آخر خبرمقال اليوم

بيرنز في إسرائيل… الهاجس الإيراني ولكن.

هادي جان بو شعيا  

وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران على خلفية حرب البحار أو “حروب الظل” كما باتت معروفة، فضلاً عن صواريخ إعادة تثبيت قواعد الاشتباك في جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب الله، ناهيك عن الحدث ربما الأهمّ الذي تمثّل بتنصيب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، وصل مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (CIA) الدّبلوماسي المُخضرَم ويليام بيرنز إلى مطار بن غوريون في تل أبيب يوم الثلاثاء الماضي.

في زيارته التقى بيرنز رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، ونظيره الإسرائيليّ ديفيد بِرْنيَاع، ووزير الدّفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قبل أن ينتقل إلى رامَ الله ويلتقي رئيس السّلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس ونظيره الفلسطيني ماجد فرج.
تركّز اللقاء حولَ الوضع في إيران وملفها النووي والوضع في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى تعزيز التّعاون الاستخباري بين البلدين في ظل حرب البحار القائمة بين طهران وتل أبيب.
قدّم برنيَاع، خلال الاجتماع، دراسة أعدّها الموساد عن الرّئيس الإيراني الجديد رئيسي، شخّصت معاناته “اضطرابٍ عقليٍ” لا يُؤهّله لاستكمال المفاوضات النّوويّة، فضلاً عن كونه “قاسيًا” وغير جدير بالثّقة، بالإضافة إلى أنّه “فاسد” و”لا يلتزم بوعوده”.
كما تم التطرق الى استهداف النّاقلة الإسرائيليّة “ميرسر ستريت” في بحر عُمان أواخر تمّوز الفائت، حيث أصرّ برنياع على ضرورة الرّدّ الجماعي على إيران كي لا تصبح النّاقلات الإسرائيليّة هدفاً دائماً للمُسيّرات والأذرع الإيرانيّة، إلا أن بيرنز أكد أن بلاده لا تُريد تصعيد الأوضاع مع إيران في الوقت الحاليّ، خصوصًا أن التحقيقات الأميركية وصلت إلى نتيجة أنّ المسيّرة انطلقت من اليمن وليسَ من إيران، وأنّ بلاده تعاملت بأسلوب مناسب مع المجموعة المسؤولة عن إطلاق المسيّرة.
كذلك الأمر بالنسبة لصواريخ حزب الله في مزارع شبعا حيث كانت هي الأخرى حاضرة خلال اللقاء وكان التّلاقي بين الطرفين على أن المسألة مرتبطة بحسابات إيرانيّة تتعلّق بالضّغط على الأطراف المُفاوِضة في فيينا. فيما أكّد بيرنز لنظيره الإسرائيلي أنّ بلاده تشدّد على أنّها لا تريد تصعيداً في المنطقة التي تسعى إلى الانسحاب منها بـ”هدوء”.
الهدوء نفسه تمنّاه بيرنز في مسألة التّعامل مع الملف النّوويّ الإيراني؛ وهذا ليسَ تفصيلاً؛ ذلك أن بيرنز كان أحد الشّخصيّات التي فاوضت إيران سرّاً قبل التوصل إلى الإتفاق سنة 2015.
لكن أهمية توقيت الزيارة التي قام بها بيرنز إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية تأتي بعد حدثيْن متباعديْن:
– توجيه أصابع الاتهام إلى إيران بعيد استهداف ناقلة النفط الإسرائيلية باستخدام قاذفات محمولة من طائرات مسيّرة.
– ورود أنباء سارة من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يشجع الآن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وإيران على استئناف الجولة السابعة من مفاوضات فيينا المزمع إجراؤها مطلع الشهر المقبل.
تزامن ذلك كله مع اندفاعة تل أبيب إلى ضرورة الانتقام من إيران عبر حثّ كل من واشنطن ولندن على المشاركة في رد فعل على طهران، لكن حكومتَي الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون قررتا عدم الهرولة، إذ جاز التعبير، خلف أي عمل إنتقامي، الأمر الذي عزّزه، في الأمس القريب، اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي تماهى مع المنحى الدولي باحتواء أزمات الملاحة البحرية والهجمات على بعض السفن وناقلات النفط في المنطقة سواء في الخليج أو سواها.
ويمكن القول أن زيارة بيرنز أتت في إطار تهدئة روع الإسرائيليين في هذه المرحلة ودعوتهم إلى “عقلنة” أي تصرفات قادمة ازاء إيران.
أمام هذا المشهد لا بد من التوقف قليلاً عند أنباء خرجت بها وكالة بلومبرغ تفيد أن هناك تنازلاً تعتزم إدارة بايدن تقديمه لإيران من خلال رفع جزء من العقوبات عن ايران مقابل تجميد التقدم الحاصل في تخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية الإيرانية.
والأكثر من ذلك، تنتاب الادارة الأميركية مخاوف حول قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60% وهي أبعد بكثير من نسبة 4 % التي تقبل بها الولايات المتحدة وسائر المجتمع الدولي.
لكن، وعلى الرغم من ذلك، يجب عدم خلط “مسارات التفاعل” الأميركي-الإسرائلي والأميركي-الإيراني في هذه المرحلة، بدليل ما سيسمعه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في خلال زيارته المرتقبة إلى البيت الأبيض، باتخاذ حكومة بايدن خيارًا استراتيجيًا من خلال المضي قدمًا في طريق التفاوض مع الإيرانيين، واستئناف العمل بالاتفاق النووي مع إبلاغ الإسرائيليين والعرب الخليجيين بطبيعة هذا التقدم، وإن كانت إدارة بايدن تحاول إقناع إسرائيل بأنها لن تتخلى عن دعمها العسكري وأولويات تفوّقها الإستراتيجي في المنطقة.
اذا هناك مسارات منفصلة تجري حاليًا، بحيث لا يمكن أن تتضارب أو أن يقضي مسار على آخر، ولذلك كان ملاحظًا أن الاخبار الواردة من الاتحاد الأوروبي شكلت بشرى سياسية سارة لكل من البيت الأبيض وللرئيس الإيراني الجديد رئيسي.
ويبدو أن خارطة الطريق تنبئ بالوصول إلى ما يمكن اعتباره بالمفاوضات الدولية مرحلة “براغماتية جديدة” ربما لم تتوفر من قبل، ما يشي بالتوصل، ولأول مرة، إلى مفاوضات مباشرة بين الأميركيين والإيرانيين عوض الاعتماد على الوساطات الأوروبية وخلف الأبواب الموصدة.
لكن ماذا لو رفضت إسرائيل المقاربة الأميركية والأوروبية الجديدة؟

في الواقع، يبدو أن حكومة بايدن لن تتخلى عن العودة إلى الاتفاق النووي شاءت إسرائيل ودول الخليج ذلك أم أبت، فهذا خيار استراتيجي اُتخذ منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2020 مباشرة بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وعليه يمكن اعتبار أن قضية الاتفاق النووي محسومة لا بل جوهرية لدى بايدن ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليڤان ولا رجعة فيها. ولعل أبرز دليل على صحة هذا الكلام أن بلينكن، وإن سبق وأشار بأصابع الاتهام إلى إيران في قضية السفينة، إلا أنه تراجع عن قضية التنسيق أو مجاراة ما تريده إسرائيل في هذه المرحلة
—————————
الكاتب : هادي جان بوشعيا، إعلامي وكاتب لبناني

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button