يشهد بحر الصين الجنوبي توترات محتدمة وسط تسارع وتيرة المناورات العسكرية الآتية من كل حدب وصوب، ويبدو أنه جبهة متقدمة في مساعي واشنطن الرامية لاحتواء بكين كهدف أول في سياستها الخارجية.
بالمقابل وأمام دخول الهند في سياسة التفاعل شرقًا تواصل الصين بناء جزرها الاصطناعية هناك فيما بات يسمى بـ”حاجز الرمل العظيم”، ما يوحي بأن بحر الصين الجنوبي تحوّل بممراته الحيوية واحتياطاته من الطاقة إلى ساحة صراع جيوسياسي يتجاوز خلافات الدول المطلة عليه.
أهميةبحر الصين
يحظى بحر الصين الجنوبي بموقع استراتيجي مميز حيث يقع بين المحيطين الهادئ والهندي ويحاط بتسع دول آسيوية ذات ثقل اقتصادي كبير من بينها الصين وماليزيا وسنغافورة. لعلّ وجود تلك البلدان جعل من هذا البحر معبرًا تجاريًا مهمًا في العالم، ذلك أن حجم التجارة التي تمر به سنوياً اقترب من (80%) ثمانين في المئة من التجارة العالمية، وتشير الإحصاءات الى أن قيمة البضائع سنويًا تجاوزت خمسة تريليونات دولار أميركي وتحظى الصين بنصيب الأسد من تلك القيمة. كما يمر من خلاله سنويًا تريليون ومئتا مليار (1,2) دولار أميركي من التجارة الأميركية، وهو يربط واشنطن بعدد من شركائها التجاريين.
كل تلك المعطيات جعلت من تلك المنطقة محلّ نزاع دولي، حيث يشهد بحر الصين الجنوبي إثني عشر (12) نزاعًا حول ملكية الجزر الموجودة فيه.
الصين و”حاجز الرمل العظيم”
تنناثرت في بحر الصين الجنوبي عشرات الجزر الصغيرة والشعاب المرجانية التي دارت حولها مواجهات عنيفة في العامين 1974 و1988 ثم في العام 2012، فسقط عشرات القتلى في خلال حروب خاطفة دارت رحاها بين ڤييتنام والصين، حيث استحوذت الأخيرة على جزر الباراسيل (Paracel Islands) المعروفة أيضا باسم شيشا باللغة الصينية وباسم هوانغ سا بالفيتنامية. كذلك سيطرت على جزر سبراتلي Spratly Islands الواقعة بين كل من فيتنام والفلبين والصين وبروناي وماليزيا، وذلك في سياق الاصرار الصيني على السيطرة على ما تعتبره بكين حقوقًا تاريخية.
بيد أن ذلك ليس سوى جانبًا صغيرًا من جبل الجليد، إذ تصطف خلف الصين وفيتنام كلٌّ من الفيليبين وماليزيا وبروناي وتايوان لتطل جميعها على جبهات النزاع راسمةً خرائط متداخلة من الحدود البحرية، وحتى تايوان تلك الدولة التي لا ترفض مطالب السيادة الصينية عليها وحسب، بل تؤكد حقّها أيضًا في جزيرة إيتو أبا Itu Aba والمعروفة بجزيرة تاي بينغ Taiping Island، وتسيّر إليها رحلات على مرأى من بكين.
الجدير ذكره أن دخول إتفاقية قانون البحار الأممية حيّز التنفيذ في العام 1964، لم يكن كافيًا حينها للحدّ من النزاع الحاصل أو إيجاد مخرج يرضي الأطراف المتنازعة، وحتى وقتما كانت المحكمة الدولية تستعد في العام 2016 لإعلان حكمها بشأن جزر “سبراتلي” و”سكاربورو شول” في انتصار للفليبين، كانت الصين تقاطع الجلسات وتتعهّد، بحماية مصالحها بقوة السلاح لديها.
في تلك المرحلة، كان ثمة شيء آخر يتطور على نحو مثير للاهتمام وذلك عندما التقطت أقمار إصناعية صور شعاب مرجانية، حيث ارتفعت على شكل جزر تعلوها الرمال والمنشآت ما يفسر بداية الصين في مشروعها الخاص بالجزر الاصطناعية فيما أضحى يسمى “بحاجز الرمل العظيم” وبنت لتلك الغاية سفن تجريف عملاقة على غرار “تيانجين” و”تيان كون هاو”.
في حقيقة الأمر، لم تكن الصين تتحسب للصراع ففي تلك الفترة، لكن تبيّن لها أنه في العام 2016 كانت مانيلا قد وقّعت مع واشنطن ملحقات جديدة في إتفاقية الدفاع. أما اليوم فالصين والولايات المتحدة وحلفاؤهما يتناوبون على استعراض القوة في بحر الصين الجنوبي البالغ الأهمية استراتيجيا وأمنيا واقتصاديا، وقد يكون موقعه في العقيدة الأميركية الجديدة سببًا آخر في مواجهة الصين في عقر دارها واللعب حولها على تناقضات الخصوم.