أفغانستان: بين الشعر والمرأة والتفسير الخاص للقرآن
د.نوال الحوار
بداية معرفتي بالشعر الأفغاني كانت صادمة قرأت عن مقتل الشاعرة نادية أنجومان على يد زوجها في عام 2005 بعد نشر كتابها الشعري الرومانسي.
طالما كان الشعر والموسيقى جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية الأفغانية قرأنا في تاريخ الشعوب أن ماي كتب بالدم لا يمحى ابدا، لذلك لم ننسى المرأة الأفغانية وما حصل للشاعرة البشتونية ربيعة بلخي، عندما سجنها أخوها في غرفة ثم قتلها، عاشت بلخي في القرن العاشر وقيل أنها كتبت نصوصها باللغة الفارسية معبرة عن الحب والرغبة والحياة، وأخر ما كتبته كان داخل الغرفة التي قتلت فيها مستخدمة دمها، وقتلت لأنها وقعت في غرام العبد .
قسوة المجتمع الأفغاني وعدم تفسيره للشريعة الإسلامية إلا من منظور متشدد دفعا معظم الأدباء في افغانستان للهجرة خارج البلاد ….
فسرت الآية الكريمة في سورة الشعراء التي عدد آياتها ٢٢٧ أية تفاسير كثيرة وتحديدا عندما ورد في الآية٢٢٤ (الشعراء يتبعهم الغاوون ) كان نصيب تفسير هذه الآية عند الأمة البشتونية أن الغاوون تعني تحديدا من يحرضون على الفسق.
من يعرف تاريخ شيخ المجاهدين الأفغان والعرب وابوهم الروحي على حد سواء الشيخ عبدالله عزام، لن يستغرب مطلقا عدم فهم الآية الكريمة بشكلها الصحيح .فتبعا للظروف السياسية والاجتماعية تأرجح الشعرالأفغاني بين الصعود والنزول ولكن معظم الحديث منه شعرا أو رواية كان ثمرة المنفى ولعل تجربة عتيق رحيمي وخالد الحسيني جديرة
بالتوقف عندها، ففي رواية “عداء الطائرة الورقية” يبدأ كاتبها خالد الحسيني بالقول :”مخطئون فيما قالوه عن الماضي ،لقد تعلمت كيف أدفنه. إلا أنه دائما يجد طريق عودته”
رصد الكاتب في عمله تقلبات المجتمع الأفغاني منذ أيام الملك ظاهر شاه مرورا بالاحتلال السوفياتي وصولا لدخول طالبان إلى العاصمة كابول عبر قصة أمير الطفل البشتوني المدلل وصديقه حسن المنتمي للهزارة ( وهي الأقلية الشيعية) التي تعتبر درجة إجتماعية ثانية حسب المجتمع الأفغاني
وقد ضمنها الكاتب عبارات واحاسيس تحبس الأنفاس أحيانا وتسقط الدمع أحيانا أخرى .مع التأكيد على أن أفغانستان بلد جميل هواؤه عليل كان فيه دور للسينما وحدائق عامة ،وتعتبر هذه الرواية الأولى في الأدب الأفغاني الحديث وقد صدرت عام ٢٠٠٣ وبيع منها سبعة ملايين نسخة فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وتصدرت قائمة الأكثر مبيعا لعامين متتالين
أما في روايته الأخرى “ألف شمس ساطعة” فقد سلط الضوء فيها على ما تعرضت له المرأة الأفغانية من ظلم وقسوة عبر حبكة درامية بطلتاها مريم وليلى، إمرأتان من جيلين مختلفين تتوحدان في ظلم رجل واحد ومجتمع واحد …فتضحي الأولى بنفسها لتنقذ الثانية في تواطؤ قل نظيره في العلاقات البشرية، وبحكم عمل المؤلف فهو طبيبا شخّص الحالات النسائية التي كانت تحدث في المستشفيات والتي تتجسد فيها قمة المعاناة الإنسانية
أما عتيق رحيمي الذي كتب روايته (نساء في المنفى) فقد سلط الضوء على مجموعة نساء أفغانيات تعرضن للظلم والتهميش والقسوة في مجتمعهن، وكتب عمله برؤية صوفية سينمائية، وصف فيها المجتمع الأفغاني، كيف يجلد من يتأخر عن الصلاة، وتحفيظ القرآن للأطفال في الكتاتيب:
إنها سلطة الدين بشكله الموحش البعيد عن مظاهر الحداثة والمعاصرة في “حجر الصبر ” يحدثنا رحيمي عن المرأة التي تنظر إلى جثة زوجها المسجى امامها في غرفة موحشة كوحشة تلك البلاد ،تعتني بها وتلعنها وتحبها في الوقت عينه ضمن منولوج داخلي يشبه بلادها، تلك المرأة المنكسرة إلى ألف شخصية تبكي وتضحك وتقرا القرآن وتمارس الجنس وتلعن القدر….إنها أفغانستان الجريحة المتناقضة ما بين حاضرها المؤلم وماضيها البعيد الباذخ
من يتتبع الأدب الأفغاني بعد مرحلة السبعينيات سيجد أن معظمه يدور في حلقة الحقبة السوفيتية وما تضمنته من تعسف والغاء للأخر وصولا للحروب الداخلية بين القبائل المتناحرة على النفوذ الديني والقبلي ،وتبقى المرأة هي الحلقة الأضعف في دائرة النار التي خلقتها الأقدار في ذلك البلد الذي لم يعرف الاستقرار مطلقا .
وأخيرا اترككم مع هذا المقطع الشعري للشاعرة الأفغانية ليلى روشتي التي هاجرت إلى هولندا تاركة خلفها لعنة الحرب
لبلادها وهناك اسست “مجلة حواء في المنفى” وتوفيت لاحقا بمرض السرطان :
أعتدت الوحدة
أنت لن تأتي
أنت لن تأتي
من أنفاس الطيور
والربيع كم هو خاو من أنفاس
الطيور
————————————————–
الكاتب: دكتورة نوال الحوار
إعلامية وأديبة وشاعرة