هادي جان بو شعيا
فاجأ الرئيس الأميركي جو بايدن العالم بأسره بتصريحات لا تستبعد نشوب حرب حقيقية سببها الهجمات السيبرانية بين واشنطن وقوىً عظمى. تصريحات بدت قاسية بعدما كرّس سيد البيت الأبيض نهجًا سياسيًا يقوم على رأب الصدع الداخلي وإنهاء المهمات الأميركية القتالية في كل من العراق وأفغانستان كأولويات لإدارته.
فهل يحذر بايدن خصومها خصوصا الصين وروسيا لمنع الحرب، أم أن العام عائد فعلا الى زمن الحرب الباردة؟
في الواقع يمكن توصيف علاقة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية بميزان ذي كفتين متأرجحتين، فمن ناحية هناك الكفة الأميركية-الروسية التي ما لبثت أن استقرت مع خفض التصعيد في العلاقات عقب قمة جنيف، ومن ناحية أخرى الكفة الأميركية-الصينية التي تشهد تصعيدًا متناميًا ليس بسبب العامل السيبراني فحسب، بل هناك جملة عوامل اهمها التالي :
– قيام نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان بزيارة لبكين كشفت فيها النقاب عن الثقوب التي تعتري علاقات البلدين والتي لا يمكن التغاضي عنها حسب واشنطن، مشيرةً إلى وجوب التعامل بطريقة مختلفة.
– نظرة البيت الأبيض تجاه الموقف الصيني الذي لا يكترث للمآخذ الأميركية، خصوصًا في المجال السيبراني.
– تعاظم خشية واشنطن من قوة الاستخبارات الصينية قياسًا بنظيرتها الروسية، نظرًا لانفتاح الصين على المجال التقني والاستخباري والصناعي والملكية الفكرية وسواها من الأمور…
– موقف في الكونغرس الأميركي منبثق عن عدد من المشرّعين الذي يتهمون البيت الأبيض بأنه لم يقدّم موقفًا صارمًا إزاء بكين التي يتهمها كثير من الأميركيين بأنها مسؤولة عن انتشار جائحة كورونا، وما يتطلب ذلك من تقصي والذهاب به بعيدًا لتوجيه أصابع الاتهام بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الصينيين.
– ما تصفه واشنطن ب “العامل التوسعي الصيني”، مع احتدام قضايا بحر الصين الجنوبي وتايوان، و ب:” القمع والاضطهاد” في هونغ كونغ وسواها من الملفات.
إذا مع تكاثر العوامل الخلافية وعدم توصل شيرمان إلى إيجاد نبرة توافقية ريثما يصار إلى عقد قمة أميركية-صينية أو ربما التوصل إلى مخرج لتهدئة الأوضاع ستبقى الأجواء مشحونة وتهدد بانفجار غير مسبوق.
لكن، من ناحية أخرى، حتى لو كان هذا التهديد الأميركي بحرب حقيقية موجهًا بقدر أكبر إلى الصين، إلا أن بايدن، في معرض حديثه أمام المجتمع الاستخباري، اتهم روسيا صراحة بتهديد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل. فهل يعتبر ذلك تلويحًا بالحرب ضد موسكو أيضًا؟
على ما يبدو أن “شهر العسل” المزعوم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا انتهى بالفعل عقب لقاء جنيف، حيث كانت تلوح في الأفق، بحسب بعض المحللين، مؤشرات عن تطبيع قريب في العلاقات بين الجانبين ، لكن ذلك ما لم يحدث، إذ يتضح أن بايدن يمارس سياسة “الترهيب والترغيب” فتارةً تجنح تصريحات البيت الأبيض صوب تبني لغة إيجابية عبر الحديث عن تنسيق أميركي-روسي حول الاتفاقات الثنائية في مختلف المجالات، وتارة أخرى يشن هجومًا مضادًا ولعل ذلك مرده لاعتبارات سياسية داخلية عبر إيجاد خصم خارجي ليظهره إلى الشارع الأميركي.
أمام هذه المشهدية، يطرح السؤال التالي: ماذا عن الصين، حيث تزامن تواجد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الهند، ولقائه الدالاي لاما الزعيم الروحي للتيبت الذي تعتبره بكين مُنشقا مع تصاعد التوتر الصيني الاميركي.
تحاول أميركا إعادة استراتيجيتها لقيادة العالم من خلال إظهار روسيا والصين الخصميْن والتحدييْن الاستراتيجييْن للسياسة الأميركية، خصوصًا لجهة التفوق الالكتروني والذكاء الاصطناعي اللذين لا زالت تتربع عليهما.
ولذلك، وقتما تتبنى السياسة الأميركية مفهوم عسكرة منطقة “آسيا باسيفيك” للتوجه نحو الصين بشكل أساسي لمواجهة حرب بالمستقبل، فإن ذلك يؤكد أن زيادة بلينكن إلى نيودلهي تصبّ في إطار تعزيز الرباعية أو “كواد” التي شكلت قبل فترة وتضم أستراليا واليابان والهند وأميركا، والتي تم إعادة إحيائها وتنشيطها لمواجهة التمدّد الصيني في هذه المنطقة من ناحية، والتركيز على الدور المنوط بالهند في المستقبل في مواجهة جارتها التنين الصيني باعتبار أن الخلافات الحادة بين القوات الهندية والصينية التي برزت في جبال الهيمالايا العام الماضي، أدت إلى نوع من الفتور وتوتر في العلاقات بين الجارتين الآسيويتين، ويأتي ذلك عقب تصريحات الولايات المتحدة بتعزيز القدرات العسكرية الهندية لتضاهي مثيلاتها الصينية لمواجهتها في المستقبل.
يبدو أن هناك تخطيطًا واضحًا يعكس “الاستراتيجية الكبرى” التي لا زالت واشنطن تحيك خيوطها بعناية مع حلفائها منذ قرابة ستة أشهر، والتي تتجسد بالمدّ والزحف الغربيين الآتيين من الشمال والجنوب، واللذين بدآ مع كندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي واليابان ونيوزيلندا والهند وسواها لعزل الصين وروسيا وتطويقهما بالضغوط والعقوبات الاقتصادية الغليظة، وهو ما يعني إزالة انعكاسات سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي أثرت على العلاقات والشراكات الاستراتيجية.
في المحصلة، يسير المد الأميركي الاستراتيجي بخلاف ما ذهب إليه ترامب في خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تعمل واشنطن على رفع شعار الديبلوماسية كخيار أول لحلّ الخلافات مع روسيا والصين، لكن في الوقت ذاته ترمي إلى تعزيز التحالف الغربي. وعليه يمكن استخلاص أن الإدارة الأميركية تمارس مجموعة من أدوات الضغط المختلفة الديبلوماسية وغيرها لتحقيق غايتين اثنتين تعزيز التحالفات وضمانها وإعادة استمالة الدول التي وجدت نفسها في فترة من الفترات تبحث عن حليف آخر.
———————————————————————————————————
الكاتب: هادي جان بو شعيا – إعلامي وباحث لبناني
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…