيرا في الترويج للمرشحين، وأغلب الأحزاب تستخدم هذا النوع من الحملات”، وتعتمد عليها بشكل كبير “الأحزاب الكبرى” مثل “حزب التجمع الوطني للأحرار” و” حزب الأصالة والمعاصرة”، نظرا للإمكانيات الضخمة التي رصدها لحملته الانتخابية”.
يضيف وكيل لائحة “الحزب الاشتراكي الموحد” بمقاطعة سيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، أنهم في الحزب يستخدمون كل وسائل التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر عدد ممكن من المتابعين وإقناع شرائح مجتمعية مختلفة ببرنامجهم الانتخابي”، ملفتا بذلك إلى أن “العمل الميداني لا يزال تأثيره قوي ولا يمكن تبخيس أهميته، حيث التواصل المباشر مع المواطنين هو الأساس في الأمر.
ويشير أكديد إلى أن “يتم رصد ميزانيات ضخمة حسب ثراء الأحزاب الكبرى، وهذه المسألة تلعب أحيانا دورا حاسما في تعزيز حضور الأحزاب الكبرى مثل وتقوية حظوظهم في الفوز بالانتخابات على حساب أحزاب أخرى”.
وحسب المتحدث ذاته، فإن الحزب الاشتراكي الموحد الذي ينتمي إليه، يراهن بدرجة كبيرة على الصفحة الرسمية بالفيسبوك أو صفحة “الدكتورة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب”، التي تلقى رواجا مهما وتفاعلا كبيرا، ثم الصفحات الخاصة بالمرشحين الآخرين.
مَن يُنافس مَن؟
تتنافس في الانتخابات التشريعية الحالية 1704 لائحة، تشتمل في المجموع على 6 آلاف و815 ترشيحا، أي بمعدل يفوق 17 ترشيحا عن كل مقعد”.
وبخصوص ترشيحات النساء المسجلة برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب، فقد بلغت في المجموع 2329 ترشيحا، أي بنسية 34.17 بالمئة من العدد الإجمالي للترشيحات.
أما عدد الترشيحات المقدمة على الصعيد الوطني، في ما يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس البلديات، بلغ 157 ألفا و569 تصريحا بالترشيح.
فيما يبلغ عدد الناخبين 17 مليونا و983 ألفا و490 (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق بيانات رسمية.
من جانب آخر، ترى كنزة حسيني الخضير وهي فاعلة مدنية وطالبة باحثة بمدينة مراكش، أن الحملات الإلكترونية للأحزاب هي “فرصة لإبراز دور الإعلام البديل في هذا الاستحقاق السياسي، والذي سحب البساط من تحت الإعلام التقليدي، وساهم في تقريب عدة وجوه سياسية من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقول كنزة في حديثها لموقع “لعبة الأمم” أنه ” حتى الآن، الأحزاب السياسية فشلت في دعاياتها لبرامجها الانتخابية وفي طريقة تواصلها مع المواطنين عبر الوسائط الالكترونية”، واصفة أن “حملتها الانتخابية الالكترونية، هي مجرد دعاية وإشهار لصور المرشحين بشكل استعراضي فقط”.
أضافت الباحثة في العلوم السياسية أن “بعض ممارسات الأحزاب أو المرشحين فيها تدليس لبعض المعطيات وتمرير مغالطات على المتابعين”، بل و”اقتحام للخصوصية لبعض المواطنين” عبر استخدام بياناتهم الشخصية في الدعاية دون إذن”، متسائلة بذلك “هل نحن أصبحنا بحاجة ماسة إلى مدونة قانونية رقمية مهمتها هي مراقبة المحتوى الرقمي للأحزاب السياسية؟”.
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن “انخراط الأحزاب في الفضاءات الرقمية ووسائل التواصل الرقمي جاء متأخرا في هذه المرحلة، وحضورها في الساحة الرقمية لا يرقى للمستوى المطلوب، في ظل غياب استراتيجية تواصلية حديثة لدى أغلب الأحزاب والمرشحين السياسيين، كما أنه لا يواكب ال، مؤكدة أنه “كان من المفروض أن يحدث هذا الأمر منذ سنوات، وليس فقط عند اقتراب الانتخابات التشريعية”، وآملة أن “يستمر هذا التواصل بعد الانتخابات ويُستثمر مستقبلا بطريقة أفضل”.
ولفتت كنزة حسيني في ختام حديثها إلى أن لجوء الأحزاب للحملات الانتخابية الالكترونية هو “مناسبة للتأكيد على الدور الحاسم والبارز الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي خاصة “الفايسبوك” في المشهد السياسي بالمغرب، وفي الوقت الذي وصفها بعض “السياسيين التقليديين” ب” الوسائل التافهة ولعب الأطفال” سابقا، هم حاضرون اليوم وبقوة على نفس الوسائل والمواقع”.
يذكر أن وزارة الداخلية المغربية منعت إقامة التجمهرات الخطابية، وعدم تجاوز بضعة أشخاص في الجولات الميدانية، مُقابل حصر القوافل الانتخابية في خمس سيارات، كنوع من التدابير الاحترازية الخاصة بوباء كورونا.
وتعد هذه الانتخابات، الثالثة من نوعها في ظلّ الدستور المغربي الجديد، والخامسة في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس.