160 مليون يحتاجون مساعدات انسانية. ناقوس خطر
هادي جان بو شعيا
تأتي تحذيرات الأمم المتحدة من مغبّة التقلص غير المسبوق للحيز الإنساني في العالم والعنف المتزايد ضدّ عمّال الإغاثة لتشكّل إعصارًا غير مسبوق من الأزمات التي تجتاح العالم، ذلك أن الهجمات التي طالت المنظمات الإنسانية تضاعفت عشر مرات منذ العام 2001 لتشمل إطلاق النار والاعتداء الجسدي والجنسي وعمليات خطف وقتل وفرض الرسوم على المساعدات وسواها.
تفيد الدراسات الموثوقة أن أكثر من 160 مليون نسمة في أرجاء العالم بحاجة للمساعدات الإنسانية وهو رقم غير مسبوق والأخطر من ذلك أن الوصول للضحايا غير مضمون. وهذا ما دفع نائية الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمود الى التحذير من دخول العالم مرحلة لم يعهدها العالم من قبل، خصوصًا أن الاحتياجات الإنسانية لم تكن بهذا الحجم الهائل في أي وقت مضى.
وتتفاقم الأزمات الإنسانية بسبب هجمات لا هوادة فيها على عمال الإغاثة والأطباء وفرض قيود مشددة على المجال الإنساني، وقد ترتقي إلى جرائم حرب يجب التحقيق مع مرتكبيها والاقتصاص منهم وسوقهم إلى العدالة وفق ما تقول الأمم المتحدة.
يشكّل مئات الملايين من الأشخاص حول العالم الذين يرزحون تحت خط الفقر صورة قاتمة تستدعي توفير الحاجات المعيشية والنفسية لهم نتيجة ردود أفعال طبيعية بسبب ركود اقتصادي ساد لفترة عامٍ ونصف العام، ما خلّف حالاً من عدم اليقين، فضلاً عن عجز حكومات العالم عن احتواء جائحة كورونا وأخواتها (متفرعاتها وسلالاتها).
كما يعيش إنسان اليوم حال فقدان الثقة بالحاضر، ناهيك عن هلاميات المستقبل والتي تشترك في كثير من الأحيان بين الأبعاد السياسية والنفسية والاستراتيجية، فضلاً عن صعوبة الخروج من دوامة تبدّد الخوف من جائحة كورونا واستعادة اقتصاديات الدول الثقة المطلوبة وكل ما يتوفر عليه من تعاون دولي.
لعلّ القضية الأخطر من كل ما سبق ذكره هو أن معظم حكومات العالم لا زالت تمضي قدمًا في سياسات التشبّع بالردع النووي، ولم تنفتح بعد حتى لا نقول غير آبهة بضروريات الردع الوبائي والاهتمام بالإنسان أكثر من عنصر القوة أو التسلح وأهمية البحث في دور الدول في هذه العلاقات المتداخلة.
وقد يقول قائل إن لهذه التضييقات مبررات على بعض المنظمات الإنسانية، خصوصًا وأن الأخيرة اتهمت في أكثر من موقف بازدواجية المعايير بغية تحقيق مآرب سياسية واستراتيجية للجهات المانحة لها، بالإضافة إلى حوادث مشهورة باستخدامها كسبيل أو طريق لتجسس بعض الدول وسبب لإلقاء القبض على بعض المطلوبين، ما ينزع عنها طابع الصفة الإغاثية والإنسانية الصرفة.
وامام هذا الوضع يُطرح السؤال الأكثر إلحاحاً وهو إلى أي مدى تتلاءم هذه المنظمات الدولية، وخصوصًا الإنسانية مع طبيعة التحديات التي تواجهها من مجاعة واقتتال واستعصاء السبل لإيصال المساعدات الإنسانية على غرار ما تشهده دول عدة أبرزها اليمن الذي يعاني أفظع كارثة إنسانية في هذا القرن وفق ما قالت الأمم المتحدة ، فضلاً عن أفغانسان وسوريا وإثيوبيا ومالي ولبنان وسواها الكثير من الدول.
ألم يحن الوقت لمراجعة الآليات التي تحكم عمل هذه المنظمات ودعوة مجلس الأمن الدولي لإعادة النظر في مجموعة من الاعتبارات والمرجعيات ولعلّ أبرزها تلك التي نشأت بُعيد الحرب العالمية الثانية والتي تقضي باستتباب الأمن والسلم الدوليين؟ لا شك أن الإنسان يجب أن يكون المحرك الأساسي في محور تحليل بنية أي دولة ومدى سلوكياتها في قضايا الحروب والنزاعات إلى جانب إخماد فوهات المدافع وإسكات هدير الطائرات القتالية والآليات الحربية الأخرى.
—————————————————
الكاتب: هادي جان بوشعيا
إعلامي وباحث لبناني