سامي كليب:
لو كان ثمة عنوانٌ واحد في خطاب القسم للرئيس السوري بشّار الأسد يحمل رسائل كثيرة للعدو والحليف، فهو حتماً مسألة ” الدستور”، فالأسد الذي ولج الى ولايته الرابعة وعامه الحادي والعشرين في الحُكم، حسم الجدل حول هذه المسألة التي شهدت ضغوطا كثيرة قبل الانتخابات الرئاسية فقال:” إن الدستور أولوية غير خاضعة للنقاش أو للمساومات لأنه عنوان الوطن ولأنه قرارُ الشعب“.
صحيح أن عناوين المستقبل من تثبيت سعر الصرف والإصلاح الاقتصادي والاستثمارات ومحاربة الفساد، وثوابت العروبة والقومية وفلسطين، شكّلت جُزءا أساسيا من الخطاب الذي تزامن هذه المرّة مع وجود وزير الخارجية الصيني في دمشق للمرة الأولى منذ بداية الحرب، الاّ أن الحفاظ على الدستور كما تريده القيادة السورية الحالية لا الآخرون بقي الأبرز. وأما المعارضة الخارجية بكل تنويعاتها، فهي بقيت في الكلام المُعلن وفي التلميحات تتراوح في خطاب وتفكير الأسد بين:” العمالة، والخيانة، وقصر النظر، والسذاجة…الخ”، ومع ذلك فهو دعا الجميع للعودة الى ” حضن الوطن”.
هذه أولا أبرز العبارات التي استخدمها الأسد حيال الدستور:
- أثبتم مرة أخرى وحدة معركة الدستور والوطن فثبتم الدستور أولوية غير خاضعة للنقاش أو للمساومات لأنه عنوان الوطن.
- الشرعية الشعبية التي يمنحها الشعب للدولة، أي شعب لأي دولة ،سفّهت تصريحات المسؤولين الغربيين حول شرعية الدولة والدستور والوطن، وتمكّنت من تحويل المناسبة من إجراء دستوري إلى عمل سياسي زعزع أخطر الطروحات التي دأب عليها أعداؤنا منذ الأسابيع الأولى للحرب حينما حاولوا إقناعنا بتعليق الدستور القائم.
- إن الطروحات التي تستمر اليوم والتي يتم العمل عليها عبر بعض العملاء المعينين من قبلهم أو بوساطة تركية أو بواجهة تركية لا يهم، تهدف في المحصلة للوصول إلى دستور يضع سورية تحت رحمة القوى الأجنبية ويحول شعبها إلى مجموعة من العبيد والمطايا.
- هذه المقدرة على التمييز بين الوهم والحقيقة، على عزل السم عن العسل هي التي مكنتنا من تحويل حدث دستوري إلى عمل سياسي وطني استراتيجي
- الشعب خاض حرباَ ضروساً واسترد معظم أراضيه وفرض دستوره في الشارع وصناديق الاقتراع.
معروفٌ أن مسألة “تعديل الدستور” التي خضعت لضغوط غربية ولكن أيضا روسية كبيرة قبل الانتخابات الرئاسية، والتي كان الروس أنفسُهم يعملون كي تكون آخر انتخابات على أساسها، كانت السبيل الذي أراده كثيرون جسرا لإشراك المعارضة في السُلطة وتعديل عدد من الصلاحيات وقيام حكومة وبرلمان متنوّعين. فالأمم المتحدة كانت قد نجحت (وبالتوافق خصوصا بين واشنطن وموسكو) في تشكيل اللجنة الدستورية التي تضم 150 عضوا يمثلون بالتساوي القيادة السورية الحالية والمعارضة والمجتمع المدني السوري، وغالبا ما اتهمت الدول الأطلسية هذه القيادة بالسعي لتعطيل عمل اللجنة لعدم المساس بالدستور الحالي او اشراك المعارضة.
يُشار أيضا الى أن آخر التصريحات الروسية التي أدلى بها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، اشارت صراحة الى هذه المسألة لكن حيال الانتخابات التشريعية فقال :” إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق وتمت الموافقة على نتائج عمله، فمن الممكن إجراء الانتخابات في وقت مبكر وليس بعد 7 سنوات كما هو منصوص عليه في الدستور الحالي، لكن هذا الأمر يتطلب توافقا بين السوريين” . لكن لا شك أن موسكو اليوم، اي بعد مواقف بايدن المتشدد ضدها، ليست كموسكو الأمس، وربما ما عادت مضطرة للضغط على دمشق ” دستوريا” كما كانت تفعل سابقا.
حسم الأسد إذا هذه المسألة لناحية عدم المساس بالدستور الحالي، وتحدّث بلغة الواثق من عدم قدرة الآخرين على التأثير على قيادته التي شدّد أنها حازت على ” الشرعية الشعبية” وبالتالي:” الدستورية”، وهو ما يعني أن هموم ومشاكل ما بعد الحرب السورية المُشارفة على الانتهاء لن تكون المسائل الدستورية وانما النهوض بالاقتصاد. وهذا يعني أيضا أن سورية تفيد كثيرا في الوقت الرهن من تجدّد شبح الحرب الباردة بين أميركا من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية، وكذلك من بشائر الانسحابات الأميركية من أفغانستان وصولا لاحقا الى العراق وسورية.
كان لافتا أيضا أن الأسد وبعد الانفتاح العربي على دمشق من عودة سفارات الى اتصالات علنية او في الكواليس، ركّز في خطابه على عدوانية أميركا وتركيا، وفتح الباب على احتمال مواجهة مقبلة مع الأميركيين على الأرض السورية وذلك فيما تشهد مناطق احتلالهم اشتباكات أو هجمات وبعضها تقوم به العشائر المؤيدة لدمشق.
وهنا يُصبح كلام الأسد عن ” المقاومة” غير متعلّق فقط بإسرائيل التي شدد الأسد على محورية قضية فلسطين بالنسبة لدمشق، وإنما يطالُ أيضا كل احتلال آخر، فقال : ” نؤكد على واجب الدولة الدستوري والشرعي والأخلاقي في دعم أي مقاومة تقوم على امتداد ساحة الوطن ضد المحتلين وبأي شكل من أشكال المقاومة سلمية كانت أو مسلحة”. وهذه رسالة واضحة لمستقبل قد يزداد تعقيدا لو تعقّدت المفاوضات الأميركية الإيرانية.
أما كلام الأسد عن أن :” العائق الأكبر حالياً ( أمام نهضة الاقتصاد السوري) هو الأموال السورية المجمدة في المصارف اللبنانية والتي تقدر بعشرات المليارات والبعض يقول بالأربعينات والبعض يقول بالستينات” وبأن حل هذا الأمر :” مرتبط بتغير الظروف في لبنان”، ففي هذا رسائل أخرى نعود اليها في مقال آخر.
يبقى أن حديث الأسد عن المستقبل، يحتاج وسيحتاج استثمارات وأموالاً كثيرة، ذلك أن المواطن السوري يُريد الآن وقبل كل شيء أن يلمس أنه بات قادرا على توفير حاجاته اليومية بلا معاناة كبيرة. فهل تكون زيارة الوزير الصيني باكورة خطوات جدية في هذا الإطار تُضاف الى الانفتاح العربي الذي يبقى مشروطا بقانون ” قيصر”؟