هادي جان بو شعيا
يبدو أن قمة جنيف التي جمعت الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لم تؤتِ ثمارها على الأصعدة كافة، بدءًا بالحروب السيبرانية مرورًا بأزمات الممرات والمضائق المائية وجعلها مسرحًا للنزاعات المستقبلية، وصولاً إلى الأمن العالمي والدولي الذي يشي بإحياء الحرب الباردة التي كانت أحد أبرز محاور القمة.
لعل هذا الكلام يقودنا إلى حرب باردة بدأت تلوح ملامحها في أفق سباق التسلح الخفي الحاصل بين الجارتين المغربيتيْن المغرب والجزائر، حيث ارتفعت نسبة التسلح واقتناء هذه المعدات العسكرية لدى المغرب في خلال العامين الماضيين بحوالي 33% فيما تشكل ثلاث دولة نسبة 90% من الواردات المغربية من الأسلحة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وتأتي خلفها الصين وتركيا وإيطاليا، ويُحكى عن طائرات مسيرة ذات مصدر إسرائيلي.
من يراقب المشهد عن كثب بين المغرب والجزائر في ظل مساعيهما لامتلاك أسلحة جديدة يتبين أن هناك سباق تسلح غير معلن يوحي بتحوّل البلدين إلى سوقي أسلحة أحدهما أميركي والآخر روسي بالدرجة الأولى. ذلك أن المغرب بدأ يستلم أولى دفعات صفقة مروحيات حربية قتالية أميركية من طراز “أباتشي أي.أتش.64.إي” تزيد قيمتها على 4 مليارات دولار أميركي، عدا عن صفقات سابقة لشراء منظومة “باتريوت” الصاروخية الدفاعية وغيرها من الصفقات التي وُقِّعت في عهد الادارة الأميركية السابقة برئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وبالتزامن مع التسلح المغربي تتجه الجزائر لإتمام واحدة من أكبر الصفقات مع روسيا بقيمة تصل إلى 7 مليارات دولار أميركي لشراء مقاتلات “سوخوي” من طرازات مختلفة.
وفي مقارنة لسباق التسلح بين البلدين ولميزان الانفاق العسكري في السنوات الأخيرة وتحديدًا بين الأعوام 2010 و2019 يمكن أن نلحظ أن كفّة الجزائر تميل بعد إنفاقها أكثر من 90,9 مليار دولار أميركي مقابل 35,6 مليارات انفقتها المغرب.
وعند الحديث عن القوات البرية تميل الكفّة لصالح المغرب من حيث عديد القوات النظامية (310 آلاف مقابل 130 ألفًا للجزائر) وعدد الدبابات والعربات المصفحة (11003 مقابل 9024 للجزائر)، فيما تعود الكفة لتميل لصالح الجزائر لجهة عدد المنظومات الصاروخية الدفاعية ( 265 مقابل 165 للمغرب).
وفي القوة البحرية، تمتلك الجزائر 76 سفينة حربية و6 غواصات مقابل 35 سفينة للمغرب. أما في الجو فتتقدم الجزائر من جهة عدد المقاتلات الحربية 124 مقابل 83 للمغرب، كذلك بالنسبة للمروحيات الحربية 227 مقابل 47 للمغرب، فضلاً عن 29 طيارة بدون طيار للمغرب مقابل 25 للجزائر.
منذ قرابة خمسة أعوام كانت الجزائر ضمن الدول العربية العشر الأكثر تسلحًا في العالم، لكن من يراقب الأرقام يلحظ أن المغرب يريد أن يلحق بركب المنافسة على سباق التسلح، خصوصًا وأنها مصنّفة ضمن الدول الأربعين الأولى من حيث سرعة وتيرة التسلح من أصل 137 دولة ما يعكس الإنفاق العسكري الكبير.
أسباب السباق على السلاح
يمكن أن يعزى ذلك إلى قناعة أمنية بالدرجة الأولى أكثر منها استراتيجية نظرًا لاحداث الغرغرات في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي وتحلّل جبهة البوليساريو من اتفاقية الهدنة أو اتفاقية وقف إطلاق النار التي امتدت لثلاثة عقود، ناهيك عن تصدّع خفي أو ضمني في العلاقات الجزائرية-المغربية، وتعزيز الجزائر حضورها إلى الغرب قرب الحدود المغربية بقاعدة عسكرية.
كما يلعب السياق الدولي دورًا بارزًا، مع سعي روسيا ودول أخرى لتعزيز حضورها الاستراتيجي في غرب المتوسط، حيث تنظر كثير من الدول إلى منطقة المتوسط سواء في غربها أو في شرقها على أنها منطقة تنافس مستقبلي على الصعيد الاستراتيجي وانشاء التحالفات العسكرية.
والسؤال هنا هل يشي سباق التسلّح هذا بمنافسة مغاربية محلية أو بمنافسة عالمية، ولكن بأذرع مغاربية؟ وماذا يعني ذلك للمنطقة؟
لا شك أن ما حدث ويحدث في علاقات البلدين عبارة عن تقاطع من مخاوف الجوار، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء التي تعتبر النتيجة والسبب في آن، وإذا ما عدنا في تاريخ العلاقات المغربية-الجزائرية إلى الوراء يتضح أن هناك نخبًا سياسية وأمنية وعسكرية في كل من الرباط والجزائر أفادت سياسيًا وماليًا وماديًا من هذه التركة والتي تجلت بحرب الرمال التي اندلعت عام 1963، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لم يخرج جيلٌ جديد ليضع حدًا لتجاوز هذه الموروثات السياسية والأمنية المسيئة للبلدين الجارين الشقيقين.
لكن يجب الّا نغفل جانبًا في غاية الأهمية، ذلك أن العلاقات المغربية-الجزائرية كانت تتأزم وتنفرج عند تأجيج قضية الصحراء وتهدئتها لأكثر من 30 عامًا تحديدًا منذ نشر بعثة “مينورسو” ( مراقبو الأمم المتحدة ) عام 1991 للاستفتاء في الصحراء الغربية والتي تأسست بقرار مجلس الأمن رقم 690 في 29 نيسان/أبريل 1991 تماشيا مع مقترحات التسوية المقبولة في 30 آب/أغسطس 1988 بواسطة المملكة المغربية وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة بجبهة البوليساريو.
كما أن التدخل الدولي في قضية الصحراء كان يزرع البلبلة بين الجارتين المغربيتين مرات كثيرة، ولعلنا نذكر كيف أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان أعلن ” شرعية المغرب على الصحراء المغربية” وهو ما أقلق الجزائر وحلفاءها، قبل أن يعود الرئيس بادين الى المخطط الدولي، وما فعله ترامب كان قد سبقه اليه قبل سنوات عديدة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك حين كان يسمي الصحراء بالإقليم المغربي.
لكن يبدو الآن أن منطق التسلح يشي ضمنياً بأن مسار الديبلوماسية والمفاوضات من خلال الأمم المتحدة لم يعد مجديًا، فيما تتعالى الأصوات في كلا البلدين بأنه ينبغي إعداد العدة الكافية. وهذا ما تسعى الأمم المتحدة لتفاديه عبر محاولة اعادة احياء التفاوض كوسيلة فضلى للحل، خصوصا ان اقتراحات كثيرة كان وضعت على الطاولة سابقة وبينها مثلا رفع علم الاتحاد المغربي على الصحراء أو تمتع الصحراء بنوع من الحكم ذاتي لكن بالاتفاق مع المغرب والجزائر وغير ذلك .
لعلّ التحول المثير للاهتمام يتمحور حول مساعي المغرب ليس فقط للحصول على فرقاطات أو طائرات مسيّرة بل أيضا على كمية كبيرة مما يسمى بأجهزة التجهيز الدقيق Precision Equipment وهذا ما يجعل المراقبين يعربون عن قلق من مناخ حرب باردة خفية قد تشي بانفجار الوضع.
—————————-
الكاتب : إعلامي وباحث لبناني
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…