سامي كليب:
لعل لبنان هو البلد الوحيد في العالم، الذي يتوقّع فيه الجميع أحداثاً أمنية في تواريخ مُعيّنة، فتقع الأحداث فعلا دون تفاديها، ويموت أبرياء، ويتبادل الجميع الاتهامات، وتدخل وسائل التواصل الاجتماعي في معارك داحس والغبراء، ويتولّى قسم كبير من الإعلام شحنَ نُفوسِ من لم يتم شحنُهم بعد.
انتفاضة الكرامة في 17 تشرين، استقالة الرئيس سعد الحريري، نهب ودائع الناس، انهيار الاقتصاد، تجويع الجائعين أصلا، تفجير المرفأ، 9 أشهر من العُقم الحكومي، انقطاع البنزين والمازوت والدواء وغلاء فاحش للغذاء واندحار قاتل لليرة اللبنانية أمام الدولار، اعتذار الحريري عن التأليف، ترنّح الرئيس نجيب ميقاتي بين الأمل والتعقيدات بالتأليف الحكومي، مجزرة خلدة، وبعد غد ذكرى تفجير المرفأ، وبعدها بأشهر انتخابات نيابية…. كل هذه الاحداث الكُبرى كان من المُفترض أن تهزّ عرش أكبر دولة في العالم، وتُسقطَ أكبر الأنظمة، لكنها في لبنان تبقى مُجرّد أوراق في لعبة شطرنج، يلعبُ حولها كثيرون، أبرزهم من خارج لبنان، بينما في الداخل يتوزّع الأمر بين بيادق سياسية لمصالح خارجية، وضحايا من المدنيين يطويهم الزمن ولا يتركون خلفهم سوى دموع الأهالي وغضب الأرض التي تحتضن رفاتهم.
ما يجري الآن في لبنان، وما سيجري في الأيام والأسابيع المقبلة، ليس بريئا، ثمة مصالح تتقاطع وتتآلف لتفخيخ الأوضاع. بعضُها يتعلق بالتحقيق في تفجير المرفأ، وبعضها بقلب المعادلات السياسية قبل الانتخابات، وبعضها الثالث بإعادة تموضع الأطراف في أعقاب اعتذار الحريري، وبعضُها الرابع بمشاريع مرتبطة بصفقات تتعقّد إقليميا ودوليا، ويدفع ثمنها أبرياء لُبنان والوطن، وبعضُها الخامس بالعاملين على نزع سلاح حزب الله ، وبعضها السادس بالعاملين على ترسيخ دعائم الحزب، وبعضها الدائم بمصلحة أعداء لبنان، وما أكثرهم هذه الأيام.
من الصعب تحديد المسؤول المُباشر عن أي حدث، فلُبنان مقبرةُ الحقائق، لا أحد يعرف كيف يبدأ حدث ولا كيف ينتهي. لان الجميع يتلهّى بظواهر الأمور وبتعداد الضحايا وبتبادل الاتهامات والتشاتم والغرق في الفتن المتنوّعة والمتعدّدة، ولا أحد يعرف من خطّط ومن اغتال، وإنما جميعهم يعرفون شكل الضحية وبكم رصاصة أصيبت.
لا شيء يجري حاليا، وسيجري في الأشهر الفاصلة عن الانتخابات المقبلة، بريئا، قد تكون الشرارة الأولى صُدفة، وقد لا تكون، أما الاستغلال السياسي فهو سيرتفع الى أقصى الحدود، ليس لان الأطراف الداخلية لم تعرف ولم تشأ في تاريخ هذا البلد وضعه على سكة العدالة الحقيقية، وإنما لأنها تنتظرُ من يتولّى أمرَها في المستقبل، فمنذُ الخروج السوري من لبنان ( بعد ان تحول الى دولة داخل الدولة)، أثبت ساسةُ لُبنان أنهم بحاجة دائمة الى وصيّ خارجي، حتى ولو أن هذا الوصيّ مارسَ كما سيُمارسُ غيرُه لاحقا كل أنواع الاذلال لساسةٍ عرفوا كيف يتكيّفون مع كل الأوصياء ويقبلون الذلّ، ولم يعرفوا معنى الانتماء للوطن.
لعلّ النصيحة الوحيدة للناس في معمعة المصالح، هي أن لا تنزلقوا الى الشحن المذهبي والطائفي هذه الأيام، لان هذا بالضبط هو المطلوب في المرحلة الفاصلة بين انهيار نظام والبحث عن آخر لم تتضح معالمُه بعاد، ولأنكم ستكونون وحدكم ضحاياه. وأما النصيحة للزملاء الإعلاميين فهي : ارحموا وطنكم وساهموا بوأد الفتنة لا بإيقاظها.